السبت، نوفمبر 03، 2012

موسم المهرجانات للاحتفال بانهيار مسرح الدولة




 إن المتابع للوضع المسرحي في هذه الأيام يمكن أن يكتشف - بأقل قدر من التأمل - أن هناك قوى ترغب في إعادة أنتاج الماضي من جديد، ويمكن لذلك المتابع لو تميز بقدر بسيط من الذكاء أن يكتشف ميل القيادات (السياسية و الإدارية و الفنية) للتعامل مع الفن المسرحي بقدر كبير من التوجس و القلق و القرف و التقزز و التخوين .. الخ. وهو ما ينعكس بشكل مباشر في رفض أي محاولة لتخليص الوضع المسرحي من شراك الماضي أو تحديد علاقته بالدولة المصرية، أو دعمه، أو التخلص منه حتى.
ومن المؤكد أن ذلك المتابع يمتلك الفطنة الكافية لإدراك الواقع الذي يشي بأن الدولة قد حسمت أمرها وقررت تعليق الوضع المسرحي لحين تحديد التوجهات السياسية والاقتصادية للنظام المصري – بعد تعديل المرجعية ودفعها نحو اليمين الديني – وهو ما ينعكس في عودة نموذج المهرجان بكل ما فيه من أجواء احتفالية و ترويجية مضلله ومخفية للأمراض المزمنة التي تعاني منها الحركة المسرحية ، فالمهرجان يشبه الألعاب النارية في توهجه و بريقه الذي يخطف الأبصار، يدفع الأعين للتعلق به ، لكنه سريعاً ما ينتهي و لا يترك سوى حنين لتلك اللحظات المتوهجة ومواد للدعاية و التضليل الأعلامي تغطي صفحات الجرائد و توفر مادة لوسائل الأعلام المرئية و المسموعة ، وقبل كل ذلك فإن المهرجان يوفر - الوقت و الزمن المناسب - لأي قوى سياسية ترغب في الظهور بمظهر الداعم للثقافة الرفيعة وقيم التحرر والمدنية .. الخ.
ولكن ربما يكون من الطبيعي أن يتساءل ذلك المتابع – الافتراضي-  عن الأدوار التي يقوم بها المهرجان في تنشيط الحركة المسرحية والعلاقة القديمة التي تربط بين المسرح والمهرجان منذ زمن المسرح الإغريقي ، وهو ما سوف يدفعه بالتالي للتشكك في موقفه من مهرجانات وملتقيات مسرحية مثل مهرجان (أفاق مسرحية) ، ذلك أن الموقف السياسي أو الأيديولوجي من النظام (القديم/الجديد) يمكن أن يضلل بصيرته ويدفعه لتشويه جهود زملائه الهادفة لدعم وتجذير التجربة المسرحية في مواجهة المد الديني الذي يهدف إلى الهيمنة على الفضاء الاجتماعي والسياسي عبر التأكيد على قوة وانتشار التجربة المسرحية واستغلال رغبة الدولة مهما كانت شريرة في دعم شباب المسرحيين. وقبل كل ذلك بالتأكيد القيام بالدور الأساسي للمهرجانات والمتمثل في اللقاء بين المبدعين والتجارب الفنية المختلفة بهدف تبادل الخبرات والتجارب.. الخ.
لكن ذلك المتابع سريعاً ما سيكتشف زيف كل تلك الإدعاءات وخداعها عندما ينظر لما هو أبعد قليلاً من الأجواء الاحتفالية، أليس من الطبيعي التساؤل عن من يوجه إليه الدعم ؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما هي الضمانات التي تجعل ذلك الدعم مستمر ومضمون ؟ وما هو المقابل ؟ وما هي المكاسب؟ ومن هو المستفيد ؟
للإجابة على تلك الاسئلة وغيرها ربما كان من الطبيعي النظر إلى أوضاع المسرح التابع للدولة – والذي يفترض أنه أكثر الأطراف المسرحية استفادة من تدخل الدولة في عملية الإنتاج – نحن هنا نشير بشكل مباشر إلى المسرح الاحترافي المتمثل في مسرح الدولة (البيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية) وكذلك للمسرح الإقليمي (مسرح الثقافة الجماهيرية) وأخيراً مسرح الهواة (الجامعات / مراكز الشباب .. الخ).
إن تلك المسارح التابعة للدولة يبدو وضعها شديد الصعوبة و التدهور فمن ناحية هناك عملية تداعي و انهيار للنظم التي تحملها عبر الإهمال والتضييق المالي و إفراغ الدور الذي يفترض أن تقوم به في دعم العمل الثقافي وتقديم الخدمة الثقافية.. الخ. ومن ناحية أخرى أفساد وإفشال أي محاولة لتطوير أو إعادة هيكلة تلك المؤسسات وتعمد واضح لتأجيل وتعطيل أي محاولة للتخلص من ميراث تلك المؤسسات التى تم تحجيمها ومحاصرتها في زمن النظام السابق ..ومنع الثورة من الوصول للمسرح.
وهنا يمكن أن نصل للإجابة على السؤال الأول : الى من يوجه هذا الدعم ؟!
لقد قررت الدولة تبني إستراتجية تهدف لتخليص الدولة من كافة مهامها المتعلقة بالدعم المباشر منذ أنطلق مشروع الخصخصة في التسعينيات من القرن العشرين، وهو ما تمثل في سحب يد الدولة – تدريجياً- من دعم الاحتياجات الأساسية ، وتبني نموذج متطرف من الرأسمالية .. وبالتأكيد فإن المسرح كان من أهم مجالات الدعم (الثقافي)، وعليه فإن الدولة ساهمت في نشر ثقافة العمل المدني (الذي ساهم في انهيارها السريع لأسباب ليس هناك مجال لذكرها هنا)، وقررت دعم الفرق المستقلة و الهاوية  بشكل يمكنها من سحب دعمها في أية وقت دون تبعات ، وفي مقابل ذلك ساهمت بشكل كبير في توجيه ضربات قاسية لمسرح الدولة عبر عزله عن تطورات الحركة المسرحية عبر سلسلة من قواعد المنع والحجب التي جعلته يتقوقع على ذاته ولا يستوعب الطاقات الإبداعية التي يفرزها الواقع ، وكذلك عبر سياسات الإفقار و الحصار التي ضربت المسرح المدعوم من الدولة في مقتل وجعلته موقع طارد (وهو ما تصاعد أخيراً مع عمليات الحصار المالي للفرق المحترفة ومنعها من إعادة هيكلة ذاتها بما يتوافق مع احتياجات الواقع ومتطلباته) .. وهو ما وصل إلى حد وقف الإنتاج في قطاع الفنون الشعبية بحجة عدم توافر ميزانيات للإنتاج.
يمكن بالتأكيد رصد التناقض المخيف بين ذلك الموقف للدولة من ناحية و إقامة مهرجان (آفاق مسرحية) على مسرح البالون من ناحية أخرى.
وبالتالي فإن التساؤل عن من يوجه إليه الدعم والأسباب التي دعت لذلك التحول أصبحت في متناول ذلك المتابع الذي يمكنه أن يدرك بشكل مباشر أن التخلص من مسارح الدولة يحتاج لجهد مضاعف بعكس تلك الكيانات المستقلة التي يمكن عزلها والتخلص منها بسهولة خاصة في ظل ضعف المجتمع المدني والكيانات المجتمعية التي يمكن أن تدعم العمل المسرحي ومحدوديتها في مقابل الكيانات المجتمعية ذات المرجعية الدينية التي تمتلك القوة والقدرة على القيام بأدوار تخديرية مثل بيع أسطوانات الغاز بأقل من سعرها أو دعم أسعار الغذاء أو فتح مستشفيات و عيادات تعوض انسحاب الدولة .
أما التساؤل عن (الكيفية) فمن المؤكد أن قطاع الإنتاج الثقافي يقوم بذلك الدور بشكل اقرب للمنح و العطايا التي يمكن أن تحجب في أي لحظة لو تغيرت توجهات الدولة.. وهو ما يجعل من الإجابة على التساؤل عن ضمانات إستمرار ذلك الدعم أقرب للآمال والأحلام لدى المسرحيين الذين يستفيدون بشكل مباشر من عمليات الدعم تلك سواء أكان أسمها قوافل الثورة أو موسم المستقلين أو مهرجان آفاق مسرحية.. الخ.
وهو ما يتضح بشكل مباشر في ذلك الاستنكار ووصف أمثال تلك السيناريوهات المطروحة هنا بأنها غير واقعية ومتشائمة ، والاكتفاء بابتسامة العالم ببواطن الأمور لمواجهة القلق الذي ينتج عن اكتشاف هشاشة الوضع . فالمكاسب مؤقتة والخسائر أكبر من طاقة أحد على الاحتمال.
يبقي أن نعرف من المستفيد ؟ وهذا السؤال ربما كان من السذاجة طرحه..فالمستفيد بالتأكيد ليس شخص أو مسئول أو حتى جهة... المستفيد أيها المتابع المسكين هو نظام كامل كان ولازال يحاصرك ويقتلك بطمعك وانتهازيتك المحدودة الأفق.


هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

يعنى سبب انهيار مسرح الدولة هو مهرجان آفاق مسرحية .. اللى تكلفة انتاجة 40.000ج ... يعنى ايام ماكان التجريبى والقومى بيصرفوا 15مليون جنية سنويا ،، ومهرجان جمعية هواة المسرح ( المهرجان العربى) (مازالت) بيصرف 90 الف جنية سنويا وبيحصل على دعم من قطاع الانتاج وصندوق التنمية فى توقيت واحد ( جهتين لوزارة واحدة) وللعلم لا تحصل الفرق المصرية على مليم منهم وحتى الفائز منهم جوائزه مجرد دروع وشهادات تقدير... والمهرجانات كتير لاحصر لها ومستمرة منذ سنوات عديدة .. الأن تاثر مسرح الدولة وارتج اوصاله وابتعد عنه الجمهور عشان مبلغ 40.000ج .... هل تعلم ان هناك مهرجان اخر فى نفس التوقيت يصرف اضعاف اضعاف اضعاف ماصرف على آفاق ولكن لا يسمع عنه احد .. ومستمر ياسيدى الفاضل المتابع للحركة المسرحية ... اين العيب ؟ فى اقبال الجماهير المنقطع النظير على عروض المهرجان ..ام المبلغ الضئيل الذى اقيم به المهرجان .. العيب ليس فى المنظومة ... ابحث عن الاشخاص ياسيدى الفاضل .. فالنجاح والفشل بنات أفكار الإدارات .. تحياتي

محمد مسعد يقول...

في البداية أعتقد أنه كان من الأفضل للتواصل أن أتشرف بأسمك .. فذلك سوف يجعل التواصل أفضل و أكثر قيمة (لي ولك ).. ولكن بما أنك تري أنه من غير الضروري أن تعرف عن نفسك فسوف أقوم بتخليق تعريف لك مستوحي من تعليقك ..
أنت من العاملين أو المشاركين في مهرجان أفاق وبالتالي فأنت لم تستطع أن تري سوي ما يهمك في مقالي .. ولذا أعتقد أنه من الضروري أن تعيد القراءة بدون وضع مصالحك الشخصية كحاجز بينك وبين المقال .. فأن وبمنتهي البساطة غير مهتم بمقدار الدعم أو حجم الحضور الجماهيري الذي تشير إليه .. كما أنني غير مهتم بالأشخاص .. فكل تلك أشياء عارضه وإلا كانت شخصية رئيس البيت الفني للمسرح على سبيل المثال يمكن أن تؤثر في الهيكل البنائي للبيت .. المهم هو الإرادات السياسية (لمجموعات ولإصحاب مصالح كالمسرحيين )و التوجهات التي تشكل السياسات من الثقافة .. وتلك لم تتغير حتى الأن بدليل كلامك فلازالت الوزارة تتبع نفس سياسات التدمير للحركة المسرحية التابعة لها أو التي تدعمها من خلال عمليات الدعم الغير محددة المعايير أو الأهداف وفي المقابل تدمير المؤسسات المسرحية القائمة دون إيجاد بديل

جوان إدوار يقول...

شكرا لردك ومبدئيا انا فعلا مشارك بعرض فى المهرجان وزى زى 254 فرقة قوامهم فوق ال8 تلاف فنان حر من كتير من محافظات مصر،ومنهم الاكاديميى والهاوى ، والغريبة ان حضرتك لاتهتم بكيان تأخذه مثال لاستمرار توجهات وزارة الثقافة زى ماحضرتك تفضلت وقولت ... نعم اعترف انى منحاز للتجربة لانى من الآلاف اللى استفادوا منها ونورت عليهم ، الغريب انه كما يذكر بالجرائد وزى مااعلن فى اجتماعات الفرق ان فى اهتمام من كثير المسرحيين بالدول العربية بالتجربة وعاوزين يطبقوها عندهم وحضرتك بتفترض انها احد دلائل استمرار توجهات وسياسات وزارة الثقافة ... سيدى كلنا فى خندق واحد ... وانت اعلم منى بالعدو الحقيقى للإبداع فى مصر فياريت تقترب من التجربة وتعرفها اكتر قبل الحكم عليها وادعوك لحضور عرضى فى الهناجر فى النصف التانى من ديسمبر وايضا عروض باقى الزملاء لترى بنفسك مدى الوعى الفنى والثقافى التى تتمتع به عروض المهرجان النهائى .. مدوا ييد العون لنا .. ففى القريب العاجل سنحتاج كلنا الى الرفيق الحقيقى امام تيار المد الاخواني .. اتمنى منك انت ايضا ان ترى مايهمك كفنان مصرى مهموم بمبدعى هذا الوطن كلهم وليس بعضهم..تحياتي

محمد مسعد يقول...

بالتوفيق لعرضك وأشكرك على الدعوة وبالتأكيد سوف أحرص على الحضور ...
إما بالنسبة للمهرجان فأنا أتمني أن ينجح وأن يكتب له الإستمرار ولكن في ظل رؤية عامة تهتم بدعم الفن المسرحي قائمة على أستراتجية واضحة ومعلنة.
وشكراً لك مرة أخرى

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...