إن أهم ما يميز نصوص (يوجين أونيل) هو
ذلك النزوع الدائم بمسرحه لدفع الشخصيات إلي مساحة من إنعدام التوازن .. إلي الإنفصال
عن العالم المستقر والولوج إلي مساحات تدفع الشخصيات للوقوع في شرك أكتشاف ذاتها في
ظل ظروف شديدة التطرف و صراع عنيف يدفعها في العادة لنهايتها.
ولعل ذلك يتضح بشكل جلى في ذلك الثنائية
الدائمة التي يعقدها مسرح يوجين أونيل بين المزرعة والبحر بين السكون والحركة .. بين
الإستمرار والإنقطاع .. بين الإستقرار الأبدي الذي يميز المزرعة و الإنتقال المستمر
الذي يميز حياة البحارة .. ومن خلال تلك الثنائية يدفع (أونيل) شخصياته لتكتشف ذاتها
في إطار صراع عنيف و دموي الطابع في العادة .
ولعل نص (القرد كثيف الشعر) لا يختلف
كثيراً عن تلك الثيمة المتكررة بمسرح (أونيل)
فبرغم ميل النص للطابع التعبيري إلا أنه يظل عالقاً في تتبع ذلك التمزق العنيف الذي
يميز مسرحه بين النقائض .. فشخصية يانك ممزقة بين حيوانيتها و أنسانيتها بين علاقتها
المتوترة بالعالم وعلاقتها بموقعه من السفينة .. بين إيمانه وشكه .. بين عنفه وضعفه
. وبين تلك التناقضات العميقة و الدموية يتمزق ويسقط في النهاية . لكنه ليس وحده في
تلك ازمة فكافة الشخصيات الأساسية تقريباً من حوله تعاني من ذات التمزق و القلق الوجودي
الذي يدفعها دائماً إلي البحث عن ذاتها و التساؤل عن موقعها من العالم.
ومن ذات المساحة تقريباً أنطلق عرض
(القرد كثيف الشعر) لفرقة نادي مسرح قصر ثقافة الاسماعيلية والمخرج والمعد (محمد حامد)..
حيث يظهر ذلك بوضوح في سينوغرافيا العرض (لرامي دافنشي) بداية بذلك الوجه المشطور الذي
يحتل مركز الرؤية الذي يمثل شطر منه وجه قرد بينما يمثل الشطر الثاني وجه إنسان .
.كما يتضح في الإضاءة التي تشطر أجساد الممثلين بين الأحمر و الأزرق ...
إن سينوغرافيا العرض كما وضحنا تتميز
بتأكيدها على الصراع العنيف داخل الشخصية الأساسية (يانك/معتز مدحت) وتؤكد على ذلك
التمزق بين جانبه البرى الذي يهبه أحترامه ورضائه عن ذاته وجانبة الإنساني الذي يكشف
له عن ضعفه .. ولذلك فإن السينوغرافيا أنطلقت لتؤكد على ذك التمتزق الداخلى وتصقله
من خلال الإطار الشاعري الذي أنطلق منه المخرج و الذي يتأكد في كافة ملامح العرض الأخرى.
كذلك فإن السينوغراف قد لجاء إلي تشكيل المشاهد عبر
أربعة سواتر قماشية بيضاء تحمل رسومات مؤكده على روح العرض .. قردة وبشر و عناصر دالة
على السفينة ..الخ . وقد ساهمت تلك السواتر في تحقيق حالة من التنوع البصري داخل الفضاء
المسرحي في مقابل ثبات الوحدات الأخرى (القفص ، الوجه المشطور) .. وبالتالي فقد ساهمت
في حالة من الحيوية البصرية تتكامل مع التشكيلات الالجسدية المتبدلة والمتغيرة طوال
الوقت و التي كانت جزء أصيل من عمليات تشكيل الفضاء المسرحي .
إن تلك الحالة من التغير الدائم و التشكيلات
البصرية التي يكونها المؤدين طوال والوقت كانت هي الأخري جزء أصيل في بناء العرض وتوجهاته
لتخليق عالم من التشكيلات البصرية ذات النزوع الشاعري من جهة و المؤكدة على فكرة الإنشطار
و التمزق داخل البطل من جهة أخر .. فمجموعة (الكورس/الوقادين) تشغل الفضاء طيلة الوقت
مجموعة من التشكيلات الحركية الثبتة و المتحركة و التي تتنوع بين النعومة والعنف لعكس
عالم يانك الداخل والصراعات العنيفة التي تمزقه .
إن تلك التشكيلات الحركية تمثل (وكما
سبق أن أشرنا) جزء أصيل من بناء سينوغرافيا العرض التي كانت أهم عناصر العرض وأكثرها
بروزاً حيث يتجلى أثر التشارك بين المخرج ومهندس الديكور بجلاء في شغل الفضاء بحركية
دائمة تعبر عن الصراع العني الذي يدور في النص من ناحية ولتلافي الأثر السلبي على الإيقاع
الذي يمكن أن تخلفه لغة النص التأملية والشاعرية الطابع .. فحمل العرض ذاته مسئولية
تخليق فضاء تشكيلي يحمل ذات الطابع الشاعري الذي يحمله نص العرض .
على مستوي أخر فإن الملابس (أماني سلامة)
قامت بدور أساسي في التأكيد على الطابع المميز لكل شخصية عبر تلك المجموعات اللونية
التي تميز الملابس (الأبيض – الأسود - الرمادي)والتي ورغم أوليتها وبساطتها تظل قادرة
على تحديد توجهات العرض وخطابه.. فبداية منالمجموعة السوداء التي يقبع فيها يانك و
الكورس تطرح ألوان الملابس العلاقة التي تربط بين تلك المجموعة ويانك وأنهم ورغم أختلاف
تصميم ملابسهم عنه إلا أنهم يتوحدون معه على مستوي اللون .. كما يتوحدون معه من خلال
أستخدام الجسد العاري الملطخ بالسواد . كما أن توحيد تصميم ملابس مجموعة الكورس يعكس
الفكرة التي يحول نص العرض طرحها حولهم من كونهم مجرد تكرار لا يحمل طابع أنساني في
حد ذاته .
إما مجموعة اللون الأبيض فتضم (المهندسين
/عبد الرحمن مانو – إبراهيم وافي) ، (لونج/شادي عزت) ، (نرمين خليل/ ميلدرد) .. وبرغم
الإختلافات التي تفصل بين عناصر تلك المجموعة (لونج /الثائر ضد الرسمالية و المحرض
للعمال) ، (المهندسين سلاح السلطة القمعية و ووجها ) ، (ميلدرد إبنة مالك السفينة و
التي تحمل طبيعة أنسانية متعاطفة وذعر وفضول) .. رغم كل ذلك التناقض إلا أن العرض يؤكد
على كونهم منتمين لذات المجموعة من خلال اللون الأبيض . ولكن مع أختلافات خاصة بتصميم
ملابس كل شخصية (ملابس لونج الممزقة، ملابس المهندسين المتطابقة، الفستان الأبيض لميلدرد)
. ولكنيظل اللون الأبيض ممثلاً لرؤية العرض للون الأبيض كمعبر عن الجانب الإنساني الذي
يفتقده (يانك).
وتبقي المجموعة الرمادية والتي يمثلها
(بادي/ محمود نوح) .. حيث يقدم العرض شخصية بادي كنموذج ومتأرجح بين اللونين والحالتين
..ولعل تلك الطبيعة التي تتميز بها شخصي ة بادي في نص العرض قد وفرت مادة خصبة لمحمود
نوح الذي برز بقدراته الأدائية .
أخيراً لا يبقي سوي الأداء التمثيلي
الذي كان أحد أهم عناصر بناء العرض.. حيث تميزت مجموعة الأداء كلها بالقدرة على عكس
الأفكار التي أراد العرض تقديمها بداية من (معتز مدحت) مروراً بكافة أبطال العرض ومجموعة
الكورس .. وإن كانت تظل المشكلة الأساسية هي مشاكل نطق اللغة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق