الأربعاء، فبراير 05، 2014

يوم من هذا الزمان.. بيت الست فدوى يبتلع العالم


يهوى البعض تقديس النصوص و المحافظة عليها وإعادة إنتاجها المرة تلو المرة دون المساس بكلماتها المقدسة وأفكارها الخالدة والصالحة لكل زمان ومكان، لكن المشكلة الأساسية التي يواجهها هؤلاء هي أن المسرح ليس مكاناً مناسباً للتكرار وإعادة الانتاج ... ففي كل ليلة جديدة يولد عالم جديد بأفق جديد و مخيلة طازجة وأخطاء لم ترتكب من قبل ..
من هنا يبدو من الطبيعي أن نتقبل التعامل الإبداعي مع نص الراحل (سعد الله ونوس) يوم من هذا الزمان   من قبل المخرج محمد البياع وفرقة بيت ثقافة الدلنجات .. حيث قام و الدراماتورج (محمد شعبان ) .. بإعادة صياغة النص عبر العديد من التكنيكات بداية بإعادة صياغة الحوار المكتوب بالفصحى و حصر استخدامها لصالح بطلي العرض (محمد مبروك ، محمود إسحاق) ، وكذلك إعادة تشكيل النص و التدخل بالحذف و الإضافة و النقل ، وأخيراً إعادة صياغة الفضاء المسرحي المتخيل في النص والاكتفاء بمكان وحيد ربما يشير إلي منزل الست (فدوى / شيماء ربيع)  في إشارة لذوبان الحي و المدينة في عالم الست فدوى .. أو إحاطة ومحاصرة ذلك العالم لشخصية (فاروق/المؤلف) وإن ظلت الطبيعة اللونية التي أنحاز إليها مصمم الديكور (محمد النجار)  -والعرض بالضرورة – غير قادرة تقديم معني أبعد أو أكثر عمقاً بل على العكس حاول العرض التأكيد على تكرار نموذج النساء العاريات كما لو كان يستشعر وجود الشرح و التأكيد وإعادة التأكيد المرة تلو المرة .
وبالمقابل قام العرض بدمج شخصية الراوي و فاروق (على الأقل بصرياً) بحيث اصبح فاروق مجرد تشظي أو إعادة صياغة لماضي المؤلف و عقله أو صورته عن ذاته .. الخ.
إن كافة تلك المحاولات التي قام بها فريق العرض لزحزحة الإطار الحكائي القائم على تتابع المشاهد و العلاقات الزمنية و المكانية المنضبطة و المتراتبة درامياً و منطقياً بالنص الأصلي ربما كانت هي الرهان الأهم بالنسبة للعرض لتحقيق مساحة إضافية من الحرية في تشكيل الفضاء و العلاقات  ، لكن المشكلة الأساسية التي يمكننا التوقف عندها بعد كل ذلك تظل قابعة  في ما أدت إليه عمليات الحذف والإضافة و إعادة التشكيل التي قام بها فريق العمل خاصة أن العرض ربما لم يمتلك طرح أكثر بعداً عن النص الأصلي أو مناهض له .
ولعل أول ما يمكننا التوقف عنده هو ما تطرحه عملية الدمج بين الراوي/ المؤلف  في نص ونوس وشخصية فاروق .. فبعيداً عما تطرحه شخصية المؤلف الإشكالية و التي طالما مثلت مدخل للعبث (أو التدخل الإبداعي) عند التعرض لذلك النص ، فإن العرض يقوم بتفتيت أزمته الأساسية عبر تفتيت عمليات تفسخ المجتمع وتأكله عبر تحويل الأزمة لأزمة وجودية لشخص يعاني من اكتشافه للعالم بل ويصل الأمر في بعض الأحيان لاستخدام تقنيات ميلودرامية أو إصدار أحكام أخلاقية .. الخ.
إن دمج الشخصيتان وبالتالي تقسيم شخصية فاروق بين ممثلين أدي بالضرورة لسيادة تلك العلاقة الجديدة على العرض دون إضافة حقيقية تزيد عن البكائيات التي ينطق بها  (الراوي/ المؤلف) وبعض الجمل المبتسرة لأزمة العرض في أزمة أخلاقية للمجتمع و أزمة وجودية بالنسبة للبطل.
ربما لم يهدف العرض لذلك خاصة أنه قام بالتأكيد على حضور صورة الديكتاتور والدولة البوليسية عبر تلك صورة ذلك الوجه الخالي من الملامح التي تحتل مكاناً مميزاً في فضاء المسرح.. لكن تقنية الشظية وتقسيم الشخصية في مجموعة أدوار (المؤلف/ فاروق) كان يسير في اتجاه لا يرتبط بطرح العرض.
من ناحية أخرى فإن ذلك الفصل اللغوي بين الشخصية الرئيسية وبقية الشخصيات ربما كان يقدم لانفصالها ومفارقتها لواقعها وبالتالي تبرير غفلتها عما يدور في مجتمعها و صدمتها اكتشافها أن ما تراه قمة الفساد والانحلال و التفسخ قد وصل لعقر داره بل وإلي رابطة عنقه ذاتها .. ولعل ذلك مما يحسب للعرض حتى وإن فقد العرض تلك البوصلة في بعض الأحيان نتيجة التداخل بين شخصية المؤلف و شخصية فاروق.

كذلك كان الأداء التمثيلي أحد أبرز العناصر المميزة بالعرض وإن نحى ممثلي الأدوار الرئيسية (المؤلف وفاروق) في بعض الأحيان نحو الاستغراق في البكائيات و الانفجارات العاطفية  التي قام المعد (أو الدراماتورج) بإضافتها .

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...