الجمعة، يناير 31، 2014

قطار الثورة لن يمر من هنا ... فلقد أوقفت الدولة حركة القطارات



في صباح الثاني عشر من فبراير عام 2011 كان السؤال هو كيف يمكن أن يمتد عمر تلك اللحظة الاستثنائية في تاريخ الوطن ؟ فلقد كان هناك يقين بأن مصر ينتظرها جدول أعمال مزدحم.. واستحقاقات متأخرة.. وتطهير وهدم وبناء و إعادة هيكلة و ضبط و دفع و كبح و اتاحة و منع و تفعيل ومحاسبة .. وكل شيء يصلح لهدم الدولة المصرية وتشييد قواعد دولة جديدة وفتية تلائم طموح شعارات الثورة (عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية) .. فالدولة المصرية بتصميمها العلوي (نسبة لمحمد على) قايضت المجتمع.. فالأمن مقابل الحرية .. الدعم في مقابل العدالة .. الأستقرار في مقابل الكرامة .. وهو مالا يتسق مع ذلك الشعار الثلاثي الذي لم يتورط من صاغوه في التفاوضات وعمليات المقايضة مع الدولة.
 ولذا فقد صرح الكثير من سكان مصر في صبيحة ذلك اليوم بأن الهواء كان يحمل رائحة مختلفة .. فسرها البعض بأنها رائحة المستقبل .. وفسرها البعض بأنها نسائم الحرية .. وقال أكثرهم تشاؤماً أنها رائحة المعارك القادمة التي يتوجب على الثورة خوضها.. وقال الواقعيون أنه هواء الشتاء ولكن بدون عوادم السيارات التي لم تملأ شوارع القاهرة كعادتها كل يوم في ذلك الصباح ..  لكن الجميع أتفق أن رائحة فساد وعفونة الدولة المصرية غابت في ذلك الصباح الذي كان يؤهل نفسه لجراحة قاسية و عميقة في جسد الوطن.
ولكن لم تكد تمضي أيام حتى عادت الدولة إلي لعبة المقايضة .. لا أمن بلا عبودية .. لا أستقرار بلا أنسحاق و ركوع .. لا دعم للفقراء بلا ثمن يدفع في صناديق الإقتراع ...
وهنا أنطلق الجميع خلف المقايضة .. بل حاول الإسلاميين أظهار براعة وذكاء في أستخدام تلك التقنية عبر التفاوض مع النظام المتغلغل في جسد الدولة ومحاولة أمتطاء صهوته .. ثم الصراخ و العويل بعدما أسقطهم من فوق ظهره .
وخلال تلك الرحلة سفكت دماء وأسملت عيون .. وأمتلاءت صدور بأدخنة الغاز والحرائق ... وتساقط الألاف بين قتيل وجريح لتسقط أسطورة سلمية الثورة التي نمتها الدولة ورعتها خلال مناورتها للحفاظ على وجودها.
وفي النهاية هانحن بعد ثلاث سنوات فقط من عمر الثورة  يآكلنا القلق و الخوف على الدولة المنهكة جراء المناورات التي قامت بها .. لانحلم بشيء سوى عودتها لسابق لياقتها ونحن نمني أنفسنا أنها لم تعد بذات القوة أو البراعة وأن الفرصة لم تزل موجودة للقيام بعمليات جراحية لتطويرها و تحسين أدائها .
ولكن هل هذا ممكن ؟!
لنحاول الإجابة ونحن نقف في أرض ندعي معرفة الكثير من تضاريسها ... ونستطيع أن نرصد أزماتها ..
أنه المسرح تلك المؤسسة التي أرتبط تاريخها بالدولة المصرية الحديثة .. فالمسرح في مصر - وعلى العكس من بر الشام مثلاً -  لم يقم على أكتاف مغامرين أو مستكشفين .. بل أرتبط تاريخه بمبادرة الدولة وتأسيسها له ورعايتها الأيديولوجية والفعلية له .
هل يمكن أن نتحدث عن ثورة وقعت في مصر وصلت أصدائها للمسرح المصري وغيرت من  واقعه أو قلبت نظامه رأساً على عقب أو حتى خلخلت ثوابته و ضربت قواعده التي يستند عليها ؟!
هل يمكن الحديث حتى عن حركة أحتجاجية سارت في عروق النظام المسرحي وهددت أستقراره و بشرت بميلاد جديد .. أو حتى أصلاحات عميقة ؟!
إن كانت الإجابة بلا .. فلننهي تلك المهزلة سريعاً و لننصرف لمحاولة التفاوض مع الدولة بأقصي سرعة وهي لم تزل جريحة للحصول على مكتسبات .. هذا إن كنا نملك شيء يصلح للتفاوض أو المقايضة أصلاً ..
ولكن إذا كانت الإجابة بنعم وأنه يوجد ما يبشر بتغير ثوري في المسرح  .. فأين يمكننا أن نتلمسه .. هل هناك تغير ثوري في علاقات النظام المسرحي ؟ أو نمو لكيانات جديدة ؟
بما يعني .. هل يمكن أن نتحدث (مثلا) عن قرارات ثورية بهدم مؤسسات مسرحية كالبيت الفني للمسرح أو أعادة هيكلة له ؟! أو هل يمكن أن نتحدث عن نمو لمؤسسات مسرحية تربطها علاقات مختلفة بالدولة المصرية ؟! أو تغير حقيقي في العلاقات الإنتاجية - التي أرسها نظام مبارك- نستطيع معها التخلص من الرؤى اليمينية المحافظة التي تدعو لتحلل الدولة من الإنتاج المسرحي مع الأحتفاظ بالحقوق الرقابية على المنتج المسرحي؟!
قد يجادل البعض بأننا في مرحلة أنتقالية تستدعي الصبر و الإنتظار و الإصطفاف خلف الدولة في معركتها التي هي معركة المسرح الذي يرتبط وجوده بوجود دولة ذات توجه علماني داعم للفنون وليس دولة دينية مثل تلك التي حاول حلفاء الأخوان  (وليس الأخوان نفسهم في مفارقة مدهشة) تأسيسها عبر محاولة الهيمنة على المؤسسة التشريعية التي وصلت لدرجة وجود دعوى لمنع فن البالية !!
إذا توافقنا على واقعية ذلك – أو بعضه – هل يمكن أن نتحدث عن وجود (بشائر) لتلك التغيرات الجذرية القادمة في الطريق .. حينما نفرغ من إعادة بناء المؤسسة الرئاسية و التشريعية ؟!
إذا كانت البشائر موجودة فأين هي ؟ هل توجد في ذلك الجدال البيزانطي حول إلغاء وزارة الثقافة وبالتالي إلقاء الطفل مع ماء الغسيل كما يقول الإنجليز .. أو بمعني أخر رفع الدعم عن المسرح أو إعادة توزيعه وفقاً لمراكز القوى المركزية المستقرة في القاهرة وإلقاء الفتات للمسرح الأقليمي .. هذا إذا كان هناك فتات سيتبقي في ظل ذلك الجشع و تلك النرجسية التي تتحدث بها قوى كمسرح الدولة الرسمي و المستقلين.
أم أننا نكتشف ببطء أن دعاوى إلغاء وزارة الثقافة كانت فورة حماسة ساذجة وطفولية وأن عودة الأمور إلي نصابها في النهاية أكثر أمناً طالما سيتم زحزحة العلاقات لصالح هذا الفصيل أو ذاك ؟!
إذا كانت هناك ثورة أو أحتجاج قد وصلت للمسرح (أو حتى ستصل) لكنها مرتبطة بالمؤسسة التشريعية القادمة .. هل يمكننا المراهنة على أن الإنتخابات القادمة لن تحمل إلينا أحزاب كحزب النور و عناصر الحزب الوطني أو من على شاكلتهم ؟! هل يمكن أن ننتظر من الدولة التي تقوم بترميم الصدوع التي أصابتها أن تنتبه لفن المسرح .
أم سوف  نكتفي بالمجادلة بأنه يكفي أن ننظر لعروض مسرح الشارع لنؤمن أن هناك شيء جديد!!  
ربما لم يمر قطار الثورة من هنا ... وربما لن يمر إذا عادت الدولة المصرية بمشروعها المطور الذي وضعت بذرته الأولي في نهاية عصر مبارك والذي يقوم على سحب يد الدولة من تدعيم الظاهرة المسرحية وتركها للنمو تحت ظروف متطرفة تهدم المهنة المسرحية والإبقاء على الرقابة الأمنية والدعم المالي المحدود.
لن يمر قطار الثورة طالما لم يتم الحديث عن المسرحيين كجماعة مهنية لها مصالح في أستمرار وجودها وتجاوز المساحة الضيقة و المحدودة التي أجبرت على التحرك فيها لعقود طويلة .. وعليه فمن الأفضل أن نتوقف عن الحديث عن الثورة.. لأنها وببساطة لم تحدث.

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...