لم
يتعرض كاتب غربي لعمليات إعادة توطين لنصوصه قدر ما تعرض لوركا .. وهو ما يعود في
شق كبير منه لطبيعة عوالمه المسرحية التي ترصد و تحلل لوضعية المرأة داخل
المجتمعات المغلقة بما يجعلها متماسه مع وضعية المرأة في كثير من الأوساط
الإجتماعية في مصر ، من هنا أصبحت نصوصه محل أهتمام من المبدعين الراغبين في نقد
السلطات الهرمية داخل المجتمع المصري التي تقوم بقمع و إلحاق المرأة بسلطة الرجل
.. كما جعل من السهل على المتلقي تقبل
الحدث ودوافع الشخصيات و مصائرها عندما ترتدي الثوب المصري .
لكن
الكثير من عمليات التمصير و التوطين لنصوص لوركا نحت نحو أضافة عناصر ثقافية مصرية
خلال عملية النقل و التوطين للحد الذي أصبح معه من الصعوبه بمكان إيجاد العلاقات
الرابطة بين لوركا والنص المعد .
وربما
لم يبتعد عرض (بتول) (لبيت ثقافة القباري و المخرجة ريهام عبد الرازق) كثيراً عن
ذلك الطريق الذي سلكه العشرات من المسرحيين المصريين.. فيرما تحولت لبتول و تلاقت
أزمة المرأة العاقر في مجتمع لا يرى للمرأة قيمة خارج فعالية رحمها في مجتمع نص (يرما)
مع مجتمع نص (بتول) الذي قام الكاتب فيه بنقل البنية الحكائية للنص من أسبانيا
النصف الأول من القرن العشرين لصعيد مصر .. ولكن عمليه النقل لم تهدف لنقل العالم
الدرامي و الفكري للوركا رغم وجود تماس مع النص الأصلي ،وعليه ربما كان من الطبيعي
أن يتم التغاضي عن حضور نص لوركا لصالح نص عرض بتول (للكاتب شاذلي فرح) ففي
النهاية ربما لا يمكن أن يتلاقي النصين إلا في ذلك الطموح لتقديم رؤية لواقع
المرأة في المجتمعات المغلقة و الهرمية الطابع أو في الخطاب المناهض لقيم
المجتمعات المغلقة التي تدفع نحو إعادة إنتاج المجتمع جيل بعد جيل .
من
هنا كان من الطبيعي يرتكز العرض على محاولة التأكيد على ذلك الطرح المناهض للسلطة
الذكورية من خلال توحيد أزياء الرجال في العرض (فغنام/ أحمد جابر) و(وناس/ إسلام
عوض) يتمثلان في ملابسهما رغم الفوارق التي تفصل بين الشخصيتان .. وهو ما يعني
وجود رؤية خاصة بالعرض ترى أن الرجال في ذلك العالم هم إعادة إنتاج لنفس النموذج
حتى وإن أختلفت الشخصيات وذلك في مقابل التنوع الكبير بالنسبة للشخصيات النسائية
..
ولعل
ما يدعم ذلك التوجه (في التحليل) الحضور القوي للنساء في عالم العرض .. فالنساء في
ذلك العالم متنوعات بين المرأة الولود (سماهر/ علياء أسامة) (الغجرية / زيزي محمود
وبناتها) .. الشقيقات الدميمات (جندية/ شريهان شاذلي ، عسكرية/ بسمة مصطفي) ..
إنهن يمثلن طيف واسع ومتنوع لعالم النساء داخل المجتمع للحد الذي تتحول معه (بتول/
ريهام عبد الرازق) إلي جزء من عالم .. حتى وإن كانت مركزه . وبالتالي فإن ألوان
ملابسهن شديدة التنوع وترتبط في العادة مع طبيعة كل شخصية منهم.
إن
كل ذلك الحضور والتنوع للنساء لا يقابله سوى وجود شخصيتي (وناس و غنام) الذين
يدورون في فلك الشخصية الرئيسة (بتول) ... وهو ما يؤكد على طبيعة خطاب العرض و
توجهاته صوب ماقضة وعي المجتمعات المغلقة عبر الصورة المسرحية .
ويمكن
أن ننتبع ذلك الحضور للخطاب المناهض للخطاب الذكوري عبر الديكور أو الإضاءة التي سعت للتأكيد على وعي الشخصية
الرئيسة بالعالم و التعبير عنه . أو حتى على مستوي الحركة فالرجال محاصرين دائماً بالحركة في فلك بتول
بينما تتحرك كافة الشخصيات النسائية بحرية ودون قيود كبيرة داخل الفضاء .
ولكن
بالمقابل فإن العرض (بالتالي نص العرض) قاما بإعادة إنتاج ذلك الوعي الذكوري
بالعالم عبر تلك الصورة النمطية للمرأة العانس و الدميمة المرفوضة من الرجال وهو
ما يبرز أبتعاد العرض عن نص لوركا و ظهور العناصر الثقافية التي تسللت من المجتمع
المنتج للعرض .
في
النهاية فإن العرض لم ينجح في الخروج من ذلك الأفق المحدود الذي حاصر نفسه فيه رغم
وجود الكثير من المناطق التي كان يمكن له (عبر تنميتها) تجاوز تلك المساحة التي
حاصر نفسه فيها نحو تأمل أكثر عمقاً لوضعية المرأة في المجتمع المغلق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق