ربما يكون أول ما يمكن أن يثير الأهتمام في عرض
(12 رجلاً غاضباً) - الذي قدم في إطار المهرجان الختامي لفرق القصور هذا العام من
قبل فرقة قصر التذوق عرض (12 رجلاً غاضباً) ومخرج سعيد قابيل- هو حالة التوازن والإنضباط التي تسود العرض و
التي تستمد حيويتها من عدة مصادر لعل أولها و أكثرها حضوراً بالعرض هو طبيعة النص
القائمة على عملية تكشف لوقائع جريمة قتل من خلال الصراع بين أعضاء لجنة محالفين
أمريكية حول تقرير الحكم على شاب في التاسعة عشر متهماً بقتل والده وما يرتبط بذلك
من طبيعة بوليسية تسود العمل وتهبه الكثير الحيوية وتساعد عبر تصاعد الصراع و
التحولات المستمرة والقوية في مواقف الشخصيات في ضبط أيقاع العرض وشد أنتباه
المتفرج طوال الوقت لمتابعة العمل برغم المشاكل الصوت التقنية التي أثرت بالسلب
على العرض... ولعل محاولة المخرج تقليل أبراز حضوره طوال الوقت عبر تحييد الكثير
من عناصر الصورة وتثبيتها مثل الطبيعة اللونية السائدة بالملابس والديكور (للمصمم
وليد جابر) والتي يسودها ألوان قاتمة (البني بدرجاته بشكل أساسي) وهو جعل من حضور
الديكور (الواقعي التصميم لحد ما) شديد الخفوت مع غياب أي سمات تشكيلية أو لونية
جاذبة للعين أو مشيرة لدور للفضاء المكاني في تشكيل المعني.
ولكن يبقي الدور الأساسي الذي قام به المخرج
(سعيد قابيل) في تشكيل الأداء التمثيلي و الحركة المسرحية هو الدور الأكثر بروزاً
وحضوراً في عملية بناء العرض حيث أستطاع المخرج المحافظة على أيقاع منضبط و متصاعد
للعرض و تشكيل الأجواء النفسية المهيمنة عبر أداء الممثلين وعبر عملية توزيع
الممثلين وتشكيل الحركة المسرحية برغم الوضع الإستاتيكي لنص العرض على مستوي عملية
تشكيل الفضاء حيث أستطاع نقل حالة الصراع و التحولات في مواقف الشخصيات التي لا
تجد – بنص العرض- سوى الحوار كعنصر أساسي في نقل المعلومات و تصعيد الصراع ..
فبرغم قلة الإمكانات المتاحة للمخرج في تشكيل الفضاء المسرحي (والتي ساهم مع مصمم
الديكور في تقليصها كما سبقت الإشارة) أستطاع عبر متتالية بسيطة (الجلوس إلي طاولة
الإجتماع والتحرك في محيطها) تخليق تشكيل حيوي و متجدد للفضاء المسرحي .. ولعل
أفضل مثال على ذلك هو عمليات بناء العلاقة بين الكتل الخطابية المتصارعة بالنص حيث
تتم عملية إعادة بناء دائمة و مستمرة للعلاقة بين تلك الكتل وحجم كل منها بشكل
مستمر في تشكيل يتدرج من فرد في مقابل المجموع ونهاية بفرد في مواجهة المجموعة وهو
ما ساهم في تحويل الصراع بين الخطابات داخل النص لصراع بصري متصاعد ومتطور ..
وعلى ذات المستوي أستطاع المخرج ومجموعة الممثلين
الحفاظ على حالة أدائية متدفقة و مليئة بالإنفعالات المتناقضة و المتصاعدة طوال
الوقت ودون شذوذ أو تناقض مخل بالطبيعة الإيقاعية السريعة و المتدفقة للعرض مع
الحفاظ على تمايز الشخصيات على المستوي النفسي و الجسدي الخاص بكل منهم بشكل مستمر
وبدون خلل .
ربما ما كان ليتحقق كل ذلك لولا قدرة المخرج و مجموعة العمل الكبيرة (أحمد السعيد – محمد جابر- مصطفي الفقي – عصام عمر – إسلام محمود – عادل سعيد – إسلام صلاح – سعيد قابيل – إيهاب مصطفي- مسعد سالم – وصال عبد العزيز – على المصري – كريم عبد العظيم – محمد الهواري) على تخليق تنوع بارز على المستوي النفسي والجسدي لكل شخصية برغم المخاطر المحدقة بذلك نتيجة تقارب الأزياء وسرعة وقصر الجمل الحوارية التي تتدافع في عنف وسرعة.
ربما ما كان ليتحقق كل ذلك لولا قدرة المخرج و مجموعة العمل الكبيرة (أحمد السعيد – محمد جابر- مصطفي الفقي – عصام عمر – إسلام محمود – عادل سعيد – إسلام صلاح – سعيد قابيل – إيهاب مصطفي- مسعد سالم – وصال عبد العزيز – على المصري – كريم عبد العظيم – محمد الهواري) على تخليق تنوع بارز على المستوي النفسي والجسدي لكل شخصية برغم المخاطر المحدقة بذلك نتيجة تقارب الأزياء وسرعة وقصر الجمل الحوارية التي تتدافع في عنف وسرعة.
ولكن ورغم كل ذلك ربما لم يكن للعرض من طموح
حقيقي للخروج من بنية الحكاية التي تقدم لمناقشة أكثر عمقاً عبر التعليق أو
التوقيف أو التحديد الهادف لبناء علاقة أكثر عمقاً مع خطاب العرض .. إلا في لحظات
قليلة ونادرة ربما لم يتم تفعيلها أو الإستفادة منها لعل أولها هو ذلك التحديد
القوي عبر تغيير وضعية الإضاءة من الإنارة للمشهد لتخليق لحظات ضوئية محددة للحظات
التجابه بين الفرد و المجموع .. حيث أكد المخرج ومصمم الإضاءة (أحمد على) على تلك
اللحظات العابره في عمر العرض من خلال الإضاءة مرتين الأولي في بداية العرض عندما
قامت الشخصية التي يؤديها (سعيد قابيل) بالإعتراض على أجماع المحلفين بأقرار ذنب
المتهم .. والمرة الثانية في نهاية العرض عند أنقلاب الوضع وتحول الموقف إلي
النقيض مع وقوف الشخصية التي يؤديها (أحمد السعيد) في مواجهة أجماع المحلفين على
براءة المتهم.
المرة الثانية التي أهتم العرض بتخليق عمليات
تحديد كان في تأكيد وضعية الصراع بين الأب والأبن عبر التأكيدات الإخراجية و
الأدائية من قبل (أحمد السعيد) ..
بالتأكيد يمكن أن نجد العديد من عمليات التأكيد الأخرى مثل التأكيد على كلمات مثل (شك مشروع... يترأى .. الخ).
بالتأكيد يمكن أن نجد العديد من عمليات التأكيد الأخرى مثل التأكيد على كلمات مثل (شك مشروع... يترأى .. الخ).
ولكن ورغم كل ذلك فإن العرض لم يقم بتنمية أياً
من تلك المساحات والأفكار لتصير موضوع تحليل حقيقي عبر التحاور البصري مع النص على
الأقل تحرير تلك الأفكار وتدعيمها .
لذلك كله ربما يكون عرض (12 رجلاً غاضبا) نموذج
مثالي للعرض الذي يلزم نفسه بتحقيق متعة مسرحية عبر الأداء وأنضباط عناصر العرض
وخفوت حضورها في مقابل حضور الحكاية النصية ... حتى لو كان ذلك على حساب حضور حالة
محاورة حقيقة مع عقل المتلقي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق