الخميس، يوليو 26، 2012

البطل .. عرض تجاوزه الزمن


خلال ما يقرب من عام ونصف – هو عمر الثورة المصرية – برزت العديد من السمات المميزة لها ، لكن أكثر تلك السمات بروزاً كان عدم وجود (قائد / زعيم ملهم) يقود تلك الثورة ، وهو ما يعود بشكل أساسي إلي طبيعتها العفوية وتساوي القوي السياسية التي شاركت في فعاليتها بالإضافة لطابعها الشعبي ، وبالتأكيد فلقد أسهم النظام السابق في عدم ظهور قيادات ذات شعبية (أو نمو طبيعي لقيادة وطنية) عبر عمليات التشويه و المنع والحجب والإفساد التي مارستها ضد كافة العناصر التي كانت مؤهلة لتقوم بأدوار أو قيادية داخل المجتمع .وهو ما يصبح أكثر وضوحاً إذا ما أضفنا الدور التكنولوجي في الثورة (استخدام شبكة الانترنت) للدعوة والتواصل ، وبالتأكيد فإن الإنترنت يؤكد وعبر آليات عمله على الفردية والتمايز لكل مستخدم كما يؤكد على الطبيعة المتساوية لكافة أعضاء ذلك المجتمع (حتى لو بشكل جزئي).
بالمجمل لقد أسقطت الثورة المصرية نموذج (القائد / البطل) وأحلت محله نموذج المجموعة الشبكية التي تقوم على الأدوار المتساوية لكافة العناصر.. وبالتأكيد فإن ذلك النموذج المصري ليس الوحيد أو الفريد من نوعه في تاريخ الثورات (على مستوي الافتقار للقيادات) لكن قوة النموذج المصري تظهر بوضوح عندما نضعه في إطار الثورات المماثلة التى وقعت بالمنطقة والتي تبرز نهاية عصر كامل هيمن على تلك المنطقة .. عصر البطل القومي الأوحد .
 لكن ما مدي تلامس عرض (البطل) للمخرج أميل جرجس مع ذلك العالم الجديد الذي يتفاعل خارج ساحة الإدارة العامة للمسرح (منف) التي قدم بها العرض؟
ربما كانت الإجابة على ذلك السؤال تستدعي العودة إلي (نص العرض) والذي ينتمي للكاتب (عبد الغفار مكاوي) حيث يمكن أن نكتشف أن النص مكرس بأكمله لمواجهة نموذج القائد / البطل، وذلك عبر كشف شبكة الأكاذيب التي تصنع ذلك البطل من ناحية ، والتأكيد على عدم تمايز(البطل) عن بقية أفراد المجتمع بل على العكس فإن النص يحمل الكثير من الرغبة في السخرية والتقليل من شأن شخصية (حسن سيف/البطل) ونعتها بالبلاهة والغفلة لدرجة قيادته للوحش الذي يفرض أنه قد خرج ليقتله حتى باب منزله دون إدراكه لذلك.
وبالتأكيد فإن تلك الحملة العنيفة التي يشنها النص على نموذج البطل القائد تعطي العناصر الكافية للمتفرج كي يستطيع تأويل العرض ضمن وعيه التاريخي - الذي شهد خلال الفترة الممتدة منذ منتصف القرن العشرين وحتى بداية التسعينيات من القرن العشرين - بروز قوي لفكرة البطل القومي والزعيم والقائد .. الخ. فيصبح كافة الزعماء/ الحكام العرب ترديد لذلك النموذج الذي يقدمه النص (وفقاً للمعطيات التأويلية للنص)، والذي لم يكتف بالتأكيد عليها فحسب بل حاول التأكيد عليها من خلال الخطاب المباشر عبر مشهد محاكمة البطل، والتي ينتهي بإصدار حكماً بالإدانة النهائية على البطل في نهاية النص/العرض.
إن تلك الرؤية المناهضة والمكافحة ضد هيمنة القائد الفرد كانت ملائمة للظرف التاريخي الذي كتب فيه النص، لكنها اليوم بحاجة لإعادة التساؤل حول طرحها و علاقته بالواقع.ومدي ملائمة ذلك الطرح للواقع الذي يتفاعل خارج خشبة المسرح و يمتد إلي الخشبة عبر تلك الإشارات التي تتسرب من الواقع للعرض مثل جملة (أهلي وعشيرتي) التي تأتي على لسان بطل العرض (جلال العشري ) والتي تتماس مع جملة وردت في خطاب الرئيس المنتخب.
وكما يبدو من العرض فإن المخرج ومجموعة العمل الأساسية كانوا على قدر من الوعي بتلك المشكلة الأساسية التي تواجه النص ، وهو ما يتضح من خلال تأكيد المخرج على الطرح التحذيري للنص من تكرار الوقوع في أخطاء الماضي الذي أنتهي ، وأغلقت صفحته ولم يعد صالحاً إلا لأخذ العبرة والتعلم منه.
وربما كانت الاستعراضات التي قدمت كفواصل بين المشاهد ذات أسهام في ذلك التوجه للعرض برغم حالة العشوائية و انعدام الجدية بين أفراد فريق الراقصين .. والتي وصلت للضحك ومخاطبة الجمهور ..!!
ولكن وبرغم ذلك فإن الغناء المصاحب للاستعراض كان يندفع في سبيل التأكيد على طرح العرض .. حيث بدت الموسيقي والأشعار من أبرز العناصر الفنية جودة داخل العمل... على الرغم من عشوائية الرقصين.
ولكن هل كان ذلك الوعي بأزمة النص وابتعاده عن الواقع كافي لتقديم رؤية جديدة ومعاصرة لنص البطل ؟
إن الإجابة بالإيجاب على ذلك السؤال قد تصطدم بعدم قدرة عناصر العرض على تجاوز الطرح التقليدي للنص، فعلى مستوي الديكور والملابس تبدو الصورة المسرحية شديدة التقليدية و لا تحمل أفق للتعامل النقدي أو المطور لأفكار النص المسرحي ، حيث يؤكد الديكور على فكرة السور ولا يحاول تجاوزها برغم تنوع المشاهد المسرحية بين أكثر من مكان ، وهو ما يجعل من أسوار المدينة غير ذات معني في بعض الأحيان .
على مستوي أخر ربما كان الأثر غير الإيجابي للأداء التمثيلي – من بعض العناصر التمثيلية – قد أثر بالسلب في التواصل بين المتفرج و العرض.
بالمجمل فإن عرض (البطل) ورغم محاولة المخرج ومجموعة العمل (في مجملها) التخلص من أزمة النص ، إلا أن العرض ظل ورغم كل تلك المحاولات ، نموذجاً لشكل مسرحي أستهلك كافة إمكانياته وأصبح غير قادر على أنتاج ما هو جديد من خلال تلك العناصر التي يستخدمها (كنوعية النص، والاستعراضات ، أسلوب المعالجة الإخراجية على مستوي الأداء التمثيلي .. الخ)
إن عرض البطل يمكن أن يضاف لسلسلة طويلة من العروض التي يطلق عليها بين المسرحين (عروض الثقافة الجماهيرية) بسبب طبيعة الجماليات التي يقدمها، أو أسلوب المعالجة، أو طبيعة المتفرج المستهدف.. الخ
وهي نوعية من العروض ربما يكون الزمن قد تجاوزها وأصبحت في حاجة لإعادة المراجعة.

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...