الخميس، أبريل 25، 2013

موت الناقد المسرحي




هل بقي شيء يمكننا ان نراهن عليه لإنقاذ مهنة الناقد المسرحي من الانهيار أم أننا قد أصبحنا أمام التداعي النهائي لمهنة هامشية لا يحتاج لها الواقع ؟
ربما ذلك السؤال أكثر درامية مما يحتمله الوضع بالنسبة للبعض . كذلك فقد يبدو ذلك السؤال مفتتح لرؤية تشاؤمية للعالم في لحظة ثورية تحتاج لكل دفقه أمل ولكل عصب حي قادر على دفع الواقع خطوة نحو الطريق الذي نحلم به. وفي تصور أخير ربما يبدو هذا التساؤل للبعض محلق في فضاء الترف الفكري والجمالي في لحظة تتطاحن فيه العظام وتسيل الدماء في شوارع مصر في ذلك الصراع الدموي الذي يمتد عبر الطيف السياسي بأكمله بداية باليمين الديني المحافظ والرجعي ونهاية بأشد قوي اليسار راديكالية و ثورية .
ولكن وبرغم كل تلك الأفكار السالبة و المحطمة لقيمة التساؤل والتفكير  في واقع ومستقبل العمل النقدي في مجال المسرح .. ربما لا يملك أمثالنا من العاملين بذلك الحقل سوى التساؤل، ليس فقط لما يمثله ذلك التساؤل من تعبير عن المأزق التاريخي والمهني الذي يعانيه كل من قرر في لحظة ما من تاريخيه الشخصي أن يربط مشروعه الشخصي للحياة بالنقد. ولكن كذلك لما يمكن أن يكشفه ذلك التساؤل من أزمات عميقة في رؤية المجتمع للمشروع النقدي بصورته الأوسع.
في البداية ربما كان من الطبيعي التوقف عند الوضعية التي يمر بها العقل المسرحي، فمنذ زمن بعيد أرتبط العمل النقدي في مصر بالحلقة الأكاديمية ، بينما لم تتوافر لمن هم خارج السلك الأكاديمي رفاهية العمل النقدي إلا في أضيق الحدود و تحت شروط خاصة ، ذلك أن العمل النقدي ظل عملاً مكملاً و جانبياً لا يحظى بشعبية في أوساط المسرحيين أو في أوساط متلقي الفن المسرحي لأسباب متنوعة تمتد بين عدم قيام النقد المسرحي بالدور الدعائي الذي تقدمه المراجعات الصحفية التي تحتل صفحات الصحف السيارة و التي تقوم على تبسيط  العرض المسرحي و الدعاية الإيجابية (أو السلبية) له في أوساط قراء الصحف المهتمين بمعرفة أوضاع المسرح و أخباره ورغم ضيق الشريحة التي تتوجه إليها صفحات المسرح إلا أنها تظل دائماً هي الأهم في جدول اهتمامات جمهور المسرح ومبدعيه .. بينما تتراجع قيمة الصحافة النقدية المتخصصة لتمثل هامش لتلك المراجعات حيث ينصب تركيزها على الدارسين و من يمتلكون رغبة وقدرة على تجاوز الطابع الخفيف لمراجعات الصحف وقراءة دراسات أعمق و أكثر صعوبة.
إننا نتحرك إذا كنقاد للمسرح في هامش للهامش...
وبما أن الوضع على هذه الحال.. فربما كان من الطبيعي أن ننظر للعمل النقدي كترف فكري لا يهم سوي شرائح ضيقة و محدودة ولغايات تعليمية بالأساس.
لا توجد مهنة أسمها الناقد المسرحي في مصر إذاً...
إن مشكلة مثل ذلك الحكم أنه لا ينسحب على تلك المهنة فحسب.. بل أن جور المشكلة أن مثل ذلك الحكم ينطوي على حكماً بالقيمة بين ثناياه.. فعدم وجود تلك المهنة واقعياً واقتصارها على أوساط بعينها و في حدود بذاتها يشير بشكل مباشر إلي عدم وجود قيمة واقعية للنقد المسرحي في الواقع المصري .. فتلك المهنة ليست من المهن التي يحتاج إليها الواقع وبالتالي فإن قيمتها محدودة وتأثيرها شبه معدوم.
فمن أين أذن تأتي تلك الهالة التي تحيط بالناقد المسرحي وتؤكد على أهميته و دوره الكبير في الحياة المسرحية ؟
ربما يمكننا أن نعود هنا للخطاب المحيط بالنقد المسرحي لنكتشف كيف يمكن لسلطة الخطاب تخليق احتياج ودور للناقد.
لعل أول عناصر تشكيل ذلك الخطاب هو الحظوة التي يحظى بها النقد داخل المؤسسات الأكاديمية للدرجة التي تجعله على قمة هرم الاهتمام الأكاديمي في الدراسات المتعلقة بدراسة الدراما والمسرح ، فنحن لا نجد قسم من أقسام المسرح في كليات الآداب – فضلاً عن المعهد العالي للفنون المسرحية – لا يخصص مجالا للتخصص النقدي .. بل أن الأمر يصل إلي أن عدد الأقسام التي تهتم بالدراسة النظرية للفن المسرحي يمثل النسبة الأكبر والأهم في مجال الدراسة الأكاديمية للمسرح في مصر.
وبالتالي فإن المؤسسات التعليمية تقوم بالدور الأكبر في تخليق الخطاب المحيط بالناقد المسرحي. فهي تدفع سنوياً إلي سوق عمل وهمي بعشرات – أو مئات - من الشبان (والشابات) الذين يتم تأهيلهم للقيام بمهنة النقد المسرحي في واقع يشهد انحسار متزايد للظاهرة المسرحية عاماً بعد عام (ولأسباب متنوعة) .
ولتفادي الأزمة الناتجة عن تلك الأزمة فإن تلك المؤسسات تستعيض عن عدم وجود مكان في سوق العمل لخريجيها بالتأكيد المتزايد على أهمية دور الناقد و محورية دوره ليس كمحلل ومقيم للعروض المسرحية فحسب بل وقبل ذلك كمركز من مراكز العملية المسرحية عبر الإصرار على الاحتفاظ بأقسام الدراما والنقد بصيغها الحالية المعتمدة بشكل أساسي على تدريس النقد المسرحي كتخصص أساسي .
إما ثاني عناصر تشكيل الخطاب المحيط بمهنة الناقد فهي الدور الواقعي الذي يقوم به الناقد داخل الحركة المسرحية عبر انخراط النقاد في لجان التحكيم والتقييم للمسابقات التي تقيمها معظم المؤسسات الإنتاجية.. وبرغم انحدار ذلك الدور وتحديده الكبير لمهام الناقد إلا أن هناك منافسة عليه من قبل العاملين بالحقل الإبداعي للحد الذي وصل للتقسيم المهني لمقاعد التحكيم ، حيث أصبح من الطبيعي أن تحتوي لجان التحكيم على مخرج ومهندس للديكور أو موسيقي .. إلي جوار ناقد !!  
ولكن بعيداً عن ذلك الوضع الكاشف لتراجع مهنة الناقد ودوره كمقيم أساسي للعرض المسرحي وتحول وجوده ليصبح وجوداً إشكاليا عبر تخلى الواقع عنه من ناحية وبقاء الخطاب الداعم لوجوده من ناحية أخرى.
بعيداً عن ذلك فإن ذلك الدور الذي يقوم به مجموعة النقاد (المحدودة) يحتفظ لهم بتلك العلاقة الطبقية والسلطوية مع المسرحيين وبالتالي فإن الخطاب المحيط والحامل لمهنة الناقد المسرحي يظل محتفظاً بقدر من الهيبة القديمة و الدور السلطوي القديم.
ولكن إلي متي يمكن لذلك الخطاب أن يتحمل ؟ لا أحد يمكنه الإجابة على ذلك السؤال دون أن يغامر بالدخول في دائرة التخمين والظن والاستنتاجات المتسرعة.. فمن الممكن أن يكون الانهيار سريعاً ومفاجئاً إذا ما فقدت الحركة النقدية مطبوعاتها في ظل ظروف التقشف الذي تدخله الدولة حالياً .. ومن الممكن أن يحتفظ الناقد ببعض من أدواره التاريخية لفترة أطول.. لكن الأكيد أننا أمام مهنة متآكلة.




  

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...