عالم
من العلاقات المعقدة و المركبة لأسرة ممتدة بين طبقتين أجتماعيتان متنافرتين و
بالكثير من الروابط و العلاقات و الأسرار التي تصل لمرحلة زنا المحارم التي تظل
تتكشف ببطء على مدار العرض الذي يتقدم ببطء
لأكثر من ساعتين بالغة الصينية و بترجمة يصعب متابعتها دون تجاهل ما يحدث على خشبة
المسرح بين الحين والحين .
ربما تكون تلك هي أولي المشاكل التي تجعل من
الصعب الولوج لعالم العرض دون مرجعيات خاصة بالتاريخ الثقافي و السياسي الصيني
خلال القرن العشرين و التي بدونها ربما يبدو العرض مجرد إعادة تقديم نقدية
لأحد النصوص التأسيسية للمسرح الصيني
الحديث الذي يلتصق بالمركز الغربي على مستوي البناء الدرامي أو التقنيات الفنية
المعتمدة .
إن تلك الأزمات العميقة في عملية التلقي ربما
تجعل من الصعب تفهم العرض أو أستيعابه في ظل التقنيات التي يعتمدها العرض و التي تزداد
صعوبة مع تتبع العرض للدراما المتخمة
بالمونولوجات و المشاهد الحوارية الطويلة ، إلي جانب النص السردي الذي يغلف
الدراما و الذي يعلق عليها و يتعامل مع نفسه كعملية محاكمة للشخصيات و للعالم .
ولمحاولة تخطي كل تلك الصعوبات التي تصعب و
تقلق عمليات التلقي ربما يكون من الأنسب محاولة الإقتراب من التقنيات التي أعتمدها
العرض في التعامل مع النص ينتمي بشكل واضح إلي عالم الواقعية بتقنياتها الأوربية
في القرن التاسع عشر و التي تجعل من الطبقة الوسطي و شبكة علاقاتها المعقدة
بالنظام الإجتماعي مرتكز لها ومصدر لقوتها عبر عمليات التحليل العميق لتناقضات تلك
الطبقة بين خطابها المعلن و ممارستها التي تزيد من أزماتها الأخلاقية و تضعها في
مواجهة مباشرة مع الطبقات و الفئات الأكثر قلقاً كالنساء والطبقة العاملة و بقايا
الطبقة الأرستقراطية التي أجبرت على الإنسحاق أمام صعود تلك الطبقة .
أن نص العرض يحاول الثورة على كافة تلك
التقنيات التي تعتمدها الواقعية و التي ترتكز بشكل أساسي نفي أي أمكانية لرصد
المسرحة و ما يرتبط بها بذلك من عمليات الإدماج الإنفعالي للمتلقي عبر أستعادة تقنيات
الميلودراما التقليدية وإعادة توظيفها .
أن نص العرض – وبالتالي كافة تقنيات العرض –
قامت على مناقضة التقنيات الواقعية التي يطرحها النص الأصلي منذ البداية حيث يظهر
إلي جوار كل شخصية (سارد مقيم كما يطرح نص العرض كما قدم بالترجمة) حيث يقوم كل
ممثلي العرض بتقديم الشخصيات درامية إلي جانب عمليات التعليق و السرد التي
يقدمونها و التي تصل إلي تقديم بعض التحليلات النقدية للنص الأصلي و تأويله و شرح
دوافع الشخصيات و توجهاتها ..الخ.
إن تلك التقنيات التي أعتمدها نص العرض لم
تقم بتخليق فواصل سردية تقطع تدفق الحدث فحسب بل أمتدت إلي تحويل النزوع الموضوعى
المفارق للمسرح الواقعي إلي ما يقترب من أستلهام تقنية الأصوات المتعددة من
الرواية حيث تستولي الشخصيات بالتوالي على فضاء المسرح و تهيمن رؤيتها على العالم
الدرامي وهو ما تم دعمه على مستوي الإضاءة عبر الإضاءات الخاصة التي تبرز الشخصية
وتحولها لمركز العالم الدرامي في لحظات سيطرتها على الفضاء المسرحي .
أن تلك التقنيات كان من التي أعتمدها النص
جعلته يتخلص من السمة الواقعية التي كانت تميز النص الأصلي و جعلته أقرب لمزيج من
التقنيات التعبيرية و البريشتية التي أمتزجت في العرض عبر أكثر من مستوي .
أول تلك المستويات كان المستوي الأدائي حيث
حافظ المؤدين على عدم تخليق مساحات مباعدة واضحة بين دوري الشخصية و السارد حيث
أهتم المخرج و المؤدين و المخرج على الحفاظ على تحقيق حالة من الأستمرارية و
التواصل بين الدورين سواء على المستوي الأداء الصوتي والإنفعالي مع أستثناء الأداء
الجسدي الذي كان يقطع حركة الشخصية ويضع المؤدي في وضع ثبات أثناء حضور دور السارد
. ولعل ذلك ما يبتعد قليلاً عن التوجه البريشتي الذي يحرص على تخليق مساحة تبعيدية
بين الأداء الجسدي و الإنفعالي و الصوتي للمؤدي بين المستويات المختلفة (الشخصية/
السارد/ المعلق).
على المستوي الثاني حاول المخرج التأكيد على
تلك السمة الأدائية عبر عدم تنفيذ أي تغيرات على مستوي الأداء أو موقع المؤدي داخل
الفضاء .
وفي المستوي الأخير فإن العرض قام بعملية
إعادة صياغة للفضاء المسرحي و أزاحة
المكان الواقعي و أستبدله بفضاء محايد
يعتمد التقسيم الطبقي للشخصيات و الأسري
ففي يسار المتفرج تجلس عائلة الأب الجديدة (الأب ، الخادم (الذي يبدو عديم
الملامح) ، الأبن الأكبر ، الزوجة ، الأبن الأصغر) ، بينما يجلس إلي يمين المتفرج
(الأبنة/الخادمة ، الأم ، الأخ ) ، وتم تحميل المؤدين تصنيع الموسيقي الخاصة
بالعرض .
أن ذلك التقسيم الجديد للفضاء يقطع أستمرارية
العالم ويحصره في فضاء المسرح و ينفي تلك العلاقات بالمدينة التي تقع خارج حدود
المنزل و يحول الفضاء إلي فضاء محايد تتم عملية تشكيلة المرة تلو المرة من خلال
قطعة ديكور وحيدة (كرسي الأب) .
أن كل تلك التقنيات الأدائية التي أعتمدها
العرض قضت على كل سمات الواقعية وأن أحتفظت في النهاية بالكثير من السمات
الميلودرامية التى تملاء النص الأصلي و التي تم تأطيرها بالتعليقات و الحضور
الدائم لكافة المؤدين على خشبة المسرح ، و الملابس الدالة على التقسيم الطبقي
والثقافي والوظيفي لكافة الشخصيات عدا شخصية الأخ عامل المنجم الذي تم تحويل
ملابسه إلي ملابس شبه عسكرية تطرح تصور حول مستقبل ذلك العالم الذي تنهار فيه
الطبقة البرجوازية وعالمها الهش لصالح معتنقي أفكار اليسار من الطبقة العاملة التي
أصبحت عملياً الطبقة الأساسية المهيمنة عبر الحزب الشيوعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق