الثلاثاء، يناير 10، 2012

بدلة سموكن الطريقة المضمونة لقتل داريوفو وأنت تبتسم




تظل أزمة فرقة المسرح الكوميدي الشاهد الأكبر على معاناة مسرح الدولة سواء على مستوي أختيار النص المسرحي المتوافق مع طبيعة الفرقة والمعبر عن فلسفة مسرح الدولة وتوجهاته ، أو على مستوي طبيعة العرض الكوميدي وأليات إنتاجه و المصادر التي يتم العودة إليها لإستحضار تلك التقنيات .
ولعل العرض الجديد للفرقة على خشبة المسرح العائم عرض (بدلة سموكن) للمخرج (عادل أنور) نموذج مثالي لتجسد تلك المشكلات ونقاط الضعف الخاصة بالفرقة والتي يمكن أن تكشف لنا عن الأزمة الكبيرة التي يعانيها مسرح الدولة بشكل عام والمسرح المصري إذ ما وسعنا من طموحنا لرؤية الواقع المسرحي .
لعل أول ما يثير الإنتباه في عرض (بدلة أسموكن) هو ذلك العنوان الفرعي الذي وضع على البوستر والواجهة الإعلانية الخاصة بالمسرح ، فأسفل عنوان العرض توجد إشارة للمصدر الذي تم الأخذ عنه (عن داريوفو) كما لو أن المخرج يرغب في جذب متفرج نوعي ، متفرج يعرف من هو الكاتب المسرحي الإيطالي (داريوفو) ويمتلك الخبرة المسرحية التي تمكنه من إدراك أنه أمام عرض مسرحي ذو طبيعة كوميدية تحمل صبغة أيديولوجية وفي إطار تقني يقوم على تقاليد الكوميديا الإيطالية المرتجلة (الكوميديا ديلارتي) بكل ما تحمل من نزوع فانتازي في بعض الأحيان وتحرر في إستخدام تقنيات الكوميديا اللفظية والتنميط الجسدي .. الخ
وبالتأكيد فإن ذلك المتفرج النوعي .. سوف تصله رسالة أخري من اللوحة الإعلانية تتعلق بدور المخرج في نزع الإطار الإيطالي الخاص وتمصير النص ليصبح ملائماً للثقافة المصرية وبالتالي فإن هذا المتفرج سوف يتوقع أنه سوف يشاهد مزجاً بين تقنيات الكوميديا المصرية (أو أساليب الكوميديا الشعبية ) وبين تلك التقنيات التي سوف يدفع بها النص الأصلي والتي ترتبط بتقنيات وأسلبة (الكوميديا ديلارتي) .
ولكن كل تلك التوقعات التي تشير إليها اللوحة الإعلانية سوف تسقط بالتأكيد بعد إنتهاء العرض .. لعدة أسباب أولها بالتأكيد هو ذوبان أي أثر لداريوفو أو للتقنيات الخاصة بنصوصه أمام ذلك الزحف القوي والعنيف لتقنيات الكوميديا الخاصة بالكوميديا الشعبية المصرية والتي تطورت مع مسارح القطاع الخاص وأصبحت تمتلك نموذجاً قد يبدو متطوراً في بعض الأحيان وقد يبتذل في أحيان أخري ويتحول إلي تبادل للسباب و والإشارات والنكات الجنسية .. لكنه وعلى كل حال أصبح منقطع الصلة بأصوله الشعبية ومنفصل عنها .
وبالطبع فإن أعتماد المخرج (عادل أنور) على أساليب القطاع الخاص وتخليه عن كافة التقنيات التي يقدمها داريوفو جعلت من الطبيعي أن ينمو دور الممثل في تشكيل العمل توافقاً مع طبيعة التقنيات وتوجهاتها ، وبالتالي أصبح كل الممثلين بداية من البطل الرئيسي (وائل نور/ صابر) وحتى الأدوار الصغيرة والمساندة ملزمين بالإجتهاد والتفكير لتشكيل الأنماط التي سوف يقدمونها ، خاصة وأن نص العرض لا يقدم سوي أطر خارجية لأنماط (العاهرة /نورا السباعي) (المدير المتسلط/ عزت بدران) (الشرطي الغبي/ أيمن أسماعيل) .. الخ وذلك دون وجود أدوار محددة أو علاقات عقلانية بين الشخصيات.
وهو ما أدي في النهاية إلي نص مسرحي مفتت وهش تمت تنميته وتشكيله بعيداً عن خطة مسبقة أو رؤية محددة للعالم فأصبح ظهور وأختفاء شخصية مثل (ضابط أمن الدولة / أشرف عبد الفضيل) أمر لا يرتبط بحتمية درامية أو بتخيل واضح لشبكة علاقات النص المسرحي .. بل أصبح ظهورها غير مبرر وغير عقلاني من الأساس في كثير من الأحيان .. كما أصبح وجود الشخصية عديم الجدوي على خشبة المسرح في أحياناً أخري.
كذلك فإن حالة البحث المستميته عن أضحاك الجمهور جعلت بعض المشاهد مفرغة من المعني وغير محددة الهدف كما هو الحال في المشهد الطويل بين شخصية صابر وشخصية العاهرة بعد إرتداء صابر للبدلة ..
وبالتأكيد فإن هذا الإرتباك أمتد من الحدث الأساسي الذي يتمثل في الظهور المفاجئ لشخصية (رجل الأعمال/ مصطفي درويش) الذي يقفز من نافذة إحدي الشقق عارياً هرباً من زوج السيدة التي كان بصحبتها وما يلي ذلك من أتفاقه مع (صابر عامل النظافة الحاصل على مؤهل عالي) على إيجاد بذله سموكن له لإخراجه من أزمته ..
إن تلك الأزمة تأتي متأخرة كثيراً رغم كونها الحدث الدرامي الأساسي ، وبالمقابل أستغرق المخرج أكثر من ثلث العرض في أستعراضات راقصة و أستعراض مطول لحياة صابر وعلاقته الغرامية الفاشلة مع خطيبته السابقة (ليلي / تيتانا) وعرض للأنماط التي تتواجد بالحي الفاخر الملئ بالسفارات ليلة رأس السنة وكذلك عرض للتهديد الإرهابي المحتمل .. والمذيعة التلفزيونية (إنجي عبدالله) التي  تسجل إنطباعات الناس في ليلة رأس السنة .. الخ .
إن كل تلك الخطوط الدرامية لم يتم تطويرها بل توقفت فجاءة وسط حالة من الفوضي التي سيطرت على النص عرض فأصبحت غير ذات قيمة للدرجة التي أصبح معها حالة التهديد الدائمة بالتفجير الإرهابي تخفت تدريجياً  بشكل جعل من وجودها عبء على العرض في النهاية كون ذلك الخيط الدرامي لم يستخدم.
ويمكن قياس بقية الأحداث على هذا المنوال .. بل أن موضوع البحث عن البدلة نفسه يصبح غير واضح المعالم وغير مبرر إلا عبر الجمل الخطابية التي ينطق بها  (صابر/ وئل نور) والتي تبدو مناقضة للسياق الهزلي والفوضوي والعشوئي الذي ساد نص العرض والذي كشف عن عدم وجود رؤية واضحة أو محددة  يمكنها جمع تلك الأحداث العشوئية والمصادفات كالدخول والخروج العشوئي للشخصيات وعدم وجود مبررات درامية لظهور شخصية الموسيقي صاحب البدذلة (علاء زينهم) أو أختفاء شخصية عامل النظافة الصعيدي (زيكو/ سيد الشرويدي ) ..
وبالتأكيد فإن تلك الحالة من الفوضي قد أنتقلت إلي العرض .. فأصبحنا أمام خطاب مرتبك وغير محدد ينفجر في صورة خطب تتناول أوضاع الوطن كمحاولة لجمع شتات النص وتحديده في خطاب يمكن مواجهة المتفرج به .
بالمجمل ربما يخرج المتفرج العادي غير غاضب فالعرض يقدم الصورة النمطية للمسرح التي تكونت في ذهن المتفرج (رقص .. غناء .. نكات .. أحاديث خشنة وفاضحة .. وأستخدام المرأة كعنصر جنسي)
لكن هل تلك هي طبيعة النصوص التي يتوجه نحوها المسرح الكوميدي .. وهل تلك هي تقنيات تفجير الكوميديا الوحيدة والممكنة في عرض كوميدي من أنتاج مسرح الدولة ؟!
أظن أن تلك ليست مهمة فرقة المسرح الكوميدي ..
شيء واحد يمكن للمتفرج النوعي الذي أشرنا إليه في ما سبق الخروج به من عرض بدلة سموكن .. درس بسيط ولكنه قوي مفاده .. إذا أردت أن تفسد شيء ما يجب عليك أن تشيع فيه الفوضي وتخرب كل علاقاته البنائية .

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...