أرتبطت
عملية توطين المسرح – بصيغه الغربية – في مصر بتوجه مباشر وواضح من قبل الدولة المصرية
نحو عمليات التحديث الاجتماعي والثقافي والسياسي والتقني وفق النموذج الاوربي ،
ولعل ذلك ما جعل من بناء الدولة لدار الاوبرا ودار للمسرح من الأمور التي يذكرها
المؤرخين بقدر كبير من الإهتمام عند تعرضهم لمشروع بناء الدولة المصرية الحديثة في
القرن التاسع عشر فمهما أختلفت مواقفهم حول مدى أهمية وجدوى تشيد المسارح أو تبني
الدولة لمشروع ثقافي أومجال و حدود ذلك المشروع
فإن أحداً لم ينكر كون ذلك المشروع الثقافي قد شكل جزء من مشروع تلك الدولة
كما كان جزء بنائها وألتزامتها وأدوارها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واخير
صورتها الذهنية لدي المجتمع. لذلك فخلال ما يقارب المئة و الخمسون عاماً من بداية المشروع الثقافي للدولة المصرية والذي
أنطلق على عدة محاور (بناء القاهرة الاوربية – أنشاء المدارس بعيداً عن النظام
الازهري – أنشاء دار الكتب – المسارح .. الخ) نمى المشروع المسرحي مع مشروع الدولة
وتأثر بكل تحولاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية. بداية من كونه جزء من المشروع
الأساسي للخديوي " مصر قطعة من أوربا " و ليس نهاية بالمسرح كمقاومة
للمركزية الغربية و جزء من تشكيل الهوية الوطنية و القومية أو حتى مواجهة الافكار
الدينية المتطرفة .. وأخيراً مواجهة الارهاب.
ولكن
لما تلك العودة لهذه التواريخ القديمة عند الحديث عن مشروع المسرح المصري في
اللحظة الراهنة و التي أصبح فيها الفن المسرحي ذاته يقف على أعتاب تحولات تاريخية
في أنماط أنتاجه و مستقبله ذاته .... ؟!
ربما
تكون الإجابة الاولى ما تتطرحه تلك العودة للتاريخ من أشارة إلي الإرتباط و التواصل
بين واقع المؤسسات المسرحية الرسمية اليوم والمشروع التأسيسي للدولة المصرية
الحديثة الذي تطور مع التطورات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية التي مرت
بالدولة المصرية و التي دفعت بالدولة - لأكثر من مرة - نحو تبديل مسارها أو إعادة
تشكيل علاقاتها مع المجتمع ، لكن النواة
الاساسية لذلك المشروع التأسيسي ظلت ورغم
كل التطورات و التبدلات و المتغيرات محتفظة – ولو في الحد الآدني – بالدور التنموي
والتحديثي الذي تلتزم به الدولة المصرية تجاه المجتمع وهو الدور الذي يشكل المفصل
الأساسي لعلاقة الدولة بالفن المسرحي فعلاقة الرعاية و الدعم المستمر للفن المسرحي أرتبطت في العادة بالأدوار
التنموية التي تفترض الدولة المصرية في المسرح القيام بها تجاه المجتمع .. وبالطبع
فإن الدولة أعتادت أن تتطالب مقابل ذلك الدور التنموي والتحديثي للنظام الاجتماعي
بخضوع المجتمع لنظام الدولة وقوانينها و أيدولوجيتها و نظام الحكم فيها ..
ومن
هذه المقايضة الاخيرة بين الخضوع / التنمية .. أو الحرية في مقابل الدعم الاجتماعي
و الاقتصادي أو الحماية .. الخ تشكل
المسرح المصري كما نعرفه الان .. فالمؤسسات المسرحية الرسمية التي تشكلت في بداية
الستينيات و ما لحق بها من عمليات تطوير و تحديث أو تحويل للمسارات خلال فترة
السبعينيات و التسعينيات تظل هي عناصر التشكيل الأساسي لما نطلق عليه المسرح
المصري .. وهو ما يمكن أن نطلق على المستوي المسرحي تعبير قريب من تعبير سياسي
يستخدم لوصف الدولة المصرية بعد 1952 (دولة يوليو) .. حيث يمكن أن نطلق عليه (مسرح
يوليو) ولو أننا ندرك طبعاً كون ذلك النوع من الاختصارات وعمليات اختزال يمكن أن تحذف
أو تقلص الكثير من عمليات التحول و التغير
التي لحقت بتوجهات الدولة المصرية خلال تلك الفترة الطويلة .. ولكن ولطبيعة
الفرضية التي نحاول أختبارها ولتحديد ما نقصده فإننا سنتبني ذلك التعريف المخل
"مسرح يوليو" وذلك لفصله عن ظاهرة مسرح الستينيات من ناحية و لتحديد
العناصر الأكثر ثباتاً في ظاهرة المسرح المصري والتي لم تزل حاضرة حتى اليوم بعد
ما يقترب من 70 عام على أنطلاق مشروع تبني الدولة لمشروع مسرحي كبير سواء عبر تبني
مشروع خاص بتنمية المجتمعات المحلية عبر مشروع قصور الثقافة الذي تم نقل أسسه من
الكتلة الاشتراكية في الستينات أو المسرح المحترف في القاهرة والاسكندرية.
ولعل
أول ما يمكنلنا التوقف أمامه هنا هو تلك الرؤية المزدوجة للمسرح داخل المشروع الثقافي
للدولة المصرية في مرحلة (مسرح يوليو) فالدولة تبنت وبشكل متزامن رؤيتين متناقضتين
للمسرح الأولي هي رؤية المسرح كمشروع تنموي يستهدف تحقيق تنمية أجتماعية و ثقافية
للمجتمع بكل ما يتخلل ذلك المشروع من صراعات بين فريق المبدعين و النقاد ما بعد
الكولونياليين الذين تبنوا المسرح الشعبي أو التراثي من ناحية ،وبين فريق المبدعين
و النقاد الذين تبنوا مشروع التحديث والتعليم و التثقيف للمجتمع عبر الانفتاح على
الثقافة الاوربية و العالمية ... حيث أن ذلك الصراع قد أنتهي بحالة من التسامح
المتبادل بين الطرفين بل وتمازج بينهم في بعض الحالات .
أما
الرؤية الثانية التي تبنتها الدولة المصرية للمسرح فهي التعامل مع المسرح على أنه
أحد وسائل الآعلام التي تمتلكها و التي تستهدف الدعاية للنظام والحفاظ عليه حيث
نجد د. ثروت عكاشة وعند تناوله لقضية الصراع بين رؤيته لدور وماهام وزارة الثقافة
و رؤية الدكتور عبد القادر حاتم و الرئيس عبد الناصر يشير صراحة إلي أن "
عبد الناصر يخص الاعلام ولاسيما المرئي منه باهتمام يفوق الحد ،حتى ولو كان ثمة
ازدواج بين النشاطين الاعلامي و الثقافي ، إذ كان يري في الاغلام المرئي خير وسيلة
لتنفذ صورته إلي كل بيت وتعم كل ناحية ...." ([1]) ويمكننا أن نسحب الأمر على كل من تربعوا على
كرسي الحكم في مصر حتي اليوم ففي النهاية .
أن
تلك الرؤية المزدوجة للمسرح كمشروع ثقافي تقوم الدوله بتبنيه يرتبط كما أسلفنا
بالعقد الاجتماعي الذي عقد بين الدولة و المجتمع منذ دولة محمد على حيث توفر
الدولة للمجتمع الامن والاستقرار السياسي و تنظيم توزيع الموارد المائية و الحفاظ
على الصحة العامة و التعليم و الثقافة .. في مقابل خضوع المجتمع لنظام الحكم
الفردي . بل في بعض الاحيان كان أحد أطراف الأتفاق يلجاء للعنف لاجبار الطرف الاخر
على تنفيذ العقد أو ألتزامته فيه .. فالدولة لجأت لتشديد قبضتها الامنية للحفاظ
على الامن أو لإجبار المواطنين على الالتزام بالتطعيم ضد الامراض أوأختطاف الاطفال
لتعليمهم في مراحل مبكرة وفي المقابل فأن المجتمع لجاء للثورة و التظاهر للحفاظ
على مكتسبات الدعم الاقتصادي و الاجتماعي عندما كانت الدولة تتخلى عن أدوارها فيه
، كما قام كل طرف بالضغط لتوسعه مجال ألتزامات الطرف المقابل .. فالمجتمع و القوى
المعارضه يتجهون بشكل دائم إلي تحقيق مزيد من الحريات العامة و السياسية ، وفي
المقابل فإن الدولة تسعى دائما إلي المزيد من بسط سيادتها و إلزام المجتمع بالقبول
بالدولة .
وفي
النهاية فإن حالة الاستقرار السياسي وبالتالي أستقرار المؤسسات الرسمية المسرحي
خلال العقود السابقة أرتبط بذلك العقد الاجتماعي بين الدولة المصرية و المجتمع من
ناحية وبالاستراتجيات التي تنتهجها الدولة لتدعيم و توسعه مجال حضورها أجتماعيا و
سياسياً عبر التنمية الثقافية أو عبر الدور الاعلامي .
1-
عناصر تشكيل المشهد
بعيداً عن تلك المقدمة التاريخية .. كيف يمكن
لنا أن نحاول قراءة الأدوار الأساسية التي تقوم عليها المؤسسات المسرحية الرسمية
(البيوت الفنية – الثقافة الجماهيرية ) في صورتها الراهنة نحو الجمهور المسرحي
المستهدف ؟! وكيف تقوم بتلبية مطلبات المجتمع من المسرح (كجزء من القوى التقدمية
داخل المجتمع) وبالتالي كيف يتم بناء العلاقة وفق تلك الاستراتجيات الخاصة بالدولة
للتنمية الاجتماعية و الثقافية في ظل التعامل مع المسرح كمؤسسة دعائية .
لعل
الإجابة تكمن تتبع المهام الرئيسية التي تضعها تلك المؤسسات لذاتها وهي تتحرك
(بعيداً عن الفروق الشخصية في الإدارة ) .. حيث نجد منذ أنطلاق الصراع الدموي مع
التيار الاسلامي الرديكالي منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي ظهرت شعارات و
توجهات لدي المؤسسة الرسمية نحو تبني توجه محدد على مستوي العمل المسرحي (فظهرت مصطلحات مثل التنوير و مواجهة الارهاب ،
ومواجهة التطرف .. الخ) كجزء أساسي من سياسات الدولة الثقافية ، حيث تلاقت مصالح
الدولة في حفظ النظام (ذو الميول العلمانية) وكذلك في تحقيق مشروعها الثقافي مع
توجهات المثقفين و الفنانين المصرين في مواجهة القوى الاسلامية التي كانت تنطلق من
الترويج لعقد أجتماعي بديل مع المجتمع ربما كان أكثر اجحافاً و قسوة حيث يختفي منه
الدعم الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي .. الخ في مقابل أستمرار أنتزاع الحريات
العامة .
بالمجمل
فقد أتجه المسرح المصري نحو تبني مشروع قائم على ثلاث توجهات أساسية :
الاول
: هو القيام بالدور الاساسي و القائم على تحقيق عملية الدعم الثقافي وتقديم المسرح
كخدمة عامة للمجتمع تستهدف تحقيق التنمية المجتمعية ، والتي تفترض أن جمهورها
المستهدف هو المواطنين من أبناء الطبقة الوسطي في المدن و الفلاحين في الريف.
الثاني
:هو القيام بالدور الاعلامي للترويج للدولة عبر مواجهة الارهاب و نشر الافكار
التنويرية ونقد الافكار المتطرفة .. الخ وكذلك تحسين صورة الدولة المصرية .. ونشر
قيم الوطنية وما شابه
الثالث
: وهو المرتبط بالممارسين للمسرح داخل المؤسسة الرسمية والذين يشكلون بحكم موقعهم
مركز متقدم في دفع الدولة إلي مزيد من الحريات العامة و زيادة مساحة الدعم.
أن
تلك السمات المميزة لتوجهات المسرح الرسمي تستدعي بشكل مباشر تلك العلاقة المستمرة
و التبادلية و المتحركة بشكل دائم بين المسرح و المجتمع فالمثقف الذي يعمل في
المؤسسة الرسمية لا ينتمي بالضرورة للمؤسسة أو لمشروع الدولة .. وكذلك فإن الدولة
ليست كتلة واحدة برغم وحدة المشروع فهناك قوى متحركة داخلة صوب كل أتجاه تقريباً
كما هو حال المجتمع .
كانت
تلك هي ملامح التوجهات الأساسية بالنسبة (لمسرح يوليو) الذي يخفت اليوم و يموت
بشكل ميلودرامي ، حيث تسربت تلك الملامح إلي المسرح التجاري والهواة و المستقلين
.. الخ
أن
الاحتياجات المفترضة من لمتلقي ذلك المسرح (كما تطرح تلك التوجهات الدعائية) هي
الحصول على خدمة مسرحية تدفع في سبيل مزيد من المطالبة بالحريات العامة و الحصول
على الخدمة الثقافية العامة التي يقوم فيها المسرح بدوره كأحد المؤسسات الخدمية و
مؤسسات المجتمع الاساسية .. بحيث يتحول الدور الترفيهي و الجمالي للمسرح إلي خيار
إضافي يمكن أن يضاف إلي الخدمة الثقافية العامة التي يقوم بها المسرح .. وتلك
الملاحظة الاخيرة ربما يمكن التوقف أمامها كمدخل لتحليل حالة تراجع المستوى
الجمالي و الإمتاعي لكثير من العروض .
وفي
مقابل ذلك التحقيق للمطلبات الخاصة بالمتلقي ..فإن الدولة تفرض بالمقابل مجموعة من
التوجهات الدعائية .. وأن كنا هنا لن نتوقف أمام مدى نجاح ذلك التوجه الدعائي وأن
كنا سنتوقف أمام الخسائر و المكتسبات التي حققها المسرح من حضوره .
مسرح
يوليو ... مسرح ما بعد يوليو
في
الفقرات السابقة تناولنا صورة (مسرح يوليو) الذي تنافس في قلبه أدواره الاجتماعية
و الثقافية – وتتصارع تتكامل في أحيان أخرى- مع التوجهات نحو الدور الدعائي للمسرح . فنجد في
مسرح التسعينيات (على سبيل المثال لا الحصر) أن الدولة في أنطلاقها نحو
الاحتفاليات (أو ما أطلق عليه سعد الله ونوس الموالد المسرحية) كانت تسعي بشكل
واضح نحو تحقيق الدور الدعائي للمسرح حيث تم أستغلال تلك الاحتفاليات للتأكيد بشكل
متكرر و لحوح على دور المسرح في مواجهة الارهاب و الظلامية في مقابل الدور الخدمي
(العروض المجانية.. و أضاءة المسارح بعشرات العروض .. تنمية وتوسعة قاعدة
الممارسة) .
ولكن
في مقابل تحقيق تلك الادوار فإن الدولة أتاحة مساحة (بشكل محسوب أحياناً و مرتبك
في كثير من الاحيان) لمسرح مناهض للسياسات القمعية يطالب بمزيد من الديمقراطية و
الحريات و العدالة الاجتماعية .
فكيف
هو الوضع في مسرح ما بعد أنتهاء (مسرح يوليو) حيث بدأت الدولة منذ السبعينيات في
تبني التحول الاقتصادي صوب سياسات السوق الحر و تبني النظام الرأسمالي ...
وبالتالي فإن العقد الاجتماعي بين الدولة التي تأسست منذ ما يزيد على القرنين بدأ
في التداعي و الانهيار .. وبالتالي فإن المؤسسات المسرحية الرسمية تعرضت خلال
العقود السابقة لسلسة من عمليات التجريف و التخريب أما المتعمد عن طريق تجميد
الهياكل الادارية و الفنية و المادية ، أو العشوائي عن طريق محاولة إجبار بعض
القيادات التي تولت تلك المؤسسات دفع المؤسسات دفعاً إلي التوافق مع التحولات
الاجتماعية و الاقتصادية (كما هو الحال في عروض النجوم أو إنشاء إدارات للتسويق..
الخ) .. وسواء كان ذلك التحطيم قد تم بشكل عمدي أو عشوائي فإن النتيجة كانت تفتيت
المؤسسات وأنهيارها البطيء و المستمر حتى اليوم.. فبين قواعد إنشائها وتوجهاتها الفنية
الاساسية التي تجسدت في (وتشكلت عبر) ضوابط و قوانين ولوائح وكتابات نقدية و
صحفية من ناحية ، وبين الدفع المستمر
لتحلل الدولة من أدوارها الاجتماعية ودفع تلك المؤسسات نحو تبني سياسات بديلة ..
بدأت تلك المؤسسات في النهيار الداخلي و أصبحت تعاني من هجر الكوادر الفنية و
الادارية بل وندرة تلك الكوادر التي أرتحلت من المسرح كله في بعض الاحيان.
بالتدريج
بدأ مسرح المؤسسات الرسمية في التراجع بعدما أصبحت المؤسسات ذاتها تعاني من أزمات
تهدد وجودها و تقلص حضورها ، وبالتدريج أيضاً أصبحنا أمام مسرح يقوم بالدور
الدعائي والنقدي بينما يتراجع دوره الخدمي إلي أقصى حد (حتى لو أستمرت العروض
مجانية).
ربما
لم ينتهي مسرح يوليو حتى اليوم .. وربما تكون القوي المتصارع داخل الدولة و
المجتمع سوف تحافظ عليه لزمن أطول لكنه في النهاية سقط نتيجة سقوط أحد أهم الادوار
التي يقوم عليها وهو الدور التنموي دون أن يقدم البديل ...
أن
البدائل التي يطرحها خطاب مسرح ما بعد يوليو (طالما نحن مستمرين في استغلال
التعبير) هو تراجع الدولة عن التدخل الكبير في عملية الانتاج المسرحي لصالح تقديم
دعم مالي محدود و دعم لوجيستي (قاعات عرض ، أجهزة إضاءة ، أجهزة صوت ، أمن وتأمين
المسارح، .. الخ) وبالتالي فأن الدولة سوف تتوقف عن القيام بالادوار التنموية
للنظام الاجتماعي و الثقافي ولكن بالمقابل فإن الدور الدعائي للدولة سوف يتراجع
للحد الادني .. أن لم يختفي . (طبعاً هذا لن يحدث طالما ظلت الدولة تقدم الدعم
المالي و اللوجيستي للمسرح ..)
وبالتالي
فإن مشاريع دعائية مثل (المسرح التوعوي الذي تبنته الثقافة الجماهيرية لفترة قصيرة
) أو مواجهة التطرف والارهاب (الذي تبنته الوزارة لفترات طويلة) سوف يتراجع ويختفي
تدريجياً .
ولكن أمام أختفاء تلك الادوار التنموية فإن مسرح ما بعد
يوليو يطرح بديل واضح وهو مسرح للمتعة البصرية و الجمالية أو بالمقابل مسرح
للترفيه .. ولعل ظهور المستقلين منذ بداية التسعينيات يمكن أن يكون مؤشراً على ذلك
الرهان ، وبالمقابل فإن المسرح يتخلى عن موقعه في المجتمع وينسحب من البحث عن
متفرجه المستهدف إلي أنتظار من يدفع مقابل المتعة الجمالية أو الترفيه و هم
الاغلبية بين المتلقين (مسارح التلفزيون – العروض التي تمول أنفسها من شباك
التذاكر... الخ)
أن
موت مسرح يوليو يرتبط بإلغاء الدعم ورفعه .. وبداية تراجع الدولة القوية الراعية
لصالح التي تقوم بأدوار أجتماعية و سياسية و ثقافية لصالح بناء دولة منسحبة من
التنمية وتقديم الدعم الثقافي لمستحقيه وكذلك دولة ضعيفة و بلا أمكانيات .
أننا
في لحظة تحول كبري ربما يكون المسرح غير قادر على ملاحقتها .. فالمتلقي الذي كان
يتسهدفه الخطاب المسرحي و من أجله تنتج أعمال ميخائيل رومان و دياب و نجيب سرور لم
يعد هو المتلقي المستهدف .. ولم يعد هو الحاضر .. بل متلقي أخر .. أكثر قسوة وأقل
حيادية .. متلقي يذهب إلي ما يحقق له قدر المتع التى يرغب في أشباعها وبالتالي فإن المستوى الجمالي
المنخفض بشكل عام و الذي يكاد يكون في أسواء مراحله (في كل أشكال الانتاج المسرحي)
أصبح يمثل عقبه حقيقية تتجلى ملامحها في كما أشرنا في ضعف أقتصاديات المسرح و ندرة
الكوادر و أنسحابهم .. الخ . الامر الي يؤلم قيادات المؤسسات المسرحية و يجعلها
تشعر بالتمزق بين رغبتها في تحقيق المستوي الجمالي الذي تتم المراهنة عليه في ظل
التراجع التدريجي للمسرح واختفائه كفن من مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق