في إطار المهرجان العربي الذي تقيمه جمعية هواة المسرح قدمت فرقة مصر المسرحية عرض (حكاوي/خيوط بيضاء) المعتمد على عدد من المصادر يأتي في مقدتها نص تنويعات على حكاية شعبية للكاتب حسن أحمد حسن وإلي جانبه مقاطع شعرية لنزار قباني و مقاطع غنائية وذلك في إطار إعادة صياغة قام بها المخرج أحمد رجائي.
و
العرض بشكل عام قائم على مناقشة وضعية المرأة في المجتمعات المغلقة و شبكة
العلاقات المعقدة التي تحول الرجل و المرأة إلي ضحايا للنظام الأبوي الصارم القائم
على التراث والذي ينمط المرأة لصالح مجموعة من الأدوار (الشيطان/ الخائنة /
التابعة.. الخ).
ولتحقيق
ذلك أعتمد العرض على مجموعة من التقنيات الأدائية و الكتابية .. فعلى مستوي الأداء
قام المخرج (أحمد رجائي) تحديد ممثلة واحد (سوزان مدحت) لتقوم بدوري الأم و الزوجة
وداد وهو ما حقق للعرض مستوي تأويلي ربما يجنح به في بعض الأحيان بعيداً عن الهدف
الأساسي له .. فالأم حاملة الموروث الحكائي و الأمثال و التي تقوم بزراعة
الشك في قلب إبنها صالح (محمد متولي) و
تحاول إعادة أحياء صورة الأب فيه (وهي السمة التي حرص العرض على إبرازها ) تتحد مع
شخصية الزوجة المطيعة و المحبة التي لا تستطيع تفهم حالة النفور و الشك التي يعاملها بها زوجها في
مقابل شعورها بالتعاطف مع زوجة صديقه التي
يقتلها زوجها عند اكتشافه لخيانتها .
وفي
مقابل عملية الدمج تلك توجد عملية دمج مقابلة حيث تتوحد صوت الأب القادم من الماضي
مع شخصية صالح.
يطفو
على سطح العرض نتيجة لذلك تفسير فرويدي يطرح نفسه بقوه و يؤسس له العرض من خلال
مجموعة العلامات البصرية (علاقة الأم و الابن/ الأم و الأب/ الابن والزوجة)بما
يطرح بوضوح ملامح بارزة لعقدة أوديب وما يرتبط بها من علاقات (حب وكراهية) فالأم
تريد تملك الابن و الابن يريد تملك الأم في صورة الأب تارة وفي صورة الزوجة تارة
.. الخ.و مشاعر الذنب و الكراهية تتجلى في الخطاب المناهض للمرأة الذي تطرحه
شخصيتي الأم و الأب.. الخ .
إن
ذلك التفسير البسيط و البارز الذي يتحرك العرض نحوه ربما يبدو مناهضاً و مضاداً للطرح
النسوي في بعض الأحيان .. و الذي يتجسد في شخصية الروح (لمياء مسعد) و التي تمثل
تجلى أخر لشخصية الزوجة (وداد) ولكنها تجسد وجهها القوي المتخلص من حالة الصورة
النمطية للأنثى الذي يؤكد عليه المخرج في شخصية وداد التي تقدمها (سوزان مدحت).
إن
ظهور تلك الشخصية التي تتوحد مع خطاب شخصية وداد في بعد الأحيان وتفارقه في أحيان
أخرى (خاصة عندما تلجا إلي الشعر) يجعلها دخيلة على العالم الفرويدي الذي يطرحه
العرض ومناقض له في كثير من الأحيان فهي تخترق الثنائية التي تجمع الأم/ الزوجة في
مقابل الأب/ الزوج .. وتشكك فيها فلم تعد المرأة و الرجل أسرى لعلاقات ذات نفسية
جبرية ولكن أصبح من الممكن الخروج من فخ تلك الجبرية وكشف زيف الخطاب المرتبط
بها..
ربما
يبدو الأمر شديد الالتباس و التعقيد عند ذلك المستوي في العرض حيث يواجه المتفرج
مجموعة من الأسئلة المتعلقة بشخصية (وداد) التي تحتل مركز العرض.. أولها متعلق
بالعلاقة بين تجسيد (سوزان مدحت) لشخصيتي الأم والزوجة و ما يقدمه المخرج من خلال
أدائها يؤكد على أدوارها الجنسية و ازدواجية حضور الأم/ الزوجة وما يستتبعه ذلك ..
إن أتباع ذلك الطريق ينحو بالعرض نحو حصره في حدود نفسية..
من
ناحية أخرى فإن ما تطرحه الأم (وصورة الأب التي تستدعيها من خلال الابن) وما يؤكد
عليه المخرج و مهندس الديكور عبر تصميم الفراغ المسرحي و العلاقات التي تربط بين
أجساد الممثلين في الفضاء و خطوط الحركة (مثل صعود الأب لمستوى مرتفع .. الخ) يطرح
خطاب ذا صبغة اجتماعية حول عمليات الاستبعاد و المحاصرة للأنثى في المجتمعات
المغلقة التي تعيد أنتاج ذاتها و تقدس التراتبيات الأبوية .. وهو ما يستوعب حضور
الروح (لمياء مسعد) كتجلي للصوت المقموع و المستبعد من الحضور أجتماعياً و بالتالي
يصبح لعمليات تجسيدها على خشبة المسرح (كطيف لا يراه سوى صالح) مثيراً لأسئلة
تتعلق بموقف شخصية صالح وموقعها .
على
مستوي ثالث يتجلى حضور شخصية الروح كصوت تعليقي على عالم العرض المسرحي من خلال
استخدامها للفصحى في مقابل استخدام بقية الشخصيات للعامية الصعيدية.. وكذلك في في
تأكيد المخرج على انفصالها عن فضاء المنزل و تأكيده عليها عبر المواقع المركزية
على خشبة المسرح التي يتيحها للشخصية .. وأخيراً عبر استخدامها للرقص ..
إن
كل تلك المداخل يمكن أن تتلاقي و تتحد لتشكيل خطاب للعرض كل الأزمة التي يواجهها
العرض – كما أشرنا- هي عدم تخليقه لجسور تتيح الانتقال السلس بين كافة تلك المداخل
التي ينطلق منها .
ولكن
ورغم ذلك يظل عرض (حكاوي) حاملاً لطموح لتناول قضية اجتماعية شديدة التعقيد كقضية
المرأة في المجتمع المصري من خلال مجموعة من المثلين المتميزين القادرين على
التنقل بين أكثر من شخصية بسهولة و يسر ومخرج أستطاع توظيف قدرات المؤدين ببراعة و
ذكاء.
هناك تعليقان (2):
أشكر حضرتك على هذا المقال الأكثر من رائع ..
..
شكراً على رأيك في المقال .. وأتمني دوام التواصل
إرسال تعليق