الاثنين، يناير 20، 2014

لم يزل هناك من يهتف بالمسرح: إني أحب عبد الناصر

  
لم يهب المسرح العربي لحاكم - من الاهتمام و التقدير - مثلما وهب لجمال عبد الناصر.. فمنذ الستينيات وحتى اليوم لم يزل حاضراً كرمز للتحرر الوطني والقومية و الانحياز للفقراء والطبقات المحرومة والمستغلة، كما لم يزل حاضراً كقائد تقدمي حاول انتزاع مجتمعه وأمته من براثن الاستعمار الخارجي، وتخليصها من الرجعية التي تفتتهما من الداخل.. و أحيانا يحضر كمرادف للقمع و الهزيمة و الانكسار... لكنه وفي كل الأحوال يظل الشخصية الواقعية الأكثر بروزاً وحضوراً فوق خشبات المسرح المصري و العربي.
فمنذ الستينات نجد أن عبد الناصر حاضراً في صورة المخلص المنتظر أو القائد الذي عزلته حاشيته (الفاسدة والمُستغِلة) عن الجماهير التي تؤمن به ،ويدافع هو عن حقوقها ، فصارت خشبات المسارح منصات للنداء على ذلك البطل و القائد كي ما يخلص الوطن من الفاسدين كما نجد في نص الفتى مهران (لعبد الرحمن الشرقاوي) الذي يصرخ فيه البطل منادياً على - في مونولوج شهير - السلطان حتى يخلص البلاد من التجار الفاسدين ، كما يطلب منه ألفريد فرج على لسان حلاق بغداد منديل الأمان كي ما يطلق لسانه بما في البلاد من مفاسد ، أو تناديه شخصية سعيد في مسرحية ليلي و المجنون لصلاح عبد الصبور كي ينهض ليقضي على ذلك التحلل والانهيار الذي أصاب البلاد .
لقد كان عبد الناصر حاضراً في مسرح الستينيات متخفياً خلف أقنعة شخصيات أخرى كالسلطان أو المخلص ولعل ذلك يعود بشكل كبير إلي الازدواجية التي نظر بها المثقفين له فمن ناحية كانت الدولة البوليسية وأجهزة القمع التي تقوم بالتنكيل بأي معارض ، ومن ناحية أخرى تلك الصورة المثالية التي رسمها المثقفين الزعيم التي تجسدت في شخصية عبد الناصر.
من هنا يمكننا أن نتفهم أن استحضاره لخشابات المسارح لم يتحقق بشكل فعلي إلا بعد حاضر بشخصه في مسرحية (28 سبتمبر، الساعة الخامسة ) التي أخرجها كرم المطاوع في نوفمبر 1970 بعد أقل من شهرين على وفاته.. والتي أستحضر ميخائيل رومان اللحظات الأخيرة في حياته وحولها لمحاكمة شعبية له ودعوة لاستكمال حلمه بمجتمع بلا استغلال أو تبعية .. كما نجد أن ميخائيل رومان (الذي تعرضت معظم أعماله للمنع و الحجب في زمن عبد الناصر) يؤكد على أيمانه بناصر ومشروعه ويضعه في نفس المكانة التي يحتلها رمز تاريخي مثل جيفارا .. حيث يماهي النص بينهم ويقدمهما كنموذج للنضال من أجل مجتمع العدالة و الحرية..
ومع تقدم الزمن و تآكل كل المكتسبات التي حققتها الطبقات الأكثر فقراً داخل المجتمع المصري من ناحية و تراجع المشروع القومي وذوبانه أمام تصاعد الأصوات الشعوبية و الطائفية في العالم العربي أستدعي المسرح العربي عبد الناصر من جديد كما نجد في نص "أحلام شقية " الذي كتبه المؤلف السوري الراحل سعد الله ونوس عام  1994 والذي تدور أحداثه بعد انهيار الوحدة بين مصر وسويا حيث تصرخ بطلة المسرحية في وجه زوجها المعارض للوحدة ولعبد الناصر  .
"غادة: إني أحب عبد الناصر.
كاظم: ماذا قلت ؟ هل جننت ؟
غادة: إني أحب عبد الناصر."
وتظل شخصية غادة تكرر تلك الجملة حتى يقوم زوجها ويعتدي عليها.
ربما يبدو من المدهش أن يظل أسم عبد الناصر حاضراً و مؤثراً بعد كل تلك الأعوام على وفاته، وأن تتم استعادة عصره كحلم سعيد أضاء ظلمة العالم للحظة قبلما تعود ظلمة أزمنة الشقاء والتراجع لكن ما يزيل تلك الدهشة هو حالة الاختلاف والصراع حول تعريف عبد الناصر ذاته في الفن والمجتمع  .. فمنهم من يراه ديكتاتوراً و طاغية قاد البلاد نحو كارثة بإصراره على تنفيذ أحلامه الخيالية.. وهناك بين الفنانين وفقراء المدن والقرى من يذكر له (حتى وإن لم يروه) أنه الحاكم المصري الوحيد الذي أنحاز للفقراء و المستضعفين.
من هنا أحتل عبد الناصر مكنته في المسرح المصري و العربي.. أنه شخصية ثرية ومؤثرة تاريخياً تثور الخلافات حولها لكنها لا تتعرض للطعن في نزاهتها أو إخلاصها أو وطنيتها وبالتالي صار عبد الناصر أهم الشخصيات الواقعية حضوراً  في تاريخ المسرح العربي و المصري، وليس من دليل أقوى من أن صورته لم تزل موجودة فوق خشبة المسرح حتى اليوم بعرض (رئيس جمهورية نفسه) الذي يقوم ببطولته الفنان محمد رمضان الذي أشتهر بأداء شخصية البلطجي في السينما .
لم يزل عبد الناصر حياً في المسرح.. حتى وأن لم يحضر كشخصية درامية,

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...