الأربعاء، ديسمبر 28، 2016

لما النور يجي .. خطاب غاضب وفوضوي ضد الواقع

في العادة ما توسم فترة الإعداد والتدريب – البروفات- في المسرح بأنها فوضي تنتظم .. أوبمعني أخر أنها المرحلة التي يتحلق فيها أفراد/ مبدعين حول مشروع فني يهدف إلي تجاوز الإبداع الفردي إلي حالة أبداع جماعي تتلاقي فيه فنون مختلفة لإنتاج عمل مسرحي مشترك يكتسب هويته المتفردة من تلك الجماعة الإبداعية التي أنتظمت لتنتجه.
وبالتأكيد فإن عملية التنظيم و الترتيب لتلك الإبداعات الفنية ( موسيقي – تشكيل – أداء .. الخ ) يحتاج إلي قدرمن التنازلات الفردية لصالح المنتج الجماعي وذلك عبر الخضوع لسلطة المخرج الذي يضطلع بدور المنظم لجهد الفريق و أنه صاحب الحق في أختيار وتنظيم وتحديد الوجهة التي يتخذها الفريق حتى تتحقق عملية الإنتظام الإبداعي وتتراجع الفوضي إلي أدني مراحلها .. وهو ما يجعل من تناول تلك المرحلة كموضوع لعرض مسرحي يقدم للجمهور أمراً مثيراً في حد ذاته بالنسبة للمبدعين أو للمتفرج  حيث يتيح ذلك فرصة كاملة لمراقبة وتأمل ما يتم التعامل معه بأعتيادية و بشكل خفي وبعيداً عن أنظار المتفرج  .. ولكن على ما في ذلك الأمر من أثارة ووعود بالكشف و الإقتراب فإنه يحمل من مخاطر الخضوع لنمط تفكير البروفات المفكك و الجزئي و غير المكتمل
وفي ذلك الإطار قدم المؤلف و المخرج " عبد الله ورداني "  عرض "عرض لما النور يجي " لفرقة نادي مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية  في أفتتاح الدورة الخامسة و العشرين للمهرجان الختامي لنوادي المسرح بمدينة الإسماعلية .. حيث تناول العرض مرحلة الإعداد و التفكير والإرتجال لفرقة مسرحية تحاول الخروج بعرض مسرحي .. الأمر الذي يقودهم إلي صياغة المشاهد و بنائها ثم أعادة هدمها و أعادة توزيع الأدوار المرة تلو المرة ... وعلى مستوى أخر يتشكل وسط فوضي الهدم والبناء التي يتناولها العرض رؤية لتاريخ وواقع مصر ومستقبلها في أطار ساخر وسوداوي.
وفي سبيل تحقيق ذلك الرهان الأساسي فإن المخرج(والمؤلف) لجاء إلي توظيف عدد كبير من الشباب و الشابات في مشهد أفتتاحي صاخب و عنيف وفوضوي يحاول من خلاله رصد لحالة الفوضي من خلال نماج متنوعة من مدمني المخدرات لمدعي الثقافة للفتاة الراغبة في التمثيل .. الخ .. حيث يقدمكل ذلك في أطار من الصراخ و التدافع والتقاطعات المستمرة بين جمل مبتورة يلقيها الممثلين ...ويزيد من حدة بروز الفوضي ذلك الوضع الفوضوي فوق خشبة المسرح التصور البصري الذي وضعه المخرج لتوزيع الديكورات وعلاقاتها فوق خشبة المسرح .. حيث برزت حالة من الفوضي و التكدس بين مستويات مختلفة و قطع ديكور تم توزيعها بعشوائية واضحة ... ومع تقدم العرض تتعمق حالة الفوضي و تتجذر لتتحول من مجال للتأمل و التفكير من قبل صناع العرض إلي حمل ثقيل يصب في غير مصلحة العرض أو ما يطرح ..
ولعل تلك الفوضي قد أنعكست بشكل مباشر في الخيارات التي لجاء إليها العرض على مستوي بناء الداخلي له .. فهناك تتبع تاريخي يبدأ من أدم و حواء و الطرد من الجنة و ينتهي في لحظة ما غائمة يتحول فيها الجميع لحيوانات مفترسة بعدما يفقدون أنسانيتهم ... وبين تلك البداية المعتمدة على الرواية الدينية لخلق العالم و تلك النهاية المتشائمة بالمصير والتي تعد بدستوبيا نهائية يلتهم فيها عم سعيد عامل البوفية الذي يحلم بأن يكون مخرجاً من قبل وحوش بشرية .. بين تلك البداية و تلك النهاية يجمع العرض تصورات ساخرة من ألف ليلة وليلة و الحضارة الفرعونية و عصر كيلوباترا وكفار مكة و السلاطين الأتراك والسبعينيات و ثورة 25يناير مقاطع من خطابات رؤساء الجمهورية بعد تلك الثورة .. حيث يتم جمع كل ذلك الخليط غير المتجانس و الذي يحاول جمع مساحة واسعة و غير محددة المعالم ضمن تلك الرؤية المتشأئمة بأن العالم قادم من الفوضي و القتل وذاهب إلي الفوضى و القتل .. لكن حتى تلك الرؤية تأثرت بحالات الفوضي و عدم وجود تصور واضح ومتماسك لكيفية بناء المشاهد حيث تتحول المشاهد بين حالات خطابية عديمة القيمة و مشاهد ساخرة غير محكمة الصنع و بناء داخلي للمشاهد غير محدد الأهداف أو النتائج المرجوة .. وربما لم ينجو من تلك الفوضي سوى مشهد السبعينيات عندما تم تقسيم المسرح بشكل واضح و محدد بين كتلتين أساسيتان الأولي هو المقاتلين على  الجبهة و الثانية هي لشباب يرقصون ويعبثون .. فذلك المشهد كان أحد أكثر المشاهد تماسكاً نتيجة وجود خطة أخراجية واضحة في رسمه وتشكيله بينما ظلت باقي المشاهد غارقة بدرجات مختلفة في تلك الفوضي التي أريد لها أن تكون خلاقة و متلائمة مع موضوع العرض الأساسي لكنها لم تنجح سوى في أضفاء مزيد من الخفة و التشويش على العمل .
في النهاية ربما يكون الطموح الفني ورهاناته الأساسية مرتبطة بالحفاظ على تلك الحالة من الفوضوية و القلق وأتاحة الفرصة للممثلين للإرتجال والإضافة .. لكن حتى ذلك الطموح وتلك الرهانات ما كان لها أن تتحقق مع عدم وجود خطط واضحة لدي فريق العمل لنقل الإحساس بفوضي ذلك العالم و ليس لصنعها و ترسيخها عبر كل وسائل التشويش التي لم ينجو منها الأداء التمثيلي على ما يتجلى من تميز العديد من العناصر التمثيلية نتيجة عدم التدرب الكافي و الإعداد لنقل الإحساس بثقل الفوضي لا السقوط فيها

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...