السبت، يونيو 01، 2013

من الذي يحق له أن يقيم العمل المسرحي ؟! حول تجربة (ديوان البقر) بكل عبثيتها



في العادة ما تكون إجابة ذلك السؤال بسيطة ومباشرة ... فالناقد هو الشخص المؤهل بحكم تكوينه للقيام بعمليات التفسير والتقييم للعمل الفني و تحديد جودته الفنية وفق مجموعة من المعايير الجمالية التي تحددها المذاهب الفنية أو مناهج النقد المسرحي بالأساس.. هذا بالإضافة للمداخل الأيديولوجية التي ينطلق منها الناقد بالتأكيد.
في ما عدا ذلك يصبح من حق الجميع التعبير عن انطباعاتهم الجمالية أو الفكرية حول العمل الفني كل حسبما يستطيع.
ولكن تلك الإجابة السريعة والمباشرة تصبح في كثير من الأحيان غير قادرة على الإلمام بتلك القوي التي تبرر لنفسها و للمجتمع تغول سلطتها وأتساع مجال نفوذها لتشمل تقييم العمل الفني وفق رؤيتها الخاصة وباستخدام أدواتها التي لا تنتج في النهاية إلا عملية تمزيق للعمل الفني وتحويله إلي مجرد ستار لقوي مناهضة لتلك السلطة.
هل يحق لرجل الأمن أن يقيم العمل الفني ؟ وبالتالي يسمح لنفسه بتطبيق الرؤية الأمنية القائمة على تنفيذ عمليات المنع والحجب و القمع (تطبيقاً للقانون في الوضع العادي). إن المسرح لن يبقي منه سوي ما يتلاءم مع القانون في تلك الحالة .. أو باختصار لن يصبح هناك مسرح .. سيتحول الفنان إلي مشتبه (أو مجرم) ويتحول العمل الفني إلي دليل اتهام وسلاح الجريمة.. بل قد يتحول العمل الفني إلي جريمة في حد ذاته.
أوليس هذا ما حدث مع عرض (ديوان البقر) الذي تم منعه من قبل السلطات الأمنية حماية للسلم الأهلي .. وحفظاً للأمن محافظة البحر الأحمر ؟! أليست تلك هي النتيجة المنطقية لمنح الأمن سلطة المنع والحجب للمسرح.. أن نجد أنفسنا أمام وضع مخيف سمح فيه لرجل الأمن بالتعامل مع العرض المسرحي كتهديد أمني..
هل يحق لرجل الدين أن يقيم العمل الفني ؟ وهو ما ينطوي على تحول قيم رؤية العمل الفني ليصبح الفن إما حلال أو حرام وبالتالي يتحول الفنان لمذنب يستحق عذاب الآخرة وعقاب الدنيا أو محسن يستحق نعيم الجنة.. ويصبح من العادي تقيم العمل الفني بمدي اقترابه أو ابتعاده عن التعاليم الدينية.
فيحق لمجموعة من مطلقي اللحى التعبير عن اعتراضهم على عرض مسرحية بعد نهاية العرض انطلاقا من راؤهم الدينية القائمة على رؤاهم الخاصة للدين.
هل يحق للسياسي أن يفسر العمل الفني وفقاً لموقفه السياسي لتحقيق مكاسب أو تلافي خسائر ؟
إن قبلنا بذلك فلن يبقي من العرض المسرحي سوي تلك ورقة سياسية يتبادل المتنافسين على الساحة السياسية اللعب بها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالمعارضين.
ويكفي أن نعود لعرض ديوان البقر لنري كيف أستخدمه عضو مجلس الشعب السابق ومن خلفه  حزبه ( الحرية والعدالة ) لتقديم استعراض للقوة أمام القوي السياسية المعارضة التي أكتفت بإصدار بيانات واستغلال منع العرض كأداة تشويه مثالية لمنافسيهم من التيار الإسلامي.
وبالمجمل تحول منع العرض المسرحي إلي حلقة جديدة من المناوشات بين القوي السياسية.. مناوشة فرعية وهامشية.
هل يمكن يحتل التفسير الطائفي محل التحليل النقدي .. وتصبح ديانة المخرج والممثلين محور تفسير العرض المسرحي ؟
هل يقبل أن تحل الأحكام الأخلاقية محل الأحكام النقدية في تحليل عمل مسرحي ؟
يمكننا أن نعد هنا كمية كبيرة من عمليات التفسير و التقييم التي قامت بها سلطات مختلفة للعمل الفني بين السياسي و الديني والأمني و الإداري (موقف رئيس هيئة قصور الثقافة والوزارة من خلفه).. عمليات تفسير وتقييم انتزعت عرض ديوان البقر من موقع عرضه وقامت بنفيه ليتحول للأداة تشهير سياسي متبادل ويفقد أهميته وقيمته كعرض مسرحي ينتمي لهيئة تنتج المسرح بهدف تنموي للمواقع.. ما قيمة عرض ديوان البقر في القاهرة التي لا تحتاج لعرض أخر يسهم في تأجيج الصراع بين الفرقاء ؟ إن قيمته الحقيقية سيتركها العرض خلفه في مدينة الغردقة ضمن ما سيترك من تشوهات في العلاقة التي تربط بين المجتمع المحلي والهيئة (التيار الإسلامي سيتعامل مع الموقع بجراء المنتصر في أفضل الأحوال) من ناحية ، والتشوهات التي ستفسد العلاقة بين الموقع والكوادر الثقافية التي صدمت من موقف الهيئة .. هذا ما ستخلفه تلك الرحلة الموعودة الي القاهرة  حيث سيتم تقديم ما تبقي من عرض (ديوان البقر) إن كان هناك شيء سيتبقى منه... وبعد أن ينتهي الكرنفال الذي سيصاحب العرض بالقاهرة سيبقي السؤال العالق في رقبة الهيئة العامة لقصور الثقافة .. كيف يمكننا أن نفك تلك الكارثة التي ساهم فيها الجميع (سياسيين وإداريين ورجال أمن) ؟ كيف نضمن أن لا يتكرر ذلك (سيخرج علينا من ينادي بمزيد من الرقابة و القمع بالتأكيد) ؟ كيف نصنع علاقة متوازنة بين هيئة الثقافة الجماهيرية ومواقعها وبين من شعروا بخيانتها لدورها ومن شعروا بقوتهم و قدرتهم على إجبارها على تنفيذ رؤاهم المنغلقة؟
لقد خرجت الهيئة محملة بهزيمة لن تستطيع تخطيها بسهولة.. إن لم تكن ستدفع ما هو أكثر قريباً .. لماذا ؟ لأنها قررت أن تتخاذل عن أداء دورها ومهمتها ومن خلفها وزارة كاملة تنتظر كل صباح أن تحدد توجهاتها الثقافية بناء على  رغبة السادة الجدد في السلطة ومنافسيهم في المعارضة . فبعد أن كانت الوزارة تربط وجودها بمشروع الدولة المصرية.. أصبحت تربط مشروعها بالتخبط السياسي .  
ربما يمكن للبعض الإجابة على تلك الأسئلة التي سبق لنا طرحها منذ بداية المقال بأن العمل الفني في أي مكان و زمان يظل مرتبطاً بالمجتمع الذي يقدم له و السلطات الفاعلة في تشكيلة والتحكم في توجهاته ، وبالتالي يصبح من حق تلك السلطات القيام بأدوار في تفسير العمل الفني وتقييمه.
ربما تبدو تلك الإجابة صحية ومنطقية لكنها لا تصبح فاعلة وإيجابية إلا في ظل مجتمع قادر على تخليق توازن بين مؤسساته المختلفة بشكل يسمح لكافة أطراف المجتمع والقوى الفاعلة فيه بإبداء الانطباعات الفنية والفكرية حول العمل الفني دون أن تتغول تلك القوى لتحتل مساحات ليست من حقها ..
لأنه إذا ما تحولت تجربة ديوان البقر إلي تجربة قابلة للتكرار.. فربما يأتي علينا وقت شبيه بزمن تكفير أباء الكنيسة للمسرح وممارسيه .. وساعتها لن نتحدث عن قيمة الحفاظ على الاستقرار بل سيبكي الجميع .



ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...