ما هي الفرق القومية ؟ أو بالتحديد ما هو الدور الذي
تقوم به داخل الحركة المسرحية المصرية بشكل عام (وداخل منظومة مسرح الأقاليم بشكل
خاص) ؟
ربما تبدو الإجابة على تلك الأسئلة سهلة وبديهية
للكثيرين .. فعلى الرغم من تنوع الإجابات وتعددها إلا أن جميع من ينتمي لمشروع مسرح الأقاليم –
بشكل أو بأخر- يمتلك أجابته الخاصة التي ترتبط في العادة إما بالشكل والمستوي
الأنتاجي المتميز للقوميات أو تكوين تلك الفرق و طبيعة العلاقات الحاكمة لها ، أو
– وهو ما يهمنا هنا – بالهوية الفنية
المفترضة للفرق القومية .
وبالتالي فمن الطبيعيى أن ينظر البعض للقوميات على أنها
المستوي الأكثر أحترافية داخل منظومة الثقافة الجماهيرية ، ومستقر لكبار فناني
الفرع الثقافي الأكثر خبرة و الأطول تجربة.. وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يشترط
البعض في مخرج القوميات أن يكون من كبار مخرجي الثقافة الجماهيرية الذين شهد لهم
بالرسوخ و الجدارة في المستويات الإنتاجية (الأدني) وأهلتهم تجربتهم الطويلة و
خبراتهم العميقة ليتحملوا مسئولية تقديم العرض الأكبر و الأهم على مستوي المحافظة
والذي يعبر عن الوضع الفني للظاهرة المسرحية داخل الفرع الثقافي .
بالطبع يبدو ذلك الخطاب تقليدياً و متعامياً عن كثير من
المشاكل المتراكمة بالقوميات و التي أدت لتحجر الكثير منها وتحولها إلي فرق تعيد
إنتاج ذاتها المرة تلو المرة دون أي تطوير لأدواتها أو عناصرها الفنية ، وهو ما
أصبح ينسحب بالتالي على الكثير من مخرج القوميات عدا بعض الأسماء القليلة التي
أستطاعت أن تحفر لنفسها أسلوب و شكل فني متميز
وبالتالي أصبح من الطبيعي أن ينعكس كل تلك المشكلات وما
صاحبها من تدهورعلى هوية الفرق القومية التي يجادل البعض بأن دورها الاساسي يتمثل في
التعبير عن واقع وثقافة و مشاكل المجتمع المحلى داخل المحافظة .. وبالتأكيد فإن
ذلك الدور يتضمن التعبير عن الحالة المسرحية بالمحافظة التي تنتمي إليها الفرقة
القومية .. فيصبح من الطبيعي أن تقدم الفرقة في تلك الحالة نصوص للمؤلفين المحليين
تماماً كما هو الحال بالنسبة لمعظم عناصر العرض المسرحي .. وأن تهتم عروض القوميات
بأستخدام التراث الأدائي و الفني الخاص بالمحافظة وأن تناقش القضايا المؤرقة
للمجتمع المحلي سواء أكانت قضايا أجتماعية خاصة بطبيعة المجتمعات المحلية ، أم
قضايا متعلقة بالعلاقة مع الدولة المصرية أو المركز القاهري .. الخ
بالطبع أثرت المشاكل التاريخية و المتراكمة على القوميات
وجعلت منها كيان مترهل وغير قادر على القيام بتلك الأدوار يفترض القيام بها
ولكن لنحاول أن نقترب من عروض حاولت بشكل جاد ان تصل
لحدود التطابق مع الدور الإيجابي لفرق القوميات وأن تقوم بالإستفادة القصوي من
التراث الأدائي و الثقافي الخاص بالمجتمعات المحلية بالمحافظات التي تنتمي إليها
لنرى مدى قدرة فرق القوميات على تجاوز المشكلات التي تعاني منها .. وهنا يبرز عرضي
(الكنز الضائع- قومية مطروح) للمخرج فوزي سراج و عرض (كلام البحر- قومية
الأسكندرية) للمخرج محمد الزيني ..
يمتاز العرضين بأنهما يحاولان الإقتراب من الطبيعة الثقافية المميزة للمحافظتي الاسكندرية
و مرسى مطروح .. فنجد أن عرض (كلام البحر)
للكاتب المسرحي (سامح عثمان) يدور حول قيام حارس الفنار بالأسكندرية بإطفاء
ضوءه حزناً على غرق الشباب في البحر وهم
في طريقهم للهجرة غير الشرعية .. ومن ثم تدور أحداث المسرحية حول محاولة
إقناعه من قبل عروس البحر و شخصيات أخرى بالعدول عن موقفه .. ليتراوح العرض منذ
تلك اللحظة وحتى نهايته بين الغناء و المشاهد السريعة و الوثائقية الطابع التي
ترصد لأهم الشخصيات السكندرية المؤثرة ثقافياً وفنياً مثل عبد الله النديم و سيد
درويش ومحمد بيومي .. الخ ليتحول العرض بالتدريج إلي أحتفالية غنائية تحتفي
بالأسكندرية ومثقفيها وفنانيها ودورهم التنويري في تاريخ مصر .. لينتهي العرض
بموافقة الحارس على إعادة إنارة فناره وسط أجواء أحتفالية وغناء و رقص.. الخ
إما عرض الكنز الضائع فيبدوأكثر بساطة وطفولية حيث يدور
حول شاب متعلم ينتمي لمرسي مطروح يحاول مع مجموعة من أصدقاءه المهندسين البحث عن الكنز
الضائع (الماء القابع تحت صحراء مطروح) .. وبالطبع فإن نص الكاتب (أحمد رسلان)
يحوى قص حب بين ذلك الشاب وفتاة تمنعهما العادات و التقاليد من الزواج .. لكن
الظروف تنقلب لصالحه بعد أن يسيئ منافسه في الحب موضوع الكنز الضائع لتنتهي حياته
بإنفجار قنبلة (أو لغم) فيه أثناء حفره بحثاً عن الكنز الضائع بمساعدة مجموعة من
المحتالين .. الخ.
وينتهي العرض أيضاً بأحتفال صاخب قائم على تقديم فرح
بدوي تقليدي يستغرق ما يقرب من ربع الساعة !
وكما يبدو فإن العرضين يمتازان بأنهما عروض أحتفالية
خفيفية وضعيفة درامياً لا تهتم ببناء مشاهد درامية أو علاقات أو تشكيل شخصيات
درامية ، وبالمقابل فإنهما يراهنان على تحقيق حالة الفرجة عبر الرقص و الغناء و
المشاهد الكوميدية البسيطة البناء .
ولكن لنترك المستوي الفني للنصوص جانباً ولنحاول أن نرى
مدي ملائمة تلك العروض للتصورات الأساسية التي تحدثنا عنها بالنسبة لهوية الفرق
القومية .
العرضان يمتازان بأنهما يعتمدان على نصوص لكتاب محليين ،
وكما يمتازان بأنهما يحاولان الأقتراب من التراث الثقافي المميز للمحافظات التي
ينتمون إليها ، وأخيراً يمكن أن نرى بوضوح تجلى للهوية المحلية في العرضين .
فما الذي جعلهما يتركان كل تلك المميزات التي يمتلكانها
ويتخلون عنها بهذه البساطة لصالح عمليات مراوغة من الإصطدام بأي مشكلات حقيقية
تعاني منها محافظتي الأسكندرية و مرسي مطروح .. والاكتفاء بالإحتفال و الرقص
والغناء وأستعراض سياحي للمعالم المميزة للمحافظة .
هل يمكن أن يكون لطبيعة تكوين الفرقة و طبيعة أنتاجها
(ومصادره) دور في خروج العرضين بهذا الشكل المسطح و الدعائي .. خصوصاً أننا من
الممكن أن نجد لسامح عثمان نصوص أكثر عمقاً و أكثر ملامسة لواقع المدينة و أزماتها
وعلاقات السلطة .. قدمها من خلال نوادي المسرح .
إذا كان الأمر كذلك فبالتأكيد فإن من المنطقي تفهم هروب
قومية مطروح من مناقشة القضايا المتعلقة بطبيعة العلاقة التي تربط بين سكان
المنطقة من القبائل العربية و أهل الوادي (الدولة المصرية) وعمليات التهميش لسكان
المحافظة ، وعمليات التنميط المتبادلة و شيوع هيمنة تيارات دينية متشدده بين أبناء
المحافظة ... ثم الأكتفاء بأختصار كل تلك العلاقات المتوترة في دراما يتعاون فيها
شاب مطروحي مع مهندسين من أهل الوادي وتقديم عرض ذا طبيعة سياحية يستهدف التعرف
الثقافة و الأحتفالات الشعبية في المحافظة.
بالتأكيد لا يمكن تحميل الفرق و نظام الأنتاج كل
المسئولية هنا ، فصناع العرضين يتحملان جزء أساسي من المسئولية لكن التشابه المزعج
و الأخطاء ذات الطبيعة المتكرره ربما تدفع للتساؤل عن القوى الحاكمة التي تجعل من
تكرار الأخطاء ممكناً .. ليخرج العرضان غير قادرين على ملامسة المشاكل الحقيقية
التي تعاني منها المجتمعات المحلية في كل من الأسكندرية و مطروح ، بل وحتى تسطيح
تلك القضايا و عدم مناقشتها بالعمق الكافي كما نجد في عرض (الكنز الضائع) الذي
يقوم بتجاهل دور الدولة في تنمية محافظة مرسى مطروح و عدم الأهتمام للحد الذي يصل
بها لأن تكون محافظة تعاني من أزمة مياة في حين أنها تحتوي تحت سطحها على الماء
كما يجادل العرض .
بالتأكيد يمكننا هنا المجادلة بأننا عند مشاهدة العرضين
نصبح في مواجهة حضور لخطاب السلطة القمعي الذي يرفض أي ملامسة لقضايا اجتماعية أو
سياسية أو جغرافية أو علاقات بين المركز القاهري و الأطراف المهمشة ، وبالتأكيد
فإن ذلك الخطاب قد وجد طريقه عبر سلاسل من مواقع حضور السلطة بداية بتشكيل الفرق
الهرمي مروراً بحضور الدولة في الإنتاج وصولاً لتخلي المبدعين عن أدوارهم الحقيقية
و تقبلهم للدخول داخل ماكينة السلطة (بتجليتها الأجتماعية ، الأقتصادية ،
السياسية) ليتحول العرضين إلي أحتفاليات و خاسرين أهم ما يميز المسرح وهو الجدية
والشجاعة والجمال.
وبالتالي يصح الحديث عن أهمية مراجعة هوية ومشروع
القوميات من الأمور الطبيعية إذا ما أردنا لها أن تخرج من حدود إعادة أنتاج الصورة
النمطية التي ينتجها المركز للأطراف و التي تتحقق إما عبر عروض تحاكي عروض القاهرة
أو عروض أحتفالية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق