الأحد، سبتمبر 25، 2016

بس أنا بحبك .. عالم النساء المقموعات



أربع حكايات حول العنف المنزلي لنساء لبنانيات مختلفات في العمر والإنتماء الطبقي و الطائفي ، أربع حكايات تتقاطع وتتواصل حول نساء تعرضن للعنف في أماكن مختلفة (داخل لبنان وخارجها) ، أربع حكايات لا يجمع بينهم سوى الأنتماء للهوية اللبنانية ولجنس النساء بالأساس .
أن ذلك التنوع المميز لمصادر تلك الحكايات الخاصة  بالنساء الأربع اللواتي يرتدين ملابس موحدة اللون (الأسود) برغم أختلاف الطرز هي أول الرهانات التي حاول العرض أجتراحها ، فالعرض يراهن على أن يضع المرأة ككائن بيولوجي في مقابل الرجل الذي يمارس العنف الجسدي لأسباب تتعلق بالسيطرة الجنسية و الأقتصادية على النساء ، وبالتالي فكل النساء هنا سواء لا فارق حقيقي يمكن أن يضع كل واحدة منهن في داخل تصنيف طبقي أو فئوي أو عمري .. فالنساء هن الضحايا المهمشات أيا كان موقعن داخل النظام الاجتماعي في مقابل الرجال الذين يوحد بينهم القسوة و العنف و الإحتقار والآستغلال للنساء .
أن ذلك الرهان الأساسي للعرض يكشف عن توجهاته الرديكالية نحو الدفاع عن حقوق النساء كأحد أكثر الفئات تهميشاً داخل النظام الذكوري المهيمن – بدرجات مختلفة – على العالم ، وبالتالي فإن بنية العرض تتسق مع طبيعة توجهاته  التي تناهض الكثير من التقاليد المسرحية بداية من نفي الصوت المسرحي الواحد الذي يدعي الموضوعية و التعددية في سبيل الوصول للأصوات في حالة حضور خارج هيمنة الحبكة الدرامية  التي تقوم بتوزيع وتقسيم و تحديد مجال  وأمكانيات ظهور كل شخصية و أختفائها ، ووصولا لجلسة النقاش التي تلي العرض و التي يمكن أعتبارها تفتيت لإنفصال العمل المسرحي كمنتج نهائي معزول و متعالي يقدم مقولاته للمتفرجين ولا يتورط معهم ، وهو ما يصل بالعرض لأن يكون جزء من عملية نقاش وجدل حول قضية المرأة داخل النظام الأجتماعي و تأكيد لهدف المسرح النسوي بتحطيم الصوت الذكوري الواحد و الوحيد الذي يشطب و ينفي أي خطاب تعددي و يزيحه نحو الهامش .
أن ذلك التوجه الواضح للعرض يرتكز بالأساس على تلك المقدمة التي تقدم قبل العرض و التي تؤكد على أن العرض هو إعادة تقديم و صياغة لحكايات نساء واقعيات تعرضن للعنف المنزلي من قبل أزواجهن ، حيث تدفع تلك المقدمة المتلقي إلي التعامل مع العمل الفني كتوثيق لواقع متعين و حاضر وبالتالي فإن كافة التقنيات الفنية التي يتبنها العرض هي لدعم و تأكيد الطرح السياسي للعرض المكرس لنقد واقع النساء اللبنانيات (أو لنقل النساء بشكل عام).
ولكن على مستوي أخر فإن العرض لم يجنح - ككثير من عروض المسرح النسوي-  نحو تبني أوضاع أستتاتكية لأجساد المؤديات التي تهدف لوضع القضية في المركز في مقابل تسكين و أسكات بقية عناصر بناء الفضاء المسرحي ، حيث أعتمد العرض توزيع المؤديات داخل مجموعة من الدوائر المحددة بصحون محطمة تحاول المؤديات إعادة جمعها مع تقدم العرض ، كذلك أتاحة المساحة للمؤديات للتحرك داخل تلك الدوائر وفق نمط موحد وهو الحركة الدائرية للتأكيد على أزمات النساء المقدمات كشخصيات محاصرة و مقموعة يحاولن لملمة عالمهم المحطم والمغلق والبحث عن سبل للخروج من تلك الذاكرة المتخمة بالعنف .. وأخيراً كتابة فقرات بالطبشور على أرضية مساحة الأداء.
أن تلك المحاولة التي قام بها العرض نحو بناء الفضاء و صياغته وشغله بالإستعارات البصرية التي تعكس أوضاع النساء سواء عبر الصحون المحطمة أو عبر الحركة الدائرية لم تمتد للإضاءة حيث تمت المحافظة على أضاءة محايدة ولم تلجاء المخرجة إلي تخليق حالات ضوئية مميزة لكل حكاية وهو ما يتسق مع طبيعة العرض و توجهاته النضالية التي تقاوم الإنفعالات القوية التي يمكن أن تنتج عن الحكايات و الأستعارات البصرية .
ولكن ورغم كل ذلك فإن الأهتمام الرئيسي للعرض أرتكز على العلاقات السردية بين الحكايات الأربع حيث أعتمد العرض تخليق خطوط حكائية متوازية  وتقاطعات بين الحكايات كالتقاطعات بين أثر علاقات الأستغلال الاقتصادي التي يمارسها الرجال ضد النساء والتي شغلت مساحة  كبيرة بالعرض ، أو سرديات الممارسات القمعية و التحقيرية التي تمارس ضد النساء و كيفية التعامل السلبي للنساء مع تلك الممارسات .
أن تلك التقنية التي أنتهجها العرض في تقديم الحكايات عبر التقاطع المستمر بين الحكايات يؤكد - كما سبق أن طرحنا- على رهان العرض الرئيسي بأن تتراجع التصنيفات الطبقية و الفئوية بين النساء لصالح وحدة المعاناة من النظام الذكوري العابر لكافة التقسيمات و التصنيفات الأجتماعية . كما تحطم الإستمرارية الخيوط الحكائية وما يمكن أن تقوم به من تراكم أنفعالي .
بالمجمل فإن العرض ورغم تلك الخشونة الرديكالية التي تمت ممارستها من خلال أغلاق العالم و تحديده برؤية محددة للعلاقات بين الرجال و النساء فإنه حاول تفتيت تلك الخشونة عبر التقنيات النصية و البصرية التي قامت المخرجة "لينا أبيض" بإعتمادها و التي خففت كثيراً حدة الخطاب الذي يقدمه العرض وعنف العالم الذي تقدمه الحكايات التي يتقاطع فيها العنف المنزلي مع ذكريات الحرب الأهلية و الخيانات الزوجية و الموت . 

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...