الأربعاء، فبراير 05، 2014

مس جوليا .. بين حضور سترندبرج و محاولات العرض لتجاوزه



يعد نص (ميس جوليا) أحد أبرز نصوص المسرح الأوربي لعدد من الأسباب في مقدمتها بالتأكيد تلك المكانة التي يحتلها مؤلف النص (سترندبرج) كأحد خالقي ما يتوافق عليه النقاد بوصف (المسرح الحديث) ، كما يحتل النص قيمة هامة بالنسبة للدارسين لكونه أحد أفضل النصوص المنتمية لمدرسة المسرح الطبيعي .. ولكن يظل السبب الأهم لتلك القيمة التي يحتلها النص كامناً في الموقف النقدي العميق الذي يتخذه النص من النظام الاجتماعي الأوربي في مفترق تحول أجتماعي عنيف ورصده لتفتت وذوبات الطبقة الأرستقراطية الساقطة في مقابل الصعود القوي للبرجوازية بتناقضاتها وازدواجيتها الممثلة في شخصية (جان).
من هنا يصبح التساؤل حول ما يمكن أن يقدمه عرض (ميس جوليا) لبيت أبو حمص و المخرج (عماد محروس) مشروعاً خصوصاً وأن النص يعد فحسب من كلاسيكات المسرح العالمي ؟
ربما يمكننا التوقف في البداية أمام القضية التي يتعرض لها النص (ومن ثم العرض) وهي قضية الصراع الطبقي بين الطبقة الساقطة والطبقة الصاعدة .. فجان (أحمد فهمي) الخادم القادم من أسفل السلم الإجتماعي يحقق أول خطوات صعوده الطبقي عبر تلك العلاقة الجنسية التي تربطه بإبنة سيده الكونت (مس جوليا/ سلوي أحمد) .. وفي المقابل فإن جوليا تبدأ رحلة سقوطها الطبقي عبر تلك العلاقة .
لقد حاول العرض على المستوي البصري تخليق معادل لذلك الصرع من خلال وحدات الديكور التي قام مصمم الديكور (هاني اللقاني) عبرها بتقديم  حالة  التصدع  والإحتراق التي تصيب منزل الكونت كمرادف لإنهيار ذلك العالم .. وبالمقابل قام بتضخيم حذاء الكونت ليقدم لسلطة ذلك العالم القديم التي لم تنهر بعد ولم تزل تمارس هيمنة لا يستطيع أحد أن يهرب من سلطتها سواء ( جوليا أو جان) .. وإن كان العرض قد حاول من ناحية أخرى أن يفتت من تلك السلطة عبر تجسيد حلم جان بالفندق على الوجه الأخر للحذاء .
ولكن ورغم محاولات العرض لتخليق صورة مسرحية دالة و قادرة على نقل رؤية النص (و موقفه من ذلك الصراع الذي يبدو محسوماً لصالح الطبقة الصاعدة )  فإن العرض أتخم الصورة المسرحية بعدد من الوحدات التشكيلية كالغرفة العلوية التي بدت متناقضة سواء على المستوي التشكيلي مع بقية عناصر المنظر المسرحي .. وهو ما أدي بالمقابل لتشويش الصورة المسرحية وتبديد الكثير من المجهود المبذول لتجسيد رؤية النص ... فتلك الوحدات (الصنبور ، الغرفة العلوية ) شغلت مساحة من الصورة دون أن تضيف للفضاء الدرامي ما يقابل حضورها سوى بعض الإشارات التي كان يمكن التخلي عنها أو أستبدالها كتسيد (جان) للفضاء عبر صعوده للغرفة العلوية .
ولكن أزمة الصورة المسرحية تزداد مع الطبيعة اللونية التي سادت في ملابس الشخصيات لم يحاول العرض التوقف كثيراً أمام العلاقات اللونية إلا في أبسط صورها (التناقض بين الأبيض والأسود) وهو ما لا يتوافق مع مع ما يطرحه النص من إدانه نهائية لمجتمع النص ككل .
إن تلك الأزمة التي تتبدي على مستوي الصورة المسرحية ربما يمكن أن نجد تردد صداها في بقية أرجاء العرض بداية من الإيقاع العام للعرض وكذلك على مستوي الأداء التمثيلي الذي ظل مهتزاً نتيجة محاولة الممثلين الإمساك بكلمات النص ..
إن تلك الإزمات التي يثيرها العرض ربما تنبع من التناقض الأساسي بين واقع المجتمع المصري الذي تهيمن علية رؤى الطبقة البرجوازية للعالم والصراعات الداخلية بين أطرافها المختلفة (التي تتفق في رؤاها المحافظة) وبين نص قادم من عالم صعود تلك الطبقة و تحقيقها لإنتصارها التاريخي على الطبقة الأرتسقراطية ..
إن ذلك التناقض لم يحاول العرض حالة أو طرحه للنقاش بحيث يخلق تأويل جديد أو مخالف لطرح النص بل ظل أسير تلك الرؤية القادمة من زمن (سترندبرج) والتي تسجل لفزع هيمنة تلك الطبقة على المجتمع بقسوتها و عنفها ورؤاها الأخلاقية المتشددة من ناحية وأنتهازيتها وفسادها من ناحية أخرى .
 وبالتالي فإن كافة محاولات  للعرض للخروج من عالم  النص كانت تبدو كزيادات و إضافات غير ذات قيمة حقيقية حتى أن حذف العرض لمشهد دخول الراقصين للمطبخ أثناء ممارسة جان و جوليا الجنس ورغم أسهامه في تكثيف زمن العرض لكنه خلخل من أثر ذلك الحدث المركزي .

ولكن يبقي في النهاية للمخرج وفريق العرض تلك الرغبة الصادقة و الجادة في تقديم أحد أبرز نصوص المسرح العالمي (مس جوليا)

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...