خلال الاثني عشر عاماً الماضية شحبت بالتدريج أحزان حريق
بني سويف في ظل تصاعد الأحداث السياسية التي تواترت مع التداعي السريع لنظام مبارك
، شحبت الذكرى وتضألت الأحزان الكبيرة على فقدان الأصدقاء وزملاء المهنة الذين
فقدوا حياتهم في ظروف بالغة القسوة ووسط أهمال حكومي يصل إلي حد الجريمة دون جدال
، بحيث لم يبقي منها سوى مرارة تختلط بمرارات ذكريات أكثر قسوة وعنفاً وجمالاً في
ميادين الثورة التي كان أستشهادهم - وما تلاه من حراك غاضب في أوساط المسرحيين - أحد
براعمها الأولي ، شحبت ولم يبق منها سوى ذكرى تحل علينا كل عام لتوقظ حواسنا
وعقولنا ومشاعرنا التي تحجرت و تحولت إلي كتلة من الإحباط و اليأس المقيم مع
أستمرار تآكل دور العرض المسرحي في كل مكان نتيجة قواعد الدفاع المدني التي حاصرت
المسرح وعاقبته في مقابل أشتداد الرقابة على محاولة الخروج من دور العرض المسرحي
بعد سنوات الربيع القصيرة.
اليوم ونحن نستعيد أحياء تلك الذكرى ربما كنا في حاجة
إلي التفكير بهدوء وبالحد الأدني من التورط العاطفي - الذي تحتمه تلك الاستعادة للحادث
وتداعيته - في ما أنتجته من واقع لم يسهم سوى في مزيد من الضغط والحصار للحركة
المسرحية في القاهرة والأقاليم ، فالمسرح المصري وبعد أثنى عشر عاماً من حريق بنى
سويف لم يزل عالقاً في تبعات الحريق التي شلت وعرقلت إلي حد كبير من حركة مسرح
الثقافة الجماهيرية الذي كان – وتحديداً مع حركة نوادي المسرح – ينطلق بشكل سريع
إلي تشكيل قاعدة مسرحية في الأقاليم أكثر شباباً وحيوية وأختلافاً ، قاعدة سرعان
ما بدأت في التحلل والذوبان لصالح حالة الكساد الكبير الذي شهده ذلك المسرح بشكل متصاعد
نتيجة تداعي المشروع وخفوته التدريجي .
أن ذلك التداعي لمشروع مسرح الثقافة الجماهيرية لم يكن
سقوط للقطاع الأساسي والمركزي لحركة المسرح المصري فحسب بل أنه أدي بدوره لمزيد من
التداعيات على بقية الأنماط الإنتاجية التي تأثرت بدرجات مختلفة بالحريق والتداعيات
الإقتصادية التي تتعاظم خسائرها كل يوم مع الإنسحاب التدريجي للدولة من الدعم
لقطاعات الحماية والتنمية المجتمعية المختلفة .. لنصل في النهاية إلي تلك النهايات
المحزنة التي جعلت من الحريق الفعلي والحرائق السياسية والاقتصادية تلتهم ما تبقي
من المشاريع المسرحية الكبرى لصالح مشاريع شائه وغير قابلة للتطور تطرح نفسها
كبدائل لمشروع المسرح المصري .
اليوم ونحن نطل على ما تبقي من المسرح المصري الذي تشكلت
ركائزه الأساسية في ستينيات القرن الماضي ربما كان من الطبيعي أن تتجاهل المؤسسات
المسرحية الرسمية تلك الذكرى التي تم تخليدها عبر أطلاق الخامس من سبتمبر كيوم
للمسرح المصري . فذلك الربط ربما يكون داعياً للتفكير في ما وصلنا إليه ومحاولة
الخروج منه وهو ما يتجاوز طموحات البعض التي لا تتجاوز جائزة في بعض الأحيان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق