الخميس، أبريل 28، 2011

عن جان فيلار ومسرح الدولة




يقول جان فيلار : إن عصور المسرح قد كانت أيضاً عصور الفرق الكبري الدائمة.
لا أظن أن هناك من يملك في مصر القدرة على أن يتحدث عن فرق كبيرة وذات طابع احترافي خارج البيوت الفنية التابعة لوزارة الثقافة.. فوزارة الثقافة المصرية هي الجهة الإنتاجية الأكبر والأهم وهي الممتلكة لفرق دائمة وكبيرة ممتلكة لجهاز إداري وكوادر فنية إلي جانب دور عرض مملوكة للدولة وتحت تصرف هذه الفرق.
إننا إذاً أمام عصر من عصور ازدهار المسرح.. أليس كذلك ؟
يبدو أن الإجابة ستكون بالسلب.. فهناك فرق كبير بين الكلمات المأثورة والرنانة وبين الواقع الذي يفرض ذاته علينا والذي يكشف عن أن الفرق الكبيرة في مصر هي أكثر الفرق فشلاً وأنه كلما تمتعت الفرقة بقدر من الاستقرار لكوادرها وظيفياً تحطم مفهوم الفرقة  وتحولت إلي مجموعة من الموظفين غير المكترثين بمهنة المسرح التي تفترض التدريب الدائم والمستمر وإعادة هيكلة النظام الإنتاجي وعلاقات الإنتاج كلما أصبحت تلك العلاقات غير قادرة على أن تقوم بدورها ..  أو كلما شاب النظام الإنتاجي قدر من القصور عن متابعة فن المسرح الذي يحيا يوم بيوم ويتشكل مع الواقع ومتغيراته لحظة بلحظة .
لقد فشلت الفرقة المسرحية الكبيرة في مصر في تلك اللحظة التي فقدت فيها هويتها.. فشلت عندما تخلت عن دورها كفرق مسرحية حية تهدف لإنتاج عروض مسرحية تسهم في مشروع الدولة الثقافي.. وفشلت أيضاً عندما تخلت عن دورها الذي قامت من أجله وهو تقديم المسرح كخدمة عامة (مثل الماء والكهرباء)... وفشلت قبل كل ذلك عندما تخلت الدولة عن مشروعها الثقافي وأصبحت تتعامل مع الفرق المسرحية بذات القواعد والقوانين التي تنظم عمل إدارة حكومية غير إنتاجية...
يبدو أنه كلما توغلنا أكثر في رؤية الواقع كلما اكتشفنا مدي فراغ وفشل جملة فيلار التي تبدو عالقة في فضاء التأمل للظاهرة المسرحية في أوربا وليس في مصر التي تعثرت منذ نهاية القرن التاسع عشر نتيجة الهزائم المتكررة للطبقة الوسطي في تحقيق مشروعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .. وهو ما نتج عنه بالتالي عدم قدرة المسرح على التأصيل لمفهوم الفرقة المسرحية (سوي لفترات قليلة ومتقطعة) كرد فعل لفشل المجتمع في تكوين مشروع نهضوي والعمل عليه بما يكفل وجود وعي بالظاهرة المسرحية كاحتياج وليس كما هو الحال الآن .. حيث تتزايد نظرات الاحتقار والتسفيه للمسرح والفنون بصفة عامة سيادة التفكير الرجعي بكافة صورة سواء الدينية أو الاستهلاكية.
ولكن هل فعلاً تشغل الفرق الصغيرة وغير المستقرة الواقع المسرحي وتقوم بالأدوار التي تقوم بها الفرق الكبيرة من دعم لاحترافية المسرح وما يتبع ذلك من نمو للظاهرة كمهنة وقيامها بأدوارها الاجتماعية والثقافية .. الخ ؟
يبدو أن الإجابة ستكون بالسلب أيضاً.. فالمسرح يحتاج دائماً لفرق كبيرة ودائمة وهو ما يعني أننا أمام خيار بين انتظار اللحظة التي تنمو فيها بعض الفرق الصغيرة  وتتحول لفرق كبيرة وهو خيار غير مؤكد وبين أن نحاول تفعيل تلك الفرق الفنية الموجودة  فعلاً وتحويلها لفرق مسرحية بمعني الكلمة .. وهو ما لم يزل في يدنا حتى الآن لكنه خيار يحتاج لإعادة هيكلة تلك الفرق ومواجهة خيارات صعبة لكي تعود إلينا فرقاً مسرحية بالمعني الحقيقي للكلمة... وحتى نخرج من معضلة فيلار

هناك تعليقان (2):

مصطفى بوري .. الجزائر يقول...

لم أجد في كل المقالات التي قرأتها عن المسرح في بلدنا ما يغنيني عن التفكير أكثر في حالة الانسداد الفني الذي يعيشها المسرح في الجزائر مثل هذه المقالة.. إن فيلار هذا قد أشبع حاجتي في تساؤل عميق يراودني منذ سنين.. شكرا لكم.

محمد مسعد يقول...

شكرا أستاذ مصطفي على أهتمامك وخالص تمنياتي لكم بالتوفيق

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...