الأربعاء، مايو 10، 2017

المتابعات النقدية لعرض رجالة وستات ... التوافق مع الخطاب السائد والنجاح



"لم أكن لأفكر أنه في غضون أقل من أربع سنوات من انتفاضة 25 يناير، يمكن أن ينجح عرض يتجنب تماما السياسة، سواء بالمعني الضيق أو الواسع للكلمة، في إثارة مثل هذا الحماس المحموم بين الجماهير من جميع الأجيال .."
د. نهاد صليحة Back to the battle of the sexes - الأهرام ويكلي في الأول من يناير 2015
" منذ أربع سنوات لم أضحك من قلبي كما ضحكت مع رجالة وستات .. "
سهران -  مريخي وزهرية .. كوميديا أزلية لصراع بطعم البهجة – ملحق جريدة الأخبار
" مازالت مسرحية «رجالة وستات» تحصد النجاح حتى الآن نظرا لتناولها العلاقات الزوجية من زاوية نفسية كوميدية.."
باسم صادق - رجالة وستات.. سينوغرافيا تحفز الخيال ودراما تنعش القلوب - جريدة الأهرام  - 9 ديسمبر 2014

ربما تبدو الأقتباسات السابقة مماثلة للإقتباسات التي تستخدمها دور النشر والإنتاج الفني للترويج للروايات والأعمال الفنية .. فجمل المدح وترشيحات النقاد تمثل قاعدة لبناء الثقة بين المتلقي والعمل الذي هو مقبل عليه ..
لكننا هنا ربما لن نستخدمها بذات الهدف إذ سوف نحاول – بدلاً من ذلك - نبش ما تطرحه تلك الأقتباسات من أسئلة  مثل  .. هل حقا يمتلك الواقع السياسي والأقتصادي مثل هذا التأثير السلبي في المسرح المصري ؟!  وبالتالي هل يمكن أن يكون لمشاعر القلق و الخوف والتوتر - المصاحبة للصراعات السياسية الإجتماعية-  دور في تفسير نجاح ( رجالة وستات) كعرض تعمد الأبتعاد عن ملامسة مواطن التصدع و الخطر في مقابل مناقشته لما هو أمن و مستقر وأنساني ومشترك وعام؟!
إذ كانت الإجابة بنعم .. فإن الدهشة التي تطل برأسها في مفتتح مقال د. نهاد صليحة ستصبح ممتلكة لقدر من الوجاهة .. ففي النهاية وبعد أربع سنوات من الإنغماس المجتمعي في صراعات ثقافية (ودينية و مؤسساتية و سياسية وطبقية .. الخ) تنجذب الطبقة الوسطي (التي تشكل بعض شرائحها قوام جمهور المسرح في مصر) لعرض لا يتناول الصعوبات التي تواجهها تلك الطبقة ولا يلامس مواضع القلق أو الثغرات الأخلاقية أو المخاطر الأقتصادية التي تنخر في قواعدها القلقة منذ أربع سنوات ... عرض يتجاهل المخاطر التي تحيط بالمجتمع ويتلذذ بمناقشة قضية - غير خلافية - يغلفها أجماع عام وأجواء مريحة في الإنتاج والتلقي ...
إن متفرج الطبقة الوسطي - وبالتالي الناقد المعبر عن وعي تلك الطبقة – عبر عن تقديره و دعمه لتلك الكوميديا الإجتماعية الخالية من تأثيرات السياسية والصراعات الاجتماعية عبر النجاح الجماهيري والمقالات النقدية و المتابعات الصحفية التي صاغت أجواء أحتفالية حول العرض ... ربما يبدو ذلك متناقضاً بعض الشيء مع أنغماس هؤلاء المتفرجين (والنقاد) يومياً بتلك الصراعات الدموية والمناقشات العنيفة التي تشكل الواقع .. فنفس تلك الشرائح التي شكلت جمهور و نقاد عرض (رجالة وستات للمخرج أسلام أمام) تعاني من يوميات العنف الدموي الذي تحول إلى جزء من الحياة وفصل من فصول اليوم .. ورغم كل ذلك فلقد عبر الكثير من كتاب المقالات عن تفضيلهم لمثل ذلك النوع من المسرح الذي ينسحب إلى مناقشات ذات طبيعة أجتماعية عامة (كعلاقة الرجل والمرأة في ظل مؤسسة الأسرة) ، وبالتالي يمكن للمتابع أن يستنتج أن هناك أتجاه عام (بين النقاد والصحفيين على الأقل) نحو وصم ذلك المسرح المنغمس في القضايا الكبري للمجتمع بأنه مسرح لا يلقى قبول الجمهور ولا يحقق المتعة للمتلقي.. بالتأكيد فإن مثل ذلك التحليل يحمل قدر من التسرع و أستباق النتائج لذلك فإننا سنحوله إلى أطروحة محل أختبار بدلاً من التعامل معه على أنه نتيجة .
ولكن ربما كان من الأفضل أن نتوقف للحظة أمام عرض (رجالة وستات) ذاته قبل أن نناقش مدي صحة ذلك التوجه الذي يتبناه العرض - و المتابعات النقدية و الصحفية التي أحاطت به – نحو التعبير عن رغبة الطبقة الوسطي المصرية في الأنسحاب من قلق وسيولة الواقع إلى مكان أكثر أستقراراً وأقل مخاطرة بمكتسبات تلك الطبقة .
 أفتتح عرض رجالة وستات في نهاية أكتوبر 2014 بمسرح أوبرا ملك – وقد أسهم المخرج أسلام أمام في كتابة النص بمشاركة كل من آيات مجدي و ياسمين أمام  عن كتاب جون جري (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) وقد قام ببطولة العرض كل من ياسمين سمير وهالة مرزوق وآيات مجدى ووداد عبدالمنعم ورضا طلبة وتامر الكاشف وصلاح الدالى ومحمد خالد  .. وبمشاركة كل من محمد خالد رؤيه موسيقيه, اضاءه وليد درويش , ديكور وملابس احمد شربى , هندسه صوتيه احمد درويش , فريد فخرى , مؤثرات عادل سمير , استعراضات مايكل فايق , ماده فيلميه امجد الحجار.. والعرض – كما سبقت الأشارة – يدور حول العلاقات المعقدة و المأزومة بين الرجال والنساء حيث يبدأ العرض بمشهد أفتتاحي يتناول صراع بين زوج وزوجة بسبب ضياع جورب الزوج وهنا يتدخل الأصدقاء و الجيران والأهل يطرح أحد أبطال العرض أسئلة على  الجمهور حول العلاقة بين الرجال و النساء  قبلما يعود العرض لتقديم تلك المعركة من خلال أستكمال الزوج و الزوجة الصراع بحضور والد ووالدة الزوجة حيث تعبر الزوجة عن شعورها بأن زوجها صار أقصر (أصغر من تلك الصورة التي صورتها له في خيالها عند بداية علاقتهما) ومن ثم ينطلق العرض في تبني الأستعارة الرئيسة للكتاب التي تفترض لقاء نساء قادمات من الزهرة برجال قادمين من المريخ على الأرض، لنتابع تطور علاقتهم بداية من سعادة اللقاء مروراً بفتور العلاقة من خلال ثلاث ثنائيات وصولاً للإنفصال وما يستتبعه من ركود للإقتصاد وأنقراض للجنس البشري ثم الأشتياق من الجديد للشركاء ومحاولة أكتشاف طرق يمكن من خلالها التواصل عبر مشهد قاموس الحب و برنامج الطهي ..
من الكتاب إلى المسرح
لنعد الأن إلي أطروحتنا حول الرغبة الأنسحابية الطبقة الوسطي وتجليها في العرض و المقالات النقدية حيث يمكننا التوقف في البداية أمام مقال (رجالة وستات .. سؤال في الحب ودروس في الأقتباس المسرحي) للناقد رامي عبد الرازق و الذي نشر بجريدة مسرحنا 20 أكتوبر 2014 .. ينطلق المقال من مناهضة تلك الأطروحة التي نطرحها حيث يبدأ المقال مجادلته حول العرض بتحليل موقع العرض ضمن تجربة أسلام أمام الأخراجية حيث يسرد المقال كيفية معالجة المخرج لقضايا المجتمع الكبري في عروضه وصولا لتجربة رجالة وستات التي يدلل الناقد على جديتها عبر قوله " أن الباحث عن الحكايات السهلة لن يغامر بالدخول في جدل درامي مع كتاب فكري لا يحتوي بالأساس على قصص بالمعني التقليدي ولكن على أمثولات أو نماذج متخيلة للتدليل على صحة الفرضيات النظرية التي يطرحها" ومن ثم ينطلق الناقد رامي عبد الرازق للحديث عن توجه العرض لإقتباس كتاب "ذا أفق إنساني رحب لكنه لا يغادر القوالب الإجتماعية المحلية بل يبدو أنه نابع منها لا مضاف عليها".
وعبر ذلك المدخل يقوم المقال بدراسة عملية الإقتباس عن الأصل الإمريكي لكتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) الذي يقوم عليه العرض والكيفيات التي تمت على أساسها عملية التمصير والتوطين للقضايا التي يناقشها العرض ، كما يرى الناقد أن تلك المعالجة كانت ذات علاقة أصيلة بالواقع الإجتماعي المصري ، وقام بالتدليل على أطروحته عبر تحليل عناصر بناء النص وتقنيات العرض المسرحي مثل مناقشته لكيفية معالجة المخرج لعنصر ثقافي مثل المثل الشعبي (ضل راجل.. ) بشكل بصري خلال مشهد شكوي الزوجة من كون زوجها صار أقصر قامة عما كان عليه   ..  
ويتفق مقال "رجالة وستات..يعيد التألق لمسرح أوبرا ملك" للكاتب محمد بهجت بجريدة الأهرام 28 أكتوبر 2014  مع ذلك الطرح الذي قدمه رامي عبد الرازق بشكل جزئي عندما يتطرق للكيفية التي تمت من خلالها عملية تناول كتاب أمريكي قائم على عنوان تجاري متفق والصيغ الأمريكية في التسويق القائم على تبسيط الموضوعات و التقنيات المرتبطة بها في صياغات ذات طابع أداتي " الدليل الرائع لفهم الجنس الآخر " حيث يرى الناقد أن العرض حول " فصول الكتاب إلى مادة أولية استخدمها اسلام إمام بمشاركة ياسمين إمام وآيات مجدى لصياغة عرض مسرحى شديد الجاذبية والذكاء فى مجموعة من لوحات قصيرة مكثفة تصف جانبا من مشكلات الحب والزواج المعاصر" وهو ما يؤكد على أهمية ومركزية العمل التحويلي لنص نظري ذا صبغة تجارية إلى عمل مسرحي يتلاقى مع واقع المتفرج الأجتماعي والقضايا الملحة في علاقة الرجل والمرأة في المجتمع المصري المعاصر.
وبالمرور السريع على مقالات المختلفة التي تناولت العرض يمكننا أن نجد أصداء مختلفة المستوى لتلك الفكرة التي يطرحها مقال الناقد رامي عبد الرازق مثل تعليق أنيس بوجوارى  -  بمقال " رجالة وستات ..الشباب يعيدون للمسرح هيبته" بمجلة همسة –  الذي يصف فيه اسلوب الكتابة  بأنه " ساخر وواقعي" .
إن كافة المقالات السابقة تقوم على تخليق روابط ما بين أساليب التعامل التي أعتمدها المخرج والكاتب (أسلام أمام) مع المادة الأصلية (كتاب الرجال من المريخ...) وبين نجاح العمل المسرحي.. فالنجاح من وجهة نظر تلك المقالات مصدره قدرة العرض على تحويل كتاب (الرجال من المريخ ....) من كتاب أمريكي يناقش علاقة الرجال والنساء في المجتمع الأمريكي لعرض مسرحي مصري يتناول (واقع) علاقة الرجل والمرأة في مصر .. فلقد نجح المخرج عندما قام بتحويل المادة الأمريكية إلى عرض مسرحي ملتصق بالثقافة المصرية والقضايا الاجتماعية التي ترتبط بواقع علاقات الرجل والمرأة في مصر ...
ولكن هل يبدو الواقع حاضراً حقاً في العمل ؟ أم أن العرض ظل عالقاً في تصورات أفقية مرتبطة برؤية واحدة للعالم تطبع كل نماذج العلاقات التي تقدمها برؤية مسبقة ...
ربما يمكن لنا أستنباط الإجابة من نهاية مقالات كل من الناقد حاتم حافظ بجريدة القاهرة .. ومقال نهاد صليحة بالأهرام ويكلي .
برغم أن مقال د. حاتم (رجالة وستات تمسرح الرجال من المريخ و النساء من الزهرة ) يقوم كما هو مبين على العلاقة بين عرض (رجالة وستات) وكتاب (الرجال من المريخ ...) إلا أنه لم يحاول الولوج للكيفيات التي تم من خلالها إعادة توطين الكتاب حيث أكتفي في نهاية مقاله بالإشارة لتطابق الرؤى الحاكمة لكل من الكتاب والعرض المسرحي.
"وتبقي أهمية الإشارة إلى أنه ثم خطورة في طريقة مثل هذه المعالجات للعلاقات بين الرجال والنساء (سواء في طريقة الكتاب أو في طريقة كتابة نص العرض) وأقصد بها خطورة تقديم الذكورة والأنوثة كإختلاف ينبع من الطبيعة لا من الاجتماع . صحيح أن تأكيد الكتاب (ومن ثم المسرحية) على فكرة الأختلاف بين طبيعة الرجال وطبيعة النساء.. والإلحاح على ضرورة تفهم هذا الإختلاف لعبور الأزمات تأكيد مهم ونافع إلي درجة كبيرة غير أن التأكيد على طبيعة الرجال [...]  والنساء [..] بإعتبارها "طبيعية" لا أجتماعية يرسخ الأعتقاد بأنه طالما الرجال من المريخ والنساء من الزهرة فلا أمل في أن نكتشف أنهما معا كانا أبناء الكوكب نفسه قبل أن يفرض المجتمع عليهما السفر إلي المريخ وإلي الزهرة "
وتتفق د. نهاد مع ذلك التصور النقدي عبر الإشارة لنقد النسويات اللواتي يؤكدن " على نفي أي اختلافات فطرية بين عقول الجنسين وإرجاع الاختلافات السلوكية  للقوالب الثقافية واجتماعية النمطية"
تتفق النهايتان على وجود أزمة متعلقة بسيادة خطاب ذكوري على العرض .. خطاب قائم على "طبيعية وبيولوجية" الأختلافات وبالتالي فإن العرض ينفي أي أثر للثقافة والمجتمع وما يصاحبها من عمليات تحديد للنوع الاجتماعي للجنس (الجندر) ، تلك العمليات التي تدفع بالرجال والنساء إلى المواقع الأجتماعية والسياسية و الثقافية التي تبدو للجميع "طبيعية" وعادية وهو ما تحقق في العرض عبر ذلك التأكيد الذي يحققه النص و العرض من خلال توزيع الأدوار الأجتماعية بين الرجل والمرأة و تقديمه للصور النمطية للرجال والنساء فالعرض يخلو من العلاقات المثلية أو العلاقات الجنسية التي تتم خارج مؤسسة الزواج بل على العكس فإن العرض يطرح كافة الثنائيات التي يتتبعها عبر العرض إما كأزواج أو زوجات .. وبالتالي فالعرض لا يطرح سوي ما هو مستقر ومقبول و معترف به من قبل أخلاقيات وقوانين المجتمع.. وكذلك توزيع الألوان المميزة للجنسين (الأزرق للرجال والزهري للنساء) ... أو التأكيد على الرموز الجنسية المميزة للنساء والرجال .. الخ .
بالمجمل فإن الملاحظات الختامية السريعة و العابرة التي قدمها لنا كل من نهاد صليحة و حاتم حافظ يمكن أن تقطع ذلك النسيج القوي والمتماسك الذي شكلته المقالات التي أكدت على واقعية ومحلية العرض .. حيث أبرزت تلك الملاحظات أن أعتيادية وطبيعة المشاهد المسرحية  التي أستنتجت منها المقالات نجاح العرض في تقديم عرض يناقش أجتماعية ليست سوى إطار سميك يتخفي خلفه خطاب ذكوري العابر للثقافات والذي يمكننا أن نجد أثاره حاضرة بالكتاب الأمريكي كما نجدها بالمصري .
كذلك فإن ملاحظات (صليحة و حافظ) يمكن أن تنبهنا إلي أن جزء من النجاح و القبول الجماهيري عائد إلي أن العرض لا يدخل في جدال مع أحد أعمق الثوابت الإجتماعية وأكثرها تقديساً (الجنس)... وهو ما يتفق مع أطروحتي الأساسية حول العرض والمقالات النقدية التي تناولته .. فالعرض في النهاية لا يلامس ما هو مزعج أو مؤلم أو جدالي بل يتبني الصور النمطية ويسخر مع المتفرجين من كل (الشخصيات/الأنماط) المسرحية التي تعجز عن تحقيق الصورة المقبولة و المنتظرة من الرجال والنساء كما حرص العرض على الإهتمام إعادة الإتزان للعلاقات المتوترة أجتماعياً عبر التأكيد على أهمية قبول طبيعية الأختلاف الجنسي .
ولكن أليس من الممكن المجادلة برغم كل ذلك أن العرض – حتى وإن كان ذا طبيعة ذكورية – يناقش قضايا أجتماعية واقعية وبالتالي فإنه يلامس – بشكل أو بأخر – ما نطلق عليه الواقع الذي أفترضت أن العرض ونقاده ينسحبون منه ؟!
من الجورب المفقود  للرجل القصير
لعل أول ما يمكن التوقف عنده في تلك المرحلة هو المشهد الأفتتاحي الذي شغل عدد كبير من المقالات للحد الذي يمكننا أن نجد متابعة للكاتبة (يسرا الشرقاوي) بموقعtheatre-cultures.com  والمعنونة ب (Till divorce do us part) تقوم على محاولة تفسير لمشهد مطالبة زوجة الطلاق من زوجها لأنه أصبح قصيراً وكيف ينظر الزوج لتحول المرأة التي أحبها بعد الزواج لشخص منقلب المزاج بشكل دائم .. حيث تستنتج الكاتبة (من ذلك المشهد) أن العرض في مجمله يهدف إلى "محاولة لتحسين الوضع من خلال إظهار كيف ينظر الناس لبعضهم البعض عندما يتعاملون فيما بينهم" ...
ويتلاقى أكثر من مقال نقدي مع مقال يسرا في التأكيد على أهمية ذلك المشهد في تصنيع معني العرض ، فرامي عبد الرازق أهتم بتحليل التقنيات المسرحية التي أستخدمها المخرج في بناء المشهد بصرياً  (كما اشرنا في تحليله لضل راجل) .. حيث أكد رامي على تقنية السلويت ودورها في بناء المعني بذلك المشهد
أو من خلال تحليل ناصر عبد الحفيظ بجريدة الوفد " رجالة وستات" كتيبة مسرحية مقاتلة تعيد البهجة للمسرح المصرى" بنوفمبر  2014 .. ذلك التحليل الذي يعتمد بدوره على تحليل المشهد الإفتتاحي .
" يفاجئنا المخرج ببدايه قويه لدخول الزوج" محمد خالد " يطارد زوجته " ياسمين سمير "  بالمقشه بين الجمهور موبخا اياها على سقوط " فردة شراب "  من حبل الغسيل وبهذه المفاجأه يستحضر بقية ابطاله كمتابعين للمشكله وهنا يصنع المخرج  بمفاجأته اولى شفراته بينه وبين جمهوره ليؤكد  خلالها خصوصية  تجربته وادواته الاخراجيه  يشير بان البنيه غير تقليديه ولسنا هنا امام مسرح يضع بينه وبين جمهوره حائط ايهامى ..."
كما تطرق (باسم صادق) إلى ذلك المشهد بقوله " استدعى المخرج [....] تاريخ العلاقة بين الرجل والمرأة كما وصفها كتاب “جراي” منطلقا من جملة فجرتها الزوجة “ياسمين سمير” حينما قالت إن زوجها صار قصيرا، وهى بالطبع جملة اثارت الضحك لأن زوجها فى الأساس قصير ولكن المخرج استخدم حيلة خيال الظل ليكشف مقصد الزوجة بافتقادها للأمان مع الزوج.. "
يمكننا أن نتابع الأقتباسات لتشمل معظم المتابعات والمقالات النقدية التي تناولت ذلك المشهد الأفتتاحي .. وربما يكون السبب الأساسي لذلك الأهتمام بالمشهد الأفتتاحي هو مجموع الملاحظات التي قدمها النقاد والتي تتعلق معظمها بمجموع التقنيات المسرحية التي أستخدمها المخرج و التي يجمع معظمهم على بلغت حدودها القصوى بمشهد ظل الرجل المتقلص بما تخلقه هذه الإستعارة البصرية التي تقف كما  يشير معظم النقاد في مقابل الكوميديا المخلقة من أدعاء الزوجة بأن زوجها أصبح أقصر قامة وما يرتبط بها من مفارقات كوميدية ... هذا بالإضافة طبعاً لدفع الجمهور للمشاركة في بداية العرض و التي مثلت لدى الكثير من النقاد وكتاب المتابعات الصحفية تقنية أساسية في بناء العرض وتحقيق التواصل بين خشبة المسرح والمتفرج.
ولكن وبعيداً عن العرض ذاته ربما كان ذلك الأهتمام من النقاد بذلك المشهد يعكس ما يقدمه ذلك المشهد من مرجعيات وقواعد يمكن بناء التأويلات النقدية فوقها والتي تهتم في مجملها بقدرة الصورة المسرحية والتقنيات الأدائية والمنهج الإخراجي على تحقيق حالة التواصل ودمج المتفرج وما يرتبط بها من شعور المتفرج بإقتراب العالم المسرحي من حياته الواقعية وتفاصيلها الصغيرة التي تبدو له غير قابلة للمناقشة العامة مثل أختفاء جورب أو موت الزواج ...وبالتالي تتم عملية أستدعاء الواقع لا كمجمل الأوضاع الأقتصادية و التحولات السياسية والاجتماعية العميقة ولكن من خلال التفاصيل الصغيرة التي تشكل حيوات الرجال والنساء وبالتالي تصير أكثر واقعية وحضوراً من كافة تلك المؤثرات لتتحول بالتالي إلى "قضية أنسانية عامة" يمكن أن يخضع لها كل الرجال وكل النساء ...
إن الصراع الذي يدور في ذلك المشهد ينفي أي أمكانية لمناقشة حقيقية لطبيعة الصراع أو أسسه الأقتصادية بل يكتفي بالوقوف عند ما هو غير مقلق على المستوي الإقتصادي.
وربما يدعم ذلك التفسير التوجه العام للمتابعات والمقالات نحو تحليل سينوغرافيا العرض بشكل عام أو عمل مصمم الديكور(أحمد زكريا) بشكل خاص حيث تميل معظم التحليلات إلى تحليل عمله من منطلق دوره في التأكيد على الخلاف الطبيعي و البديهي بين الرجل والمرأة ..كما نجد لدى باسم صادق "منذ البداية يؤهلنا مصمم السينوغرافيا أحمد زكريا نفسيا أننا أمام حالة بصرية تقارن بين فروق الرجل والمرأة" ..
إن تأكيد (باسم صادق) يكشف ميل العرض للهروب من أي أشارة لها مردود في الواقع .. وهذا حقيقي فالعرض أتجه للتركيز بصرياً على تخليق ثنائية ثابتة (رجال/نساء) دون أي تحديدات ثقافية (أو طبقية أو عقائدية .. الخ) تفصل وتفتت وتعيد تشكيل تلك الثنائية .
فبرغم أن عناصر الصراع – بين الرجال والنساء في العرض -  ترتبط في معظمها بالعمل و الولاية المالية للرجل (حيث لا يمكن أن نجد علاقة واحدة من النماذج المختلفة التي يقدمها العرض لا يمثل فيها العنصر الإقتصادي عنصر ضغط أو مساومة أو قمع أو تبرير .. الخ .كما لا يوجد مشهد لا يوجد به ذكر للعمل وما يرتبط به من جهد ).. برغم كل ذلك فإن العرض كان يحاول طوال الوقت تجاوز مركزية الأثر الاقتصادي بالتأكيد على ما هو أنساني وعاطفي عبر التقسيم البيولوجي بين مجموعتي الرجال و النساء على المستوي البصري وعلى مستوي النص.
وكما حرص العرض على تجاوز كل أمكانية لمناقشة أثر العلاقات والضغوط الإقتصادية في تشكيل العلاقات بين الرجال والنساء (أبناء المدينة) المنتمين للطبقة الوسطي الذي يتخذ منهم العرض نموذجه (في الثلاث ثنائيات التي يقدمهم كنماذج مختلفة للرجال والنساء) .
من خارج العرض
ربما لم تخلو مقالة واحدة من قفزة إلى خارج العرض وبالتالي أستخدامها لتفسير العرض.. بداية من علمية أستدعاء كتاب (الرجال من المريخ...) الذي توجه معظم النقاد وكتاب المتابعات إلى تقديم تعريف بموقعه وتاريخه وعلاقته بالعرض – كما سبقت الإشارة-  وبالتالي أستخدامه كقاعدة للولوج إلى العرض سواء عبر عقد المقارنات أو عبر التأكيد على التماثل أو التناقض أو لتوضيح مواقع الإختلاف .. الخ وهو ما أستعمل في العادة- كما أشرنا- للتأكيد على مدي تواصل العمل مع واقع العلاقة بين الرجال والنساء في مصر.. ولكن لم تقم أي متابعة نقدية بالتوغل في مناطق الإختلاف والإتفاق للحد الذي يتيح الحديث عن دراسة مستفيضة للمصدر الذي قام عليه العرض.
وإلى جانب ذلك تمت عمليات إستدعاء أخرى لعل أهمها أستدعاء نهاد صليحة لفترة دراسة المخرج أسلام أمام بمركز الإبداع على يد المخرج خالد جلال وأستخدمها لتفسير لطريقة بناء العرض وكذلك تفسير طبيعة معالجته للقضية التي قام بتناولها .. حيث تمت عملية الإستدعاء تلك في بداية المقال عبر المقارنة بين نجاح عرض (قهوة سادة) للمخرج خالد جلال ونجاح عرض (رجالة وستات) وما يجمع بينهم من سمات مشتركة و تنتهي المقارنات عند مقارنة عمليات بناء العرض في مرحلة البروفات ... وقد قامت عملية الإستدعاء تلك بتخليق أرضية تفسير قائمة على عرض ناجح لكنها لم تحاول التعمق في ما وراء تلك المشابهة نحو دراسة مناطق التشابه في الخطاب بين العرضين برغم أن العرضين ربما كانا يمتلكان تشابه رئيسي – برغم أختلافهم في كل شيء تقريباً-  وهو تصدر أصوات الطبقة الوسطي للعرضين .. فعرض خالد جلال يحمل حالة حنين لعالم مفقود كانت فيه تلك الطبقة في على طريق تخليق الواقع وفقاً لرؤيتها وقيمها .. بينما عرض أسلام يمثل أرتداد تلك الطبقة و هروبها من الواقع نحو ما هو أمن ومستقر وثابت ... بالمجمل نحن أمام طبقة تعاني من فشل مشروعها وتحاول الهرب من مواجهة تبعات هزائمها بالتأكيد على حضورها وقوتها وقدرتها على السخرية .
كذلك فلفد لجاء الناقد محمد بهجت إلى أستدعاء تاريخ دار العرض (دار أوبرا ملك) ووضعية الفضاء المحيط بها (منطقة وسط البلد وشارع عماد الدين) كفضاء حاضن للمسرح في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين .. ثم ينطلق من ذلك للعرض كجزء من حالة أستعادة لمرحلة فنية مزدهرة .. وهو ما يمكن أن نعتبره تنويعة أخري (ومن مستوي أخر) لعملية أستعادة نهاد صليحة  لعرض ناجح .. لكن عملية الإستعادة هنا مغلفة بحنين لماضي أكثر أثارة للمخيلة البرجوازية المصرية التي تري في صور القاهرة الخديوية فردوساً مفقوداً كانت فيه تلك الطبقة تحيا بمعزل عن الطبقات الأخري بصحبة الجاليات الأوربية التي تتبني مشروعها الثقافي .
وكذلك يستدعي ناصر عبد الحفيظ واقع المسرح المصري منذ عصر حسني مبارك من خلال مقدمة طويلة ،حيث يسرد عبد الحفيظ واقع المسرح المصري بقوله " ليس سرا ان المسرح المصرى يواجه  انتكاسه حقيقيه من عهد مبارك ولاتزال تقام على اثرها العديد من المؤتمرات التى تحمل سؤال وحيد وهو كيفية "انقاذ ابو الفنون  " وعقد مقارنه ظالمه لهذا الجيل المسرحى والاجيال التى سبقته  بمسرح الستينات  ".. حيث ينطلق من ذلك للإحتفاء بعرض أستثنائي ، وإن كانت ملاحظته تلك حول الأسباب التي دعت بالجمهور المنصرف عن المسرح إلي الإحتفاء بعرض رجالة وستات لم تخرج عن الإشادة بقدرة المخرج ومجموعة الممثلين.
ربما يبدو من كل عمليات الأستدعاء تلك أستخدام واقع وتاريخ المسرح المصري كمدخل لتفسير سبب نجاح العرض ومحاولة للتفاوض مع العرض من أرضية ثابتة و محددة المعالم وواقعية مشتركة ... وهو ما يوفره تاريخ المسرح وعلاقات العمل و التأثر في الحاضر بشكل كبير .. حيث يمكن أرجاع التقنيات إلى أصل ثابت وتفسير توهج العرض في إطار الفضاء الذي أنتج فيه أو تبرير الثناء على العرض من خلال موقعه داخل الحركة المسرحية .. وهذا ما يعود بنا من جديد لعمليات بناء معنى العمل وموقعه من الواقع كعرض مسرحي غير مشتبك مع القضايا الكبرى للمجتمع من ناحية ، ومن ناحية أخرى أبراز أسباب التقييم الإيجابي ودعم منطق تفضيل العرض عبر مقارنته مع الواقع المسرحي أو عبر التأكيد على النجاح الجماهيري للعرض .. فعرض رجالة وستات ناجح من وجهة نظر تلك المقالات لأنه أستطاع تحقيق حالة فرجة مسرحية ممتعة ودون التوغل في ما هو سياسي .
ربما كان الحديث عن فرجة مسرحية ممتعة هو ما أجمع عليه كل النقاد وكتاب المتابعات الصحفية .. فالعرض قام بتفريغ العالم من كافة الأثقال والأسئلة الكبري و القضايا الملحة التي تعصف بالمجتمع وأختار أن يحقق الإمتاع المسرحي عبر تحييد كافة مصادر القلق الممكنة في العلاقات الجنسية والإجتماعية والأقتصادية والدينية ..الخ التي تربط بين الرجال و النساء في مصر ما بعد 25 يناير لصالح تقديم مسرحية كوميدية خالية من منغصات الواقع.

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...