الأربعاء، نوفمبر 08، 2017

المسرح و ضعف التمويل

خلال السنوات القليلة الماضية تشكلت أزمة أقتصادية شديدة التطرف والقسوة لم تزل أثارها و تبعاتها تمزق الطبقة الوسطي الصغيرة والمتوسطة في مصر وهي الطبقة المنتجة و المستهدفة بالإنتاج المسرحي بكافة أشكاله وأنماطه-  إلا التجارب المتناثرة التي تستهدف الطبقات العاملة و المهمشين و الفلاحين و التي تتخذ طبيعة توعوية أو وعظية .. الخ - وبالتالي فإن المسرح المصري ومنتجيه أصبحوا في مواجهة خيارات شديدة الصعوبة لعل أهمها هو أنحسار الدعم الحكومي وتآكله نتيجة التضخم وأنهيار قيمة العملة في مقابل الدولار وهي الأمور التي أدت إلي أرتفاع تكلفة أنتاج العرض المسرحي وأبتلعت كافة عمليات التدعيم لميزانيات الجهات الإنتاجية التابعة للدولة .
على مستوى أخر فإن عمليات التضييق الأمني على جمعيات و مؤسسات المجتمع المدني الممولة من الخارج أدى إلي تآكل في حجم الإنتاج الذي يطلق عليه "المسرح المستقل" في بعض الأحيان .. وبالتالي فإن فرق ذلك التيار إما أنها لجأت إلي الدولة لدعمها أو أنها أختفت بينما لجأت بعض الفرق الشبابية إلي التمويل الذاتي .
بالمجمل لقد أصبح المسرح في مصر فن طارد لممارسيه و لجمهوره الذي لم يعد يستطع متابعته لأسباب تتعلق في مجملها بالأوضاع الأقتصادية بالإضافة إلي تسيد التيارات اليمينية المحافظة و الرجعية على المشهد سواء داخل أروقة الدولة وبين صفوف المعارضة .
واجهت بعض الجهات الإنتاجية مثل إدارة المسرح ذلك التدهور المستمر في أوضاع المهن المسرحية من خلال سحب التمويل من العملية الإنتاجية والضخ في صالح الأجور وهو ما يمكن أن ينتج مشاكل أنتاجية ربما ليست بالبسيطة لكنه يظل الخيار الأكثر ملائمة للحفاظ على العناصر الفنية ودعمها .
ولكن على المستوي الفني فإن أثار تلك الأزمة لم تزل غير مرئية ربما لكون الكتلة الأساسية من المسرح المصري تتحرك بالفعل في إطر أنتاجية ضعيفة ومحدودة وبالتالي فإن الخامات ومستوى دقة التصاميم وأتقانها لم تتأثر كثيراً فالمسرح المصري في مجمله يعتمد في كافة مستوياته الإنتاجية على خامات وتصاميم فقيرة ، أما على المستوي البشري فإن معظم العناصر الفنية تشارك إما بأجور منخفضة أو رمزية بل وبشكل تطوعي أو كمشاركة ضمن نشاط طلابي (كحال أنتاج المسرح الجامعي) وبالتالي فإن معظم تلك العناصر غير محترفة وحتى الفرق ذات الطبيعة الإحترافية فإن العناصر الفنية المشاركة فيها أما غير معتمدة على المسرح كمصدر دخل أساسي أو تعمل في إطار نصف أحترافي .
بالمجمل فإن المسرح المصري لن تظهر عليه نتائج الأزمة الأقتصادية الحالية والتي هي أستمرار لسلاسل من الأزمات الأقتصادية المتصاعدة العنف و القسوة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي والتي أدت في مراحلها المتأخرة خلال التسعينيات على مسرح القطاع الخاص .
أن الأثار التي تبدو اليوم غير مرئية أو مقبولة أو عكسية في بعض الأحيان (كحال نجاح بعض العروض الإستثنائي) تضرب بأثارها التدميرية في المسرح المصري الذي لا ينتبه صناعه في العادة لمثل تلك المؤثرات ويتعاملون معها على أنها أمور طارئة تمر ببعض التنازلات الجمالية لصالح أستمرار نفس التصورات التقليدية جماليات العرض المسرحي (مثل حتمية وجود ديكورات وملابس مسرحية على سبيل المثال أو أختيار نصوص مسرحية تحتاج لمهارات أدائية لا تتوافر للممثل الهاوي أو تفترض فيه التدريب المستمر ... الخ).
ربما يكون من الحلول المطروحة في مثل تلك الحالات هو الخروج من جماليات ذلك المسرح السائد الذي ينطلق بقوة وبعنف صوب تلفيق وأدعاء أن الأزمات غير موجودة وبالتالي البحث في الأشكال المسرحية التي لا تفترض بالضرورة وجود تمويل أنتاجي سخي أو مقبول .
ولكن ذلك يطرح سؤال حول السمات المميزة لذلك المسرح الذي يحيا خارج المسرح الممول بشكل كافي ؟
أن الإجابة على ذلك السؤال لا تفترض منا البحث في أشكال جمالية جديدة أو أختبار ماهو مجهول أو مواجهته فخلال القرون الماضية ظل المسرح في غالب الوقت يعتمد على تقنيات الإمكانات الفقيرة وينتج في ظلالها حتى في المسارح التجارية مثل المسرح الإليزابيثي الذي يمكن أن نجد لدي شكسبير نموذجه الأهم العديد من التقنيات التي تعتمد على إدارة علاقة جسد الممثل بالفراغ و دفع خيال المتفرج للمشاركة في بناء الصورة ، كما نجد تلك التقنيات في المسارح التي تعتمد التنميط الأدائي مثل الكوميديا ديلاتي ... أو حتى في المسارح الطليعية في النصف الأول من القرن العشرين ..

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...