يعيد
عرض (العرض) لفرقة بيت ثقافة بور فؤاد و المخرج عمرو عجمي إثارة الكثير من الأسئلة
التي تدولها الوسط المسرحي و الثقافي خلال السنوات القليلة الماضية بداية بمدي
قدرة الفن على ملاحقة الواقع المتسارع الخطى و هل يمكن للفن أن يمتلك المهارة
الكافية لمطاردة الوقائع و تحليلها و تصنيفها و إطلاق الأحكام و التورط كعنصر
دعائي لسياسات على حساب سياسات .. أم أن الفن (وبخاصة المسرح) يجب عليه أن يتمسك
بمفارقته للوقائع و الاعتصام بذلك الدور الأرسطي الذي يجعل من تأمل التاريخ و التعبير
عن الحقيقة الكلية (أو العامة) لا التوقف أمام الوقائع و سردها و استخلاص تصورات
عامة وتبني خطاب يعبر عن مصالح لفئات أو طبقة أو شرائح اجتماعية محدودة ومؤقتة .
وهل
من حق أحد فرض وصاية أو معايير لما يجب أن يعالجه المبدعين.. أو تحديد أي خطاب يجب
على المبدعين تبنيه.. خاصة أن أي محاولة لفرض الوصاية النقدية أو الرقابية لن تؤدي إلا لدعم القمع و محاصرة الحق في
التعبير تحت مسميات مختلفة
إن
عدد الأسئلة التي يمكن للمتفرج المحترف أن يطرحها على العرض وعلى نفسه تتكاثر مع
مدي زمن العرض و مع زيادة التناقضات و الوقائع التي يحاول تطويعها وفقاً لرؤيته
الخاصة للعالم.
فمنذ
بداية العرض يجد المتفرج نفسه أمام تأويل بسيط ومباشر قائم على استعارات هشة يدفع
العرض طوال الوقت نحو محاصرة تأويلتها ودفع المتلقي - بطرق فجة أحياناً- إلي تبني تفسيرات بعينها .. فالوطن هو السيرك،
والمهرجين هم المواطنين الثائرين على مص دمائهم ومنعهم من نيل حرياتهم وحقوقهم من
قبل سيدة السيرك (نظام مبارك)، و تحل قيادة الجيش في صورة مدرب الأسود.. و وهناك
ممثلين للإخوان المسلمين و الشرطة.. الخ
وعبر
تلك القسيمة المعقدة يحاول العرض لملمة شتات القوى المتنازعة على تشكيل واقع
ومستقبل تلك البلاد وتجسيدها و أطلاق خطاب يدافع عن حق الشعب في حيازة حريته
وتقديم العرض المؤجل بشكل دائم من قبل السلطات التي تتوالي عليه في سردية تاريخية
تمر بمراحل الثورة المختلفة في لغة غنائية و محاورات كوميدية و مونولوجات مقسمة
بين جوقة المهرجين.. الخ ورقص وغناء وتشكيل للفضاء بأجساد المؤدين و قطع الديكور
التي يتم جمعها و تفكيها طوال الوقت.. حتى
نصل في النهاية للحظة الفوضى التي يري العرض أنها تضرب في جذور المجتمع لينتهي
العرض بصورة انتزاع مدرب الأسود لرداء الملك .
كل
ما سبق يمكن تقبله و تأمله كطرح سياسي ودعائي لعرض مسرحي منحاز للثورة ومؤيد
لمطالبها الأساسية الهادفة لهدم الدولة القديمة وبناء دولة جديدة قوامها الحرية و
عدالة التوزيع ويصبح التساؤل بالتالي هل نجح العرض في تدعيم وجهة النظر تلك و
تقديمها عبر الوسيط المسرحي بشكل فني أم أن ذلك الطرح السياسي حول الواقع الملتبس
أضعف من (فنية) العرض أو العكس .
ربما
تكمن الإجابة على ذلك السؤال في جنوح نص العرض نحو الغنائية وظهور نتؤات في جسد
العرض كمشهد الست غالية التي تقدم لوصفة طهي مليئة بالحديث عن الأسلحة ..أو في تلك
الجمل التفسيرية التي يقوم بإلقائها مدرب الأسود مثل (كلما سمعت كلمة حدود شعرت
بغزة في قلبي) وما شابه .
إن
المسرح يتراجع أمام تلك المظاهر .. فالخطاب الشاعري و الموجه للجمهور (في معظمه) من
قبل جوقة المهرجين يعكس عدم قدرة الفرضية الدرامية على استيعاب ذلك الطرح الذي
تقدمه تلك المونولوجات (مثل المونولوجات التي تبزغ لحظة سقوط شجرة ما تظهر من
العدم لتكون مرتكز فطلاق مونولوجات تعبر عن توجهات شخصيات (أو مواقف) قبلما تختفي
في العدم من جديد.
كذلك
فإن العرض يلجأ لكثير من الحيل الخارجة عن منطقه لاستكمال طرحه لمقولاته السياسية
مثل الراقصة المرتدية للون الأبيض و التي خصص لها موقع متميز في أعلى مستوي على
خشبة المسرح .. دون دور أو وظيفة متسقة أو حتى ظهور ذا طابع تكراري (أو شرطي) يؤكد
أو ينفي شيء ما بالعرض.
بالتأكيد
يمكن الدفاع عن عمليات التكديس للوقائع و الأفكار على المستوي الفكري (بل و
التعاطف معها أيضاً) لكن حقيقة عدم قدرة العرض (فنياً أو جمالياً) تحمل كل تلك
الأفكار و الآراء التي يطرحها تظل واقعاً يشير بشكل واضح إلي عدم قدرة عرض (العرض)
على استيعاب ما يحاول طرحه بشكل جمالي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق