في
العادة ما تتصف الحكايات الشعبية بأنها تقوم على أنماط ثابتة يمكن عبر رصدها (كما فعل فلاديمير بروب) العثور
على شبكة علاقات بسيطة قائمة على الصراع بين الخير و الشر ، فدائما يوجد الأمير
حتى وإن أتخذ أسماء أخرى كـ (تي - جان) ، ويظل الشرير هو دائما (الشرير/الشيطان /
المنافس) مهما تلبس من أقنعة .. وفي خضم ذلك الصراع يمكنك أن تجد مساعدين للبطل
ومساعدين للشرير و هدف يتصارع الطرفان للسيطرة عليه.
ومن
هنا كان من السهل أن تنتقل تلك العلاقات بأنماطها من الفلكلور الكاريبي عبر نص
الكاتب (ديرك والكوت) إلي عرض (تي جي وإخوته) للمخرج محمد الزيني وفرقة قصر ثقافة
برج العرب ، حيث أعاد العرض إنتاج نموذج تقليدي و متوارث في الحكايات الشعبية حول
العالم (وليس في الشرق فحسب) قائم على التنافس في ما بين ثلاثة أخوة من ناحية
وبينهم وبين الشيطان من ناحية أخرى ، حيث يمثل كل أخ قيمة (أو صفة أو فكرة) يتم
اختبارها في مواجهة الشر لتنتصر الحكاية الشعبية في النهاية للاعتدال وللقيم
الأخلاقية الأكثر قبولاً والتي تهدف القصة للترويج لها كأداة للانتصار على الشر و
النجاح في الحياة برغم الصعوبات والاحتقار الذي تقابل به في البداية.
وربما
يكون العرض قد تتبع النص في تأكيده على التماهي بين صورة رجل الأعمال وبين الشيطان
وإن أتخذ هنا طريقاً مخالفاً بعض الشيء عن الطريق الذي يتخذه نص والكوت ..
فالشيطان هنا لم يعد هو المستعمر الأبيض الذي أغتصب جزيرة "سانت لوسيا"
القابعة في منطقة الكاريبي بأمريكا اللاتينية وأستولي على خيراتها وسخر جيوش من العبيد
الأفارقة والسكان الأصليين للعمل بمزارع السكر و التبغ .. الشيطان في عرض (الزيني)
ربما صار نموذج أكثر عمومية للرأسمالية الغربية كمصدر لكل الشرور وكوحش يتلهم كل
من يقف في طريقه .. وهو ما أكد عليه العرض عبر القبعة التي يرتديها الشيطان (إيهاب
الفخراني).
إن
ذلك الفارق البسيط الذي يمكننا اأن نرصده يمكن أن يفتح أمامنا الكثير من الأسئلة
التي لم يحاول العرض الإجابة عليها ، أو تلك التي تجاهلها و عبرها في سبيل الوصول
إلي تجسيد النص وفقاً لطموح جمالي يهدف لتخطي المشكلات التي يطرحها ارتحال النص من
مجتمع الكاريبي بتاريخه الاستعماري وعلاقاته المعقده جغرافياً و سياسياً و
اقتصاديا وتاريخياً بالولايات المتحدة الأمريكية و أوربا وأمريكا اللاتينية و
أفريقيا .. الخ. ثم إعادة توطينه في المجتمع المصري في مرحلة زمنية ملتبسة من
تاريخه .
ولعل
أول تلك الأسئلة التي يمكن التوقف عندها هي مدي نجاح العرض في تجسيد التجربة
التاريخية المشتركة بين المجتمع المصري و جزر الكاريبي و المتمثلة في العلاقة مع
المركز الغربي ومحاولة التمرد على التبعية الثقافية و الاقتصادية لذلك المركز ؟ إن
العرض وكما يبدو لم يهتم سوى بالإطار الحكائي والأمثولة التي يقدمها النص وهو ما
يمكن تكشفه من خلال الحيادية التي تعمل بها المخرج مع العالم الدرامي و غربة عالم
النص عن المتلقي .. بل إن تلك الإشارة لهوية الشيطان الغربية تظل هشة في ظل حرص
العرض على عدم أجتراح تلك العلاقات الرابطة بين الشيطان و المستعمر .
كذلك
فإن العرض لم يحاول إيجاد العلاقات الرابطة بين مجتمعات أمريكا الوسطي التي تعاني
ممن هيمنة الولايات المتحدة و بين مصر و المنطقة العربية ككل التي تعاني من مشاكل
شبيهة.. مشاكل ربما تتشارك فيها كافة المجتمعات التي تحررت من الاستعمار الغربي
وأصبحت في مواجهة ازدواجية ثقافية وتبعية اقتصادية.. الخ.
وربما
يمكننا أن نرى عدم التفات العرض لأياً من تلك العلاقات (التي كان من الممكن لها أن
تفتح له ثغرة للتفاعل مع المجتمع )
متجسداً بوضوح في الأقنعة الأفريقية التي تزين ابواب الشيطان فالأقنعة الأفريقية
سواء أكانت تشير للأسلاف أو للشياطين تظل جزء من ثقافة المقموعين و ليس القامعين .
من
ناحية أخرى حاول المخرج ومصمم الديكور التأكيد على الروح الخيالية التي يحملها نص
العرض من خلال العمل خارج خشبة المسرح التقليدية وبفضاء مفتوح بهدف لدمج المشاهد
مع العالم الدرامي خاصة وأن العرض حاول التأكيد على حضور الغابة، كما حاول المخرج
استغلال الفضاء المفتوح لتخليق فضاء أكثر رحابة من فضاء المسرح التقليدي، وبرغم
الأزمة الأساسية التي تعرض لها العرض والمتمثلة في الأثر السلبي للفضاء المفتوح
وغير المجهز على التواصل بين المتفرجين و الممثلين (على المستوي الصوتي) ، إلا أن
العرض يحسب له تلك المحاولة للعمل على فضاء مركب مشكل من بؤر أدائية مختلفة .
أخيراً
على مستوي التمثيل ربما كان أكثر الممثلين نجاحاً بالنسبة للمتلقي هم من استطاعوا
تخطي أزمة التواصل مع الجمهور في فضاء مفتوح و غير مجهز مثل وليد فوزي بينما ظلت
هناك أزمة حقيقية بالنسبة للمتفرج في التواصل مع العرض خاصة في ظل عدم توافر أجهزة
صوت لكافة أعضاء الفرقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق