لعل عرض أنتيجون للمخرج و المعد أحمد عبد السميع و فرقة
نادي مسرح قصر ثقافة المنصورة يطرح العديد من الأسئلة في مقدمتها بالتأكيد التساؤل حول الأسباب التي تدفع بمخرج للعودة
إلي أسطورة يونانية قديمة تمت معالجتها المرة تلو المرة منذ زمن سوفوكليس و حتى
اليوم .. هل هناك ما يصلح في تلك الأسطورة القديمة - التي تتناول قصة فتاة تتحدي
قرار خالها الملك (كريون) كي ما تحقق لروح أخيها الراحة و تنفذ قانون السماء -
لواقع المتلقي في مصر في تلك اللحظات الملغزة والمزعجة من تاريخها ؟ وهل يمكن أن
يكون لذلك الصراع القديم قدرة على أيجاد موقع قدم له في واقعنا ؟
ربما كانت سبل إيجاد أجابات على تلك الأسئلة تكمن بشكل
أساسي في إعادة الصياغة الدرامية للأسطورة اليونانية التي قدمها المخرج و المعد (أحمد عبد السميع)
والتي تقوم على إعادة ترتيب العلاقات الحاكمة للحكاية و إعادة توزيع الأدوار بحيث
تنتفي تلك الميزة التاريخية لأنتيجون في معالجتها المسرحية الشهيرة والمتمثلة في
ذلك منطق الصراع المتوازن و الذي يجعل لكل من كريون و أنتيجون منطق شديد القوة و
الحضور .. حيث أنتزع العرض عن كريون تلك
الميزة و قام بتصنيفه كطامع في السلطة و متأمر مع كبير الكهنة (تريزياس) وبالتالي
تحويل الصراع من صراع بين أمتثال للعدالة البشرية والقانون الإلهي ليصبح الصراع
بين سلطة القمع وبين داعية للحرية .. ولتتحول أنتيجون لمناضلة ضد السلطة القمعية
لكريون ..ولينتهي العرض معركة بين هيمون الأبن المؤمن بقيم الحرية و الحب و
تريزياس ممثل القمع و السلطة الكاذبة و الخادعة .. معركة تنتهي بمقتل تريزياس و
أنتحار هيمون كعقاب للأب القاتل و الطامع !
ربما يكون من غير الممكن التحرر بسهولة من ذلك الحضور
القوي للمعالجة التي يقدمها العرض للأسطورة و التي تلقي بها في قلب واقع يحيا فوق
معارك يومية بين سلطات اليمين الديني و المحافظة أو بين تلك السلطات و قوي التحرر
التي تعاني منذ سنوات من فشل و هزائم تدفعه يوم بعد يوم إلي التأكل و السقوط في
هوة التمزق بين دعم قوي هو يرفضها و يناهضها و بين أنسحاب من المشهد و التخلى عن
كافة المكتسبات التي تحققت خلال السنوات السابقة .
ربما لم يهتم العرض على مستوي الصورة بالعمل بشكل متحرر
مع الأسطورة كما حدث على مستوي النص .. حيث مال العرض بشكل مباشر نحو إستدعاء طرز
متلائمة تاريخياً مع زمن الحكاية سواء على مستوي الديكور أو على مستوي الملابس ..
وهو ما جمد العرض وأثر عليه بالسلب .. وهو ما يعود بشكل ما إلي الشكل الدرامي الذي
أختاره المخرج لمعالجته و الذي حاول بناء الدراما بشكل تقليدي و تتبع المعالجات
المسرحية الكبيرة في نزوعها التراجيدي . فجاء العرض ممزقاً بين عالم يحاول العرض
ملامسته عبر تحوير الحكاية الأسطورية و معالجة لم تنجح في تجاوز الأساليب التاريخية
في التعامل مع الأسطورة .. وبالتالي لم ينجح العرض في التخلص من أنتيجون اليونانية
أو أنتاج أنتيجون الخاصة به المنتمية للواقع الذي يرغب في معالجته أو الإشارة إليه
على الأقل.
ولعل ذلك يمكن أن نراه متجسداً في كافة عناصر العرض
بداية من الإضاءة التي مالت في معظم
الأحيان إلي أن تقوم بوظائف الإنارة العامة للمشهد عدا لحظات محدودة مثل أحلام
أنتيجون بأخويها أو أبيها .. وإن كان ذلك يظل مرتبطاً بالضرورة بطبيعة المعالجة
الدرامية و العلاقات بين المشاهد و كيفية معالجة المخرج لتلك المشاهد على مستوي
الصورة .. حيث ظلت الكلمات هي الرهان الوحيد للعرض .. وبالتالي صارت كافة العناصر
تابعة و غير ممتلكة لقدرة على تصنيع جمالياتها أو المشاركة في بناء الخطاب ..
فأصبحت الإضاءة لا تهتم سوى بالإنارة ... وأصبحت الحركة المسرحية محدودة وغير
مؤثرة في بناء أفكار العرض إلا في أضيق الحدود .. حتى أن الرقصة الطقسية التي تقوم
بها الأختان (أنتيجون وأسميني) كان أشبه بالحمل الزائد الذي يهدف العرض للتخلص منه
دون أن تكون له قيمة حقيقية في بناء عالم العرض .. وهو ما يمكن أن ينتسحب التالي
على الأداء التمثيلي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق