منذ بداية عرض «ليلك ضحى» للكاتب والمخرج «غنام
غنام» (الذي قدم ضمن فعاليات مهرجان أيام الشارقة المسرحية في دورته الثامنة
والعشرين)، يجد المتفرج نفسه متورطا في الكثير من التداعيات العنيفة والمأساوية
التي تمر به بشكل عابر سريع عبر شاشات القنوات الإخبارية يوميا، فالعرض يحاول
الاقتراب من واقع البشر الذين وجدوا أنفسهم عالقين تحت نيران الحرب الأهلية من
جهة، وسيطرة الجماعات الدينية المتشددة (وداعش في مقدمتها) على مصائرهم من جهة
أخرى، وذلك من خلال إطار رومانسي يحاول إثارة مشاعر المتلقي وتوريطه عاطفيا
وإنسانيا.
قد يكون أول ما يمكن أن يثيره العرض هو محاولته الاقتراب من لحظات حرجة في تاريخ المشروع الحداثي العربي من خلال تتبعه لقصة حب وموت (ليلك وضحى) القادمان من المدينة إلى القرية النائية لتدريس الفنون، وهما يحملان يقينا بأنهما يقومان بدور في بناء المجتمع الذي ينتميان إليه، فذلك المشروع الذي يبدو هنا محاصرا ومحاطا بأجواء عدائية يعكس بالضرورة كل خطايا العقود القليلة الماضية على كل المستويات السياسية والاجتماعية التي وجدت تجسدها الأكثر بروزا في تراجع المد القومي بصبغته الاشتراكية نتيجة التغيرات الدولية والإقليمية الكبري التي أطاحت بالمشروع وودعته مصحوبا بلعنات المرارة والخوف وصور مخيفة لنهايات أنطمة ارتبطت بالمشروع القومي وتداعت معه نتيجة الضغط الداخلي والخارجي. وفي مقابل ذلك السقوط استدعت المجتمعات العربية المشروع الأممي الإسلامي بوصفه البديل للمشروع القومي، الذى استمرت عملية سقوطه منذ نكسة 1967 وحتى ثورات الربيع العربي بكل ما فيها من صخب ودموية، لقد جسدت أزمنة الربيع العربي التجلي الأكبر للمشروع الإسلامي الرديكالي، وهو يحاول إقامة اليوتوبيا الخاصة به وهي ذاتها اليوتوبيا التي تقتل ليلك وضحى وتدمر العالم.
إن ذلك الصراع يقوم على عدة مستويات تتجاور وتتراكب على مستوى العرض؛ أولها بالتأكيد هو ذلك المستوى المتزامن مع المتلقي أو لحظة العرض التي حاول المخرج التأكيد عليها عبر كشف مصادر الإضاءة وإزاحة الكواليس ووضع الفرقة الموسيقية في موقع بارز على خشبة المسرح.. إنه زمن يحضر بكل ثقله على العرض ويلقي بظلاله عليه عبر حركة الممثلين في الكواليس المكشوفة ومرورهم الدائم في الخلفية للانتقال من يسار إلى يمين المسرح والعكس لتقديم أدوارهم. إن ذلك المستوى قد يكون أكثر المستويات إشكالية على مستوى العرض؛ حيث لا يتم تنشيط ذلك المستوى عبر الحديث المباشر للمتلقي أو إشراكه.. بالطبع، فإن عملية الإبعاد التي ينشئها هذا المستوى تخفض من سقف الحالة الميلودرامية التي يثيرها العرض عبر الانفعالات العنيفة والأنماط الحدية (أشرار وأخيار). لكن إلى جوار ذلك، فإن تلك التقنيات التغريبية لا تتمدد لتشمل مسألة الحكاية أو التعليق عليها.. وهو ما كان من الممكن أن يضيف المزيد من المساحات للتفكير والتأمل في موضوع العرض خصوصا، وأن العرض يلجأ إلى تلك التقنيات ذاتها بالدراما عبر إعادة تجسيد مسرحية عنترة ونقد موقف البطل.
قد يكون أول ما يمكن أن يثيره العرض هو محاولته الاقتراب من لحظات حرجة في تاريخ المشروع الحداثي العربي من خلال تتبعه لقصة حب وموت (ليلك وضحى) القادمان من المدينة إلى القرية النائية لتدريس الفنون، وهما يحملان يقينا بأنهما يقومان بدور في بناء المجتمع الذي ينتميان إليه، فذلك المشروع الذي يبدو هنا محاصرا ومحاطا بأجواء عدائية يعكس بالضرورة كل خطايا العقود القليلة الماضية على كل المستويات السياسية والاجتماعية التي وجدت تجسدها الأكثر بروزا في تراجع المد القومي بصبغته الاشتراكية نتيجة التغيرات الدولية والإقليمية الكبري التي أطاحت بالمشروع وودعته مصحوبا بلعنات المرارة والخوف وصور مخيفة لنهايات أنطمة ارتبطت بالمشروع القومي وتداعت معه نتيجة الضغط الداخلي والخارجي. وفي مقابل ذلك السقوط استدعت المجتمعات العربية المشروع الأممي الإسلامي بوصفه البديل للمشروع القومي، الذى استمرت عملية سقوطه منذ نكسة 1967 وحتى ثورات الربيع العربي بكل ما فيها من صخب ودموية، لقد جسدت أزمنة الربيع العربي التجلي الأكبر للمشروع الإسلامي الرديكالي، وهو يحاول إقامة اليوتوبيا الخاصة به وهي ذاتها اليوتوبيا التي تقتل ليلك وضحى وتدمر العالم.
إن ذلك الصراع يقوم على عدة مستويات تتجاور وتتراكب على مستوى العرض؛ أولها بالتأكيد هو ذلك المستوى المتزامن مع المتلقي أو لحظة العرض التي حاول المخرج التأكيد عليها عبر كشف مصادر الإضاءة وإزاحة الكواليس ووضع الفرقة الموسيقية في موقع بارز على خشبة المسرح.. إنه زمن يحضر بكل ثقله على العرض ويلقي بظلاله عليه عبر حركة الممثلين في الكواليس المكشوفة ومرورهم الدائم في الخلفية للانتقال من يسار إلى يمين المسرح والعكس لتقديم أدوارهم. إن ذلك المستوى قد يكون أكثر المستويات إشكالية على مستوى العرض؛ حيث لا يتم تنشيط ذلك المستوى عبر الحديث المباشر للمتلقي أو إشراكه.. بالطبع، فإن عملية الإبعاد التي ينشئها هذا المستوى تخفض من سقف الحالة الميلودرامية التي يثيرها العرض عبر الانفعالات العنيفة والأنماط الحدية (أشرار وأخيار). لكن إلى جوار ذلك، فإن تلك التقنيات التغريبية لا تتمدد لتشمل مسألة الحكاية أو التعليق عليها.. وهو ما كان من الممكن أن يضيف المزيد من المساحات للتفكير والتأمل في موضوع العرض خصوصا، وأن العرض يلجأ إلى تلك التقنيات ذاتها بالدراما عبر إعادة تجسيد مسرحية عنترة ونقد موقف البطل.
على مستوى ثانٍ نجد الحدث الدرامي الأساسي الذي
يتمثل في الأيام الأخيرة من حياة «ليلك» (علياء المناعي) و«ضحى» (رائد دالاتي)،
وهو المستوى الذي يبدأ بلحظة الحصار لهما داخل المنزل وينتهي بانتحارهما داخل مقر
قيادة «عمار/ أبو البراء» (فيصل علي)، ومن ذلك المستوى الأساسي تتفرع عدة مستويات
أخرى سواء المستعادة من الذاكرة مثل تاريخ الشخصيات وعلاقتهم بالمدينة والقرية..
أو الموازية مثل التاريخ الخاص بشخصية «حمود» (عمر المُلا) و«فاطمة» (هلا البصار)
أو التعليقية مثل ذلك الطواف الدائم والأبدي لشخصية «فاطمة» في فضاء العرض.
إن تلك الطبقات المتعددة من الفضاءات الدارمية التي يحاول العرض جمعها، هي ما تشكل في المجمل مجموع الثنائيات الأساسية التي يقوم عليها العرض بداية من ثنائية المدينة/ القرية التي هي ثنائية أساسية ومركزية بالنسبة للعرض.. فمن ناحية هناك المدينة التي تخضع للسلطة التنفيذية للدولة لكنها مدينة عاجزة ومقيدة إلى كرسي متحرك كما يقدمها العرض في صورة شخصية «أم ليلك/ حنة» (آلاء شاكر)، في مقابل بلدة تل القمح التي يهيمن عليها الشيخ البلداوي (إبراهيم سالم) بجسده الضخم وسيطرته على الفضاء.. إن تلك الثنائية للعلاقة بين المركز والأطراف قد تستعيد تلك الثنائية التاريخية التي كان المشروع الحداثي العربي يقوم عليها وهي العلاقة بين المركز والأطراف والأدوار التاريخية التي يتحملها المركز في تنمية الأطراف واستعادتها من التخلف وإعطائها الفرصة للتعبير عن ثقافتها ووعيها بالعالم. لكننا هنا نجد تلك العلاقة في أسوأ لحظاتها فالمدينة التي تمتلك القوة والسيطرة والقدرة تبدو ضعيفة وهزيلة وعاجزة ومرفوضة من الأطراف التي تنمو هنا على الانتهازية والعنف والشراهة والشهوة والتطرف.. تسقط المدينة ومشروعها في مقابل ذلك الصعود لقيم الرجعية والتخلف التي تمثلها بلدة تل القمح وشيخها البلداوي.. إلخ.
إن تلك الطبقات المتعددة من الفضاءات الدارمية التي يحاول العرض جمعها، هي ما تشكل في المجمل مجموع الثنائيات الأساسية التي يقوم عليها العرض بداية من ثنائية المدينة/ القرية التي هي ثنائية أساسية ومركزية بالنسبة للعرض.. فمن ناحية هناك المدينة التي تخضع للسلطة التنفيذية للدولة لكنها مدينة عاجزة ومقيدة إلى كرسي متحرك كما يقدمها العرض في صورة شخصية «أم ليلك/ حنة» (آلاء شاكر)، في مقابل بلدة تل القمح التي يهيمن عليها الشيخ البلداوي (إبراهيم سالم) بجسده الضخم وسيطرته على الفضاء.. إن تلك الثنائية للعلاقة بين المركز والأطراف قد تستعيد تلك الثنائية التاريخية التي كان المشروع الحداثي العربي يقوم عليها وهي العلاقة بين المركز والأطراف والأدوار التاريخية التي يتحملها المركز في تنمية الأطراف واستعادتها من التخلف وإعطائها الفرصة للتعبير عن ثقافتها ووعيها بالعالم. لكننا هنا نجد تلك العلاقة في أسوأ لحظاتها فالمدينة التي تمتلك القوة والسيطرة والقدرة تبدو ضعيفة وهزيلة وعاجزة ومرفوضة من الأطراف التي تنمو هنا على الانتهازية والعنف والشراهة والشهوة والتطرف.. تسقط المدينة ومشروعها في مقابل ذلك الصعود لقيم الرجعية والتخلف التي تمثلها بلدة تل القمح وشيخها البلداوي.. إلخ.
إن تلك الثنائية التي يقيمها العرض بين العجز
والسيطرة على مستوى الصورة المسرحية، كما هو الحال على مستوى النص، تقوم عليه
ثنائية لا تقل قوة، وإن كانت تستند إليه بالضرورة، إنها ثنائية الرجل/ المرأة، ذلك
أن نص العرض يقدم لهيمنة قيم ذكورية على العالم تنظر للمرأة على أنها موضوع جنسي
عاجز طوال الوقت في مقابل القوة والشراسة بالنسبة للرجل، ولعل ذلك ما يمكن أن نجده
في مختلف أرجاء العرض بداية من مطاردة أهل القرية لليليك بسبب وظيفتها كمدرسة
للفنون وتحررها على مستوى الملابس أو على مستوى فاطمة تلميذتها، أو حتى أم حمود
التي تقتل بسبب اتهامها بالزنا.
يؤكد العرض على تلك الثنائية عبر ألوان ملابس
الشخصيات؛ حيث نجد ملابس ليلك وفاطمة بيضاء في مقابل هيمنة اللون الأسود على ملابس
بقية الشخصيات، كذلك فإن البراءة المنتهكة (أو فاطمة) تبدو في حال هيمنة على
الفضاء وحرية في التحرك بين المستويات المختلفة من الفضاء، بينما تحتجز بقيه
الشخصيات في عوالمها الضيقة المحدودة.
إن تلك المستويات وهي تتحرك وتتقدم لا تقدم فحسب
نقدا للتطرف الديني والبداوة التي ترتبط به، بقدر ما تقدم مرثية للمشروع الحداثي
العربي الذي تآكل وأصبح محصورا وحبيسا وغير قادر الذي لا يأمل إلا في أن ينتقل لأجيال
قادمة عبر شخصية «حمود» الذي يتخلى عن التطرف في نهاية العرض.
بالطبع، فإن ذلك الأمل لم يكن ليكون مطروحا دون
الأسلوب الأدائي الساخر الذي قدمت به أنماط المتطرفين (أهل بلدة تل القمح) مثل أبو
سعيد (محمد جمعة) أو أبو حمزة (عبد الله محمد)؛ حيث اعتمد المخرج على نزع إنسانية
معظم الأنماط التي يقدمها لتلك الشخصيات سواء عمار مدرس الدين الذي يتحول لأمير
الجماعة أو أبو سعيد أو أبو حمزة أو حتى الشيخ البلداوي، فكل تلك الشخصيات تقدم
على مستوى الأداء بروح تهكمية ومحاولة لكشف تناقضتها في مقابل الملامح الإنسانية
التي تصبغ بقية الشخصيات.. ولعل هذه فرصة مناسبة للإشادة بإبراهيم سالم ومحمد جمعة
في أداء دوريهما وقدرتهما على تحويل الأنماط البسيطة التي قاما بأدائها إلى شخصيات
يمكن أن تبقى بذهن المتفرج.
بالتأكيد، إن العرض في رحلته تلك نحو الإدانة
الكاملة والنهائية للتخلف والرجعية التي تمثلها بلدة تل القمح وسكناها الذين هم
مجرد أنماط كوميدية متناقضة، لا يحاول أن يرى أثر السلطة القمعية في تحولهم وإعادة
تشكيل رؤيتهم للعالم، وبمعنى آخر لم يحاول العرض أن يرى خطايا المدينة التي أنتجت
ليلك وضحى، شهداء المرحلة من أبناء الحداثة المغدورة.. حيث تبدو أنماط ذلك العالم
وكأنها مجبرة على أن تكون مجرد أنماط سلبية.. دون التعرض لما دفع بتلك المجتمعات
إلى الكفر بالدولة الحديثة ككل.. إنهم ليسوا مجرد أنماط بلا روح يتقافزون فوق جثة
الحداثة دون أن يكون هناك من أذنب في حقهم.
إن تلك الرؤية الأحادية لقضية كبيرة ومؤرقة للوعي الجمعي العربي، قد تكون هي الأزمة الحقيقية التي واجهت العرض في رحلته نحو رثاء ذلك المشروع الحداثي.
إن تلك الرؤية الأحادية لقضية كبيرة ومؤرقة للوعي الجمعي العربي، قد تكون هي الأزمة الحقيقية التي واجهت العرض في رحلته نحو رثاء ذلك المشروع الحداثي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق