يمثل عالم المسرح - بكل التفاصيل و التعقيدات المرتبطة
به- موضوع شديد الجاذبية لكثير من كتاب وفناني
المسرح ، حيث تجسد الظروف المرتبطة بأنتاج العرض المسرحي موضوع شيق وكاشف عن
النظام الإجتماعي و الثقافي الذي ينتج المسرح يؤسس لخطاب العرض عبر الإتاحة و
المنع ، ولذا فإن المسرحيين ينجذبون إليه لتأمل الواقع الأجتماعي الذي ينتج في
ظلاله العرض المسرحي كمنتج يمتلك حياته الخاصة بعيداً عن مجموع المبدعين الذين
ينتجونه من جهة ، ولتأمل عالمهم الشخصي ووضعهم كجماعة مهنية وفئة أجتماعية تعاني من النبذ التاريخي من جهة أخرى .
ولعل عرض " كواليس" للكاتبة و المخرجة داليا
بسيوني يمكن أن يكون نموذجاً لذلك النوع من العروض التي تهتم بشكل أساسي بتتبع
عمليات أنتاج العرض المسرحي كمنتج أجتماعي يختلط فيه ما هو جمالي بما هو أجتماعي و
يومي ، حيث يتناول العرض مرحلة البروفات لعرض مسرحي بأسم (سحرة البرلس) - وهو
معتمد على نص (البوتقة لأرثر ميلر) كما تشير الشخصيات - لا يظهر أثره سوى على
السطح الخارجي لنص العرض ، برغم أنه من الممكن أن يكون لذلك النص الداخلي قدرة على
تفعيل عمليات المقارنة بين عالم ذلك النص الداخلي وعالم البروفة الذي ينتجه واقع
المتفرج .. لكن في النهاية فإن النص يختار التوقف عند مرحلة التعريف السريع والعابر
بالمسرحية الداخلية وتقديم بعض المونولوجات المجتزءة من ذلك النص دون ربط بمتن
العرض الأساسي .
وأنطلاقاً من ذلك تقود عالم البروفة يحاول العرض التعامل
مع واقع فئة محددة من منتجي المسرح في مصر وهي فئة فناني المسرح المستقل التي
تتشكل أساساً من أبناء الطبقة الوسطي بالمدن الكبري ، ولعل ذلك ما يظهر بوضوع في
نص العرض حيث لا يوجد بمجتمع النص سوى تلك الشرائح المثقفة الوسطى والصغيرة من
الطبقة الوسطى والتي تطرح أغترابها
وأنفصالها عن عالمها الإجتماعي على عدة مستويات بداية بذلك الهجوم العنيف ضد مهنة
المسرح من قبل أكثر من شخصية وتقديم رؤية المجتمع المُدينة للممثلين كفئة مدانة
أخلاقياً، أو الإشارات المتناثرة إلي المواقف السياسية لتلك الفئة من الثورة و
الأحداث وتأثيرها عليهم .. الخ
وبالتأكيد فإن ذلك المدخل إلي عالم المسرح يحدد مجموع
الأزمات التى تعاني منها تلك المجموعات حيث يمثل ضغط عدم وجود مكان للعرض والتعامل
الربحي مع المهنة المسرحية مدخل أساسي
للتعامل مع عالم العرض المسرحي ، حيث يؤكد العرض وبأكثر من مناسبة على أن العرض
ينتج بمنحة مقدمة من جهة ما وأن العرض سوف يقدم على خشبة مسرح الجمهورية لمدة
ثلاثة أيام .. الخ وبالتالي فإن الأزمات المرتبطة بأنسحاب الممثل الرئيسي ترتبط
بكليتها بذلك المدخل .. فالعرض يتحول و يتبدل تحت ضغط مستمر من الظروف الشخصية و
المهنية المرتبطة بتلك المجموعة من المسرحيين ، وهو ما يمكن أن يمثل في مستوي ما
مناقشة لمشاكل تلك المجموعة من المسرحيين بشكل محدد وتقديم لأزمات وشروط ذلك النمط
الإنتاجي وضغوطه التي تمزق المقولات الأساسية التي ينطلق منها .
ولكن إلي جوار ذلك المدخل المحدود لعالم المسرح في مصر فإن
العرض يتناول في مستوي ثاني أنواع من الأزمات التي تبدو أكثر عمومية و جدية مثل
حضور المرأة في مركز قيادة عملية الإنتاج المسرحي (الأخراج) وما يرتبط بحضورها في
ذلك الموقع من مشاعر القلق و الضغوط النفسية والإجتماعية وعمليات القمع والأستغلال
و الرفض و الدعم ..الخ، ولعل ذلك ما يدعم العرض حضوره عبر المناقشات التي تدور حول
النسوية والضغوط المجتمعية على فنانات المسرح والتحرشات وعمليات الوصم الاجتماعي
التي تتعرض لها المرأة أثناء عملها بتلك المهنة وأزمات الثقة التي تعاني منها
المرأة تجاه حضورها في مركز أنتاج العرض المسرحي مثل تلك التصريحات المتكررة والمتواترة
داخل العرض من قبل شخصية المخرجة وعدم قدرتها على ممارسة مهنة الإخراج .. الخ .
لكن أهم ما يميز تلك المداخل المتعددة لتناول العرض
لعمليات أنتاج العرض المسرحي هو ربط كل ذلك بشبكة من العلاقات (الحب/ الكراهية ...
الخ) التي تربط بين شخصيات العرض المسرحي و التي تؤدي لتطوير العرض و إعادة صياغته
ليظهر منتج مختلف عن التصور المبدئي الذي تقدمه شخصية (د. إيمان / داليا بسيوني) .
على مستوي التصور البصري للعرض فإن المخرجة و مصمم
السينوغرفيا للعرض " سعد سمير" حاولا تخفيض و أستبعاد أي حضور تشكيلي
للحد الأدني حيث أحتل الخلفية حاجز خشبي كبيرأستخدم طوال الوقت كشاشة عرض لمجموعة
متنوعة من المواد (مشاهد لبحيرة البرلس .. أو ما يبدو هكذا للإشارة لعالم النص
الداخلي ، مشاهد من مرحلة بروفات العرض .. الخ) ، بينما تم تقسيم الفضاء المسرحي
إلي ثلاث أماكن الأول فضاء البروفة و هو الفضاء الأساسي و المركزي بالنسبة للعرض ،
فضاء غرفة الملابس وهو فضاء خاص بشخصيات الممثلات ، و أخيراً فضاء غير محدد لجزء
من قاعة العرض للقاءات بين المخرجة وبطل العرض..
أن ذلك التقسيم للفضاء المسرحي ربما يشير بشكل أساسي للتصور الأساسي الحاكم
للعرض و علاقته بموضوعه فمن ناحية فإن العرض يهدف إلي نقل عالم البروفة بمستوياته
المختلفة التي يتقاطع فيها الفضاء الخاص بالفضاء العام طوال الوقت، ومن ناحية أخرى
طرح أثر هيمنة المرأة على مواقع السلطة داخل العمل المسرحي على الفضاء
بالتأكيد فإن علميات تشكيل الفضاء تبدو - في بعض الأحيان-
قلقة أو مشتته مثل اللجوء المجاني لشاشة العرض (في كثير من الأحيان) والذي جعل
منها كان أقرب الوسائل لتقديم المعلومات للمتفرج ،و للتأكيد على الجو العام للمشهد
، و حتى بهدف تفعيل الإيقاع العام للعرض وتخليق حالة من التنوع البصري في مقابل
سكون الصورة المسرحية .. ألخ وهو ما كان له أثار سلبية في بعض الأحيان مثل
تشتيت أنتباه المتلقي خصوصاً إذا ما وضعنا كل ذلك في مواجهة مشاهد مسرحية طويلة و
ساكنة تسودها ويغلب عليها السرد لما يتم خارج حدود خشبة المسرح.
في النهاية ربما كان عرض " كواليس" نموذج لما
يطلق عليه النقاد " الميتاتير" أو تلك المجموعة من العروض والنصوص
المسرحية التي تشير لحضور المسرح والتأكيد على حالة المسرحة طوال الوقت ، حيث نحى
العرض نحو بناء حائط رابع بين المتلقي وبين عالم الشخصيات والتأكيد على الإشارة
للمتلقي إلي عمليات الإنتقال الأدائي بين الشخصيات الدرامية في النص الداخلي (سحرة
البرلس) "كتمثيل / أداء" و الشخصيات في النص الإطارى التي قدمها مجموعة
المؤدين " نادين الشيتي، نانسي علم الدين، داليا بسيوني، مدرونا سليم، حسن
عبد الله ، أحمد الشربيني" ، حيث نجحت مجموعة المؤدين – إلي حد بعيد – في الفصل
بين المستوين الأدائين ، كما نجحوا – على مسوى أخر- في الإبتعاد عن الإنفعالات
العنيفة و الميلودرامية برغم توافر المساحات الدرامية التي كانت توفر مزالق مثالية
نحو الميلودراما يقدمها النص بسخاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق