إن أحد أهم مصادر شرعية حضور المهرجان القومي للمسرح في
فضاء الواقع المسرحي في مصر هي كونه يتيح للمتابعين والمتخصصين أطلاله سريعة
وشاملة على واقع تلك الظاهرة الممتدة جغرافياً من أقصي الجنوب المصري وحتى أقصي
الشمال بكل ما يحمل ذلك من تجارب مسرحية مختلفة في المستوي الجمالي و الأنتاجي .
وبالتالي فإن وجود مستويات جمالية و تقنية مختلفة هو جزء أساسي من تكوينه على
العكس من الطبيعة المميزة للمهرجانات المسرحية التي تتبارى في أجتذاب العروض
المميزة على المستوي التقني والفني .
ولعل ذلك ما يتيح قبول عرض متواضع في طموحه الفني مثل
"حلم ولا علم" لفرقة مؤسسة صحفية كبرى مثل الأهرام التي تشارك ضمن فئة
الشركات التي غابت لفترة من الزمن عن المهرجان . فالشركات والمؤسسات بحكم تكوينها
تضع الالنشاط الفني على هامش أهتمامها أن لم يكن مطروحاً بالأساس على العكس من
مؤسسات المجتمع المدني و الجامعات و المراكز الشبابية التي تهتم بتنمية العنصر
البشري و تطويره كهدف أساسي .
ولكن ورغم كل
تلك المبررات التي يمكن تقديمها كعناصر دفاعية عن عرض " حلم ولا علم"
للمؤلف محسن يوسف و المخرج "شريف سمير " فإن العرض يصعب وضعه ضمن أطار
تسابقي لما يعنيه ذلك من حتمية التعامل معه بمعايير وشروط تقنية وفنية ربما يصعب
تطبيقها عليه دون تعريضه لمستوي من التعامل النقدي لا يتلائم مع طموح العرض وأهدافه
التي لا تخرج عن النشاط الداخلي للمجموعة من العاملين بمؤسسة الأهرام الذين لا
يمكن أن تتم محاسبتهم بذات الطريقة المعتمدة
في الأنظمة الأنتاجية الأخرى التي تعتمد نظام أحترافي أو نصف أحترافي أو
حتى نظام هواة مستقر وممتلك لخبرات طويلة .
وكبداية للتعامل مع عرض " حلم ولا علم"
فيمكننا أن نتوقف أمام نص العرض الذي صاغه " محسن يوسف" و الذي يدور حول
زيارة لوفد أجنبي يقوده مستر أكس لمصر حيث يكتشف الوفد وجود مدفع أثري قامت الحكومة
بالإستعانة به للتزين ، فتثور ثائرة الوفد ويصفونه بأنه سلاح خطير .. الخ ، فيعطي
الرئيس المدفع لبائع روبابكيا(عربي) الذي يقرر هو وزوجته (جمهورية) الأحتفاظ به ..
ولكن تستمر المطارده لعربي من قبل الوفد الأجنبي حتى نهاية المسرحية ...
بالطبع يبدو أن النص هنا يضع نفسه في تقاطع سياقات تاريخية
و سياسية و ثقافية ويحاول أن يتخذ موقفاً أيديولوجيا واضحاً – وهو ما تم دعمه من
قبل العرض عبر الأغاني (للشاعر/ أحمد العبادي و الملحن / محمد الوريث) – لكن ذلك
التخلخل الدرامي الواضح والعميق بنص العرض أدي بالتالي لخلخة ذلك الطرح و عدم
وضوحهوتحوله لخطاب عدائي يضع الغرب كله في خانة الأعداء و المتأمرين ويضع
"النظام" – كما يطلق النص علي الدولة في خانة المتأمرين الخانعين – وفي
المقابل يصبح الشعب (عربي/ جمهورية) هم أصوات المؤلف التي تنطلق بالإدانة السياسية
و الأخلاقية تجاه كل تلك القوى .
بالطبع أن ذلك الخطاب يمكن أن نجد تجلياته في عشرات
الأعمال الدرامية التي قدمها المسرح المصري منذ الستينيات و التي سادت خلالها
الرؤى المابعد كولونيالية التي وصلت إلي
وصم الدولة الحديثة ذاتها بأنه منتج غربي يجب التخلص منه و العودة لنظم سابقة كان
فيها الحاكم هو الواسطة الرابطة بين المجتمع و الرب أو الأب .. الخ
ولكن النص الذي يرفض الدولة ككل و يتهمها بأنها نظام
فاشل و خاضع يجد نفسه في النهاية أمام أزمة البديل الذي يطرحه وهو يجعله ينقلب على
منطقه وخطابه عبر تحول أحد الوزراء إلي جانب الشعب دعمه لهم بعدما قام بعمليات
تصفية و أدانة للدولة طوال الوقت.
بالتأكيد فإننا
يمكن أن نجد على المستوي الدرامي الكثير من المشاكل بداية من التعامل مع المشهد
الدرامي و البناء التنميطي للشخصيات و عدم جود منطق درامي سليم أو مكتمل الأمر
الذي أدي إلي أن يلجاء العرض للغناء و الخطابية كبديل للدراما لبناء أفكاره
وتقديمها للمتفرج .
أن تلك المشاكل الجوهرية التي أصابت نص العرض ألقت
بظلالها على كافة عناصر بناء العرض ، حيث يمكن أن نجد أن محاولة المخرج "
شريف سمير" لتقديم تصور بصري معتمد على أستعارة مبارة كرة القدم (حيث نجد أن
معظم الشخصيات عدا (عربي و جمهورية) يرتدون ملابس لاعبي كرة القدم) يصبح غير قادر
على تقديم أضافة حقيقية للعرض حيث لم يتم دعم تلك الإستعارة بالنص ، فاللعب
بطبيعته يستلزم وجود حالة تنافسية بين مجموعتين وهو غير متحقق بالنص في مقابل
أرتداء (عربي و جمهورية) – طرف الصراع الأصلي - لملابس منزلية وهو ما يمزق
الأستعارة و يفرغها من قيمتها و الدور الذي تقوم به .
ويمكن أن نجد في أستمرار لتلك الأزمة تداعيات أخرى حيث
يتم اللجوء لقاعة المتفرجين بشكل دائم لدخول و خروج المغني و المغنية في محاولة
لتدعيم و توحيد الصالة مع الطرح الذي يحاول العرض تقديمه وأن كان ذلك أيضاً ظل
حملاً على جسد العرض و طرح لأصوات قادمه من خرج عالم العرض المشوه والممزق .
وأذا أنتقلنا إلي عنصر التمثيل فمن الممكن أن نجد أن ضعف
المستوي الأدائي و محاولة تحميل المؤدين بمهام أثارة الضحك عبر الكوميديا اللفظية
كشف عن ضعف التدريب الأدائي و عدم وجود شخصيات يمكن البناء من عبرها . وربما لم
يفلت من ذلك سوي الممثلة " مروة أمام" التي أستطاعت أن تقوم ببناء شخصية
" جمهورية " وتخليق مجموعة من السمات المميزة لها بل وتوليد الكوميديا
أيضا .
بالتأكيد فإن ضعف العرض التقني و الفني يمكن أن نعيده في
مستوي من المستويات إلي ضعف الأنتاج ولكن ذلك لن يكون كافياً لتبرير كافة المشاكل
الفنية التي تصل لحدود أخطاء بدائية .
في النهاية ربما وجب العودة من جديد إلي أن وضع عرض
" حلم ولا علم" ضمن المهرجان القومي للمسرح بالمسابقة الرسمية ربما فيه
الكثير من الظلم و القسوة على تلك المجموعة من الفنانين الهواة الذين يتلمسون
خطواتهم الأولي في مجال المسرح و الذين يحتاجون إلي مزيد من التجارب و الخبرات
المسرحية حتى يصبحون قادرين على التنافس مع عروض أكثر حرفية و أتقاناً و تماسكاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق