الأحد، نوفمبر 01، 2015

سلم طالع للشمس .. محاولة أمساك واقع بأكمله


يعود بنا عرض " سلم طالع للشمس" لنادي مسرح قصر ثقافة فرشوط و المخرج أحمد الدالي لشكل مسرحي سبق لتجربة النوادي أن قامت بإستغلاله في عشرات العروض ، حيث تقوم مجموعة المؤدين بتخليق عالم مسرحي قائم على وحدة المشهد الذي يرتبط بما قبله من مشاهد وما بعده من خلال هيمنة مجموعة المؤدين على الفضاء و سيطرتهم عليه من ناحية ووحدة الموضوع الذي يتم تناوله من ناحية أخرى .
ولعل ذلك كان السبب الأساسي  الذي دفع بالمخرج – ومجموعة العمل – إلي أختيار نص سلم طالع للشمس للكاتب ابراهيم الحسيني حيث يوف النص العديد من الإمكانات للمخرج ومجموعة العمل بداية من إعتماده الأساسي على مجموعة المؤدين الذين يقومون بعملية تشكيل المنظر المسرحي و كذلك ما يوفره من قاعدة لبناء فضاء شديد المرونة و القابلية للتحول و التبدل بما يحمي العرض من السقوط في أزمات الإيقاع غير المنضبط و كذلك إتاحته الفرصة أمام الممثل لإستعراض مهارته التمثيلية و أختبارها من خلال التنقل المستمر بين أنماط مختلفة .. لكن أهم ما يقدمه نص إبراهيم الحسيني هو تلك المساحة الواسعة والعابرة لعدد من القضايا التي تشغل الشباب وتؤرقهم مثل "البطالة ، صراع الأجيال، الأزمة الإقتصادية .. الخ " و بالتالي يمكن مبدعي العرض من تقديم كل ما يشغلهم من قضايا و أزمات دون التوقف أو التأمل في ما يربط تلك القضايا أو تحليل عميق لأزمة الواقع الشديد التداخل الذي يجعل من محاولة تحليله أمراً يحتاج لما هو أكثر من المرور السريع و التعليقات العابرة التي تتلاقي مع مشاعر المخرج أو الأزمات اليومية للمتلقي .
بالتأكيد يمكننا أن نجد أثر ذلك المرور السريع و العابر في كل لحظة من لحظات العرض بداية من (الراوي / المعلق )   الذي يصحبنا منذ بداية العرض وحتى نهايته بتعليقاته و ملابسه البيضاء التي تميزه عن بقية المؤدين .. فالرواي / المعلق الذي يتحدي في بداية العرض الصوت - المعلن عن إيقاف العرض و المهدد للمتفرجين-  ينطلق من بين المتفرجين ويدفع العرض المسرحي للإنطلاق .
ولكن ورغم كل ذلك يظل ذلك المعلق الذي قام المخرج بالتأكيد عليه و دعمه طوال العرض بالملابس و الإضاءة و منحه بداية العرض و نهايته ممثلاً لإشكالية في بنية العرض .. فرغم كل عمليات التعريف والتأكيد التي قام بها المخرج أحمد الدالي تظل تلك الشخصية غير واضحة المعالم وغير محددة الدور كذلك .. فهو في لحظة يصبح جزء من العالم الذي يقدمه و في لحظات أخرى يتحول إلي معلق هامشي يمكن التخلص منه دون أضرار بالعرض أو ما يقدمه ، بالتأكيد فإن تأكيد المخرج على حضوره باللون الأبيض في مقابل الرمادي و الأسود لبقية مجموعة المؤدين يفصله و يحدده كصوت نقي واثق وممتلك ليقين و للإمل الحقيقة .. الخ . لكن يظل السؤال حول طبيعة تلك العلاقة التي تربط بين تلك الشخصية  الفضاء سؤال عالق في فضاء العرض دون إجابة .
وعلى ذات المستوي يمكننا أن نجد بالمقابل " المنتظر" الذي يبشر نص العرض بميلاده في بداية العرض ، حيث يرفض العرض تحديده كمختلف بل يقدمه كجزء من عالم رمادي يائس و فاشل في تخطي أزماته طوال الوقت ، بالطبع تجد تلك الرؤية للمخرج مرتكزها في نص العرض من خلال حالة اليائس و القلق و الفشل التي يعاني منها ذلك "المنتظر" طوال الوقت وللتأكيد على رفض العرض لإمكانية ميلاد مخلص ، ولكن حتى تلك الفكرة يتم تجاوزها في العرض من خلال الحركة المسرحية حيث يتناسي المخرج سريعاً حضور تلك الشخصية وأزمتها ويحولها – في معظم الوقت – إلي مجرد عنصر مشارك في تصنيع الصورة المسرحية دون أي عمليات تأكيد .
يمكننا بالتأكيد لمس العديد من الأزمات التي تتعلق بذلك المرور العابر و السريع أمام الكثير من القضايا التي حاول عرض " سلم طالع للشمس" طرحها في إطار نقده للواقع الإجتماعي و السياسي في مصر ، ولكن لعل أبرز ما يمكن أن نتوقف أمامه هو كيفية صياغة المنظر المسرحي .. فالعرض أعتمد على منطوق النص من خلال التأكيد على السلالم الصاعدة لأعلي المسرح و قرص الشمس الذي يوجد في أقصي عمق المسرح إلي يسار المتفرج .. وأخيراً الرحم الذي أختار له المخرج و مصمم الديكور موقع مركزي فوق خشبة المسرح . إن ذلك التشكيل ربما يطرح الكثير من الأسئلة حول العلاقة بين الصورة المسرحية وكيفية تشكيلها و علاقتها بالنص المسرحي ، فالعرض قام بنقل ما يقدمه النص و منطوقه من خلال الصورة المسرحية بحيث تحولت الصورة المسرحية إلي ترجمة بصرية لما يقال في النص وبالتالي أصبح حضورهم في معظم الوقت حملاً على الفضاء ..

في النهاية ورغم كل تلك الملاحظات التي يمكن التوقف أمامها على كافة مستويات العرض و عناصره التشكيلية  فإن المخرج و مجموعة الممثلين يظل يحسب لهم ذلك الجهد الكبير ونجاحهم في الكثير من الوقت في تخليق علاقة مع صالة المتفرجين .

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...