السبت، يونيو 01، 2013

أنا والمرايا.. جماليات الجسد في مقابل فشل اللغة



تتميز عروض الرقص المسرحي الحديث في مصر بأنها تمثل رافد محدود وشديد الهامشية داخل الحركة المسرحية المصرية.. لكنها ومن جانب أخر أثبتت ورغم حداثتها قدرتها على تخليق تيار متميز ومؤهل لاحتلال ركن هام من الحركة المسرحية وبشكل خاص داخل الدوائر التجريبية والطليعية في تلك الحركة.
وربما كان العرض السكندري (أنا والمرايا) للمخرج/ المؤلف (محمد عبد الصبور) والذي عرض ضمن فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح دليل جديد على مدي قدرة هذا التيار المسرحي التواجد بأحد أهم الدوائر التجريبية داخل حركة المسرح المصري (حركة نوادي المسرح) من ناحية ومؤشر على التحولات التي بدأت تغزو جسد هذا التيار منذ سنوات .
ويمكن أن ننطلق في تحليل العرض من العلاقة بين مستوي الرقص و مستوي المونولوجات التي يفتتحها (البطل/ الرجل/ المؤلف ) في بداية العرض قبلما يتم الاستحواذ على تلك المساحة بالكامل من قبل (المرأة/ البطلة).
إن العرض يخلق عبر المونولوجات التي تمتاز بكونها تحمل طابع وصفي لمشاعر شخصية غير واضحة المعالم وغير مكتملة التكوين.. فعمليات وصف المشاعر المتضاربة و المواقف النفسية والوجودية من العالم تظل كلها عالقة في فضاء العرض غير قادرة على أن تكتسب طبيعة سردية أو درامية من خلال مشاهد وعلاقات واضحة ومحددة بين الشخصيات.. ولذلك تدخل اللغة المنطوقة في دائرة مغلقة تصبح فيها مراهنتها على الإمساك بالوصف الأكثر عمقاً وتحقيق الاستعارة الأكثر التصاقاً بما يتم وصفه هو الهدف الاسمي للمونولوج ولكن يتفتت ذلك الرهان نتيجة اضطرار اللغة إلي الشاعرية و الصور المعقدة التي  تشتت محاولات الوصف الملاصق للمشاعر .. ولذلك يظل العرض يلجأ لمونولوجات تعيد أنتاج ذات الوصف بلا قدرة على اختراق الحاجز الذي تخلقه اللغة .. ومن هنا يأتي دور الجسد ليحول عمليات الوصف اللغوي هذه إلي أجساد في حالة حركة تستهدف وصف المشاعر هي الأخرى ، لكنها تمتلك القدرة على تخليق حد أدني من السرد لشبكة علاقات يحتل مركزها (المرأة / البطلة) التي تخلق حولها شبكة علاقات هشة و غير متكاملة لكنها في النهاية أكثر تماسكاً من المونولوجات .
وهو ما يعني أن العودة إلي اللغة المنطوقة في العرض لم يكن بهدف التغلب على عجز الجسد على التعبير ولكن للتأكيد على الرغبة الجامحة لدي العرض في التعامل مع مستوي الشعور.
ومن هذا المنطلق يمكننا إن نكتشف الكثير من سمات العرض و مناطق عمله و حركته، فالعرض بشكل مبدئي يجري قطيعة مع كل ما هو متعين أو ملموس.. متخلياً عن الواقع وغارقاً في مستوي شعوري خالص مطعم ببعض الأجواء الوجودية البدائية التي تقترب في نمط رؤيتها للعالم من رؤية حالمة ومفصلة عن العالم ليس لضغطه على وجود الشخصيات وإنما لعدم وجود قدرة التعامل معه... وهذا التخلي عن الواقع ينعكس في رفض العرض تخليق أي بنية حكائية متماسكة والاكتفاء بذلك الخيط الواهي الذي لا يقدم تطور لحدث بقدر ما يصور وعي يحاول عرض ذاته واستكشافها من خلال استدعاء صور خاطفة لتلك الحياة.   
ومن هنا تتشكل العلاقات في كل مشهد و يتم صياغتها للتأكيد على جانب من جوانب وعي (المرأة/البطلة) بذاتها والعالم من خلال إعادة إنتاج المشهد من خلال (صورتها/ ظلها / نقيضها .. الخ)، لينتهي العرض دون الوصول لنتيجة واضحة.. وإن كان المخرج قد حاول التصريح  بتوجه العرض من خلال التصريح بأكثر من طريقة بإن العرض يتناول قضية المرأة .. أو هكذا يبدو الأمر.
من جانب أخر يظل العمل الأساسي الذي قام به المخرج في العرض هو قدرته على تحقيق تجاور جمالي بين الرقص الحديث و الشرقي و حركات من اليومي و المعتاد.. للتعبير عن العالم الذي يحاول بناءه والمتمثل في وعي (المرأة/ البطلة) بالعالم.. حيث حاول المخرج تخليق مجموعة من المجموعات.. تضم الأولي الراقصين الرجال والثانية مجموعة الراقصات، والثالثة (المرأة)، والرابعة (ظلها /نقيضها) وعبر تلك المجموعات حاول المخرج والمصمم (محمد عبد الصبور) إنتاج عالمه المسرحي الذي يدور في فلك مركز ثابت يطرح ذاته طوال الوقت كموضوع للعالم (المرأة) فهي مقموعة .. مرفوضة.. محبطة... ضعيفة.. الخ.
وتتأكد تلك الرؤية من خلال بناء فضاء في العرض المسرحي بداية من الديكور الذي يتمثل في مجموعة من المانيكانات العرايا.. بكل ما يحمل المانيكان من تصور للمرأة في داخل المجتمع الذكوري .. وكذلك في عمليات تشكيل الفراغ من خلال أجساد الراقصين .. (فالمرأة) في معظم الوقت تظل محاصرة أو مقيدة أو ممدة على أرضة المسرح بينما يمتلك المنتمين للمجتمع الذكوري أعلى قدر من الحرية في الحركة .
بشكل عام ربما يصطدم الكثير من النقاد والمتفرجين مع عرض (أنا والمرايا) لأسباب أيديولوجية تعلى من قيمة الخطاب السياسي والتنويري الثوري في المسرح.. وهي الخطابات التي يتجنبها تيار الرقص الحديث في مصر والذي يحافظ على مجموعة من السمات والمواضيع التي يصعب الخروج منها للكثير من المنتمين لذلك التيار .. ولكن ورغم كل ذلك يظل عرض (أنا والمرايا) قادراً على تحقيق الميزة الجمالية الأساسية للرقص المسرحي وهي شغل الفضاء المسرحي بتكوينات وتشكيلات جمالية طيلة الوقت.



   

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...