السبت، يونيو 19، 2010

الوضع صامتاً.. وتقنيات مناقضة للخطاب العرض

 

ربما كان عرض الوضع صامتاً نموذجاً لتنامي تكنيكات ما بعد الحداثية في المسرح المصري وبقاء أزمات وخطابات الواقع المصري بما يخلق خليط شديد التعقيد يمكن أن يرسم لنا طبيعة نمو غير متوازن داخل فئة اجتماعية أصبحت ممزقة بين وعي ثقافي وجمالي منفصل عن ثقافة مجتمعها المحيط من جهة ومجتمع يمتلك القدرة على اختراق خطابات تلك الفئة – بحكم كونهم أعضاء فيه في النهاية -  ويطرح أزماته .

ويمكن ومنذ بداية العرض أن نري طبيعة التداخل في ما بين تلك التكنيكات الأدائية و الدمج التفاعلي بين عدد من الفنون والأساليب والمدارس الفنية في العرض .. فنحن نجد ومنذ بداية العرض ميل واضح نحو التأكيد علي الطبيعة المسرحية للعرض من خلال اعتماده لفضاء متعدد بداية من صالة استقبال الجمهور بمسرح العرائس وصالة المتفرجين وخشبة المسرح بالطبع.. وهو ما يتأكد كذلك من خلال الحضور الحي للمؤلف الموسيقي والعازف والمغني / محمد حسني في صالة العرض.

أن ذلك التأكيد على المسرحة يكشف للمتلقي طوال الوقت حضوره وتعاينه كمشارك في عملية التشذيب والإدماج داخل إطار عالم المحدد بخطاب واضح ومباشر (المتعة لا الاستماع أو المشاركة الإنسانية ) وهو الخطاب الذي يطرحه (رأفت البيومي/ صاحب السترة السوداء) بشكل مباشر للمتلقي كتعليمات كما يمارسه كفعل ضد كل من (محمد فؤاد / المرتدي للون الأحمر ، ميريت ميشيل/ المرتدية للأحمر والأسود) . 

إن ذلك الحضور الدائم والتأكيد على حالة المسرحة ربما يكشف لنا ومن خلال مصادره التقنية عن ميل لمواجهة أيديولوجيا الطبقة البرجوازية كما هو الحال عند معظم تنويعات تحطيم الفصل بين مساحة التلقي ومساحة الأداء بداية من بريخت .

وفي مقابل ذلك الحضور المناهض لجماليات التلقي لدي الطبقة البرجوازية (بشكل عام بالتأكيد) فإننا نجد أن العرض يلجا إل مجموعة من التكنيكات التي ترد بشكل مباشر إلي مسارح ما بعد الحداثة الأوربية كما نجد في ذلك التفاعل بين الحركة اليومية والاعتيادية والحركة الراقصة المستمدة الرقص الحديث بحيث يتم الكشف أزمة الجسد بين أنماط السيطرة الاجتماعية على الجسد من جانب ورغبة الجسد على التخلص من تلك السيطرة من خلال التعبير الجسدي المتحرر من لغة الجسد الاجتماعية والذي يشكل لغته الخاصة  والذي يقدم شفرات لا يمكن للمتلقي تفسيرها من خلال قاموس لغة الجسد الاجتماعية .

ويضيف محمد فؤاد إلي ذلك التفاعل بين تيارات مختلفة من المسرح الراقص (وهو ما يكشف عن تأثره بتيارات الرقص المسرحي ما بعد الحداثية ) تفاعل مع اللغة المنطوقة والتي تناهض هي الأخرى بالتبعية طبيعة اللغة في المجتمع سواء من حيث انفصالها اللغوي(استخدام الفصحى) ومن حيث طبيعة الموضوعات وطرق صياغتها ..

إن ذلك يكشف عن ميل واضح لدي العرض نحو تخليق عرض مسرحي يقوم على تقاليد تيار ما بعد الحداثة ويعبر بالتالي عن مجتمع ما بعد حداثي بالتبعية ..

أن ذلك يقودنا نحو العزلة الثقافية التي يعاني منها العرض على مستوي العلاقة مع المتلقين.. عزلة يؤكد عليها العرض من خلال حالة التجريد على مستوي الديكور (حمادة العبد) والذي يكشف عن رؤية تشكيلية واعية لفضاء المسرح .

وقبل كل ذلك تتكشف تلك التقنيات والأساليب ما بعد الحداثية من خلال نمط الأداء الذي يقوم على استخدام طبقة صوتية متوسطة والبعد عن التنوع الأدائي الذي يستخدم في العروض التقليدية .. ولعل ذلك ما حقق جزء من نموذج تفكير العرض القائم على مناقضة تقنيات الأداء التقليدية التي تعني بالتعبير عن الشخصية بشكل واقعي من ناحية وتكوين نمط جمالي يقوم على إيقاعية أدائية ثرية غير رتيبة .. لكن العرض يتجه للرتابة الأدائية بشكل يكاد يكون قصدي في أغلب الأحيان .

ولكن لنعد لمقدمة تلك المقالة ...

أن أزمة فئة مثقفة ومنعزلة عن مجتمعها يمكن أن تتكشف في هذا العرض بجلاء من خلال خطاب العرض الانفعالي والعاطفي الطارح لكيفية قمع حرية الإنسان والذي يتأكد في نهاية العرض من خلال العودة إلي قاموس تشفيري غير منتمي لقاموس العرض من خلال مشهد الخرس أو تكميم الأفواه بالشرائط اللاصقة .

إننا نتحدث أذن عن عرض كاشف عن تداخل بين تقنيات عروض ما بعد الحداثة بنمطها الأوربي (والتي تشكل مرجعية العرض الجمالية والفكرية) من ناحية ولا وعي منفصل عن ذلك التقنيات يتفجر من خلال هوامش العرض ويتفجر في أي نقطة ضعف .

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...