ربما كان أول ما يثير المتلقي لعرض (صالون مدام إيمان) - والذي قدمته المخرجة يسرا الشرقاوي ضمن فعاليات اللقاء الأول مسرح الشباب – هو طبيعة العرض القائمة على نفي الحضور المباشر والمتعين للذكر من خلال عدم وجود عناصر تمثيلية من الذكور من ناحية وهيمنة (يسرا الشرقاوي/أمرآة ) مراكز السلطة داخل العرض (الإخراج والتأليف إلي جانب التمثيل) من ناحية أخري .
إن تلك السمات المميزة التي يمتاز بها العرض يمكن لها إثارة فضول المتلقي لاستكشاف العرض كمنتج فني غير تقليدي من حيث تراجع هيمنة الذكر على العرض بما يعنيه ذلك من تراجع لهيمنة الخطاب الذكوري الذي يتسرب من العروض التي ينتجها الذكور بشكل عام وما يمكن أن تؤدي إليه سيطرة المرأة من اختلافات في بنية العرض وطبيعة خطاباته التي يطرحها وما يستتبع ذلك من تقنيات فنية يمكن أن تلجا إليها المخرجة/ المؤلفة لكي تتمكن من طرح خطابها البديل الذي قامت في سبيل التعبير عنه باختراق مجال يهيمن عليه الذكور بشكل كبير مثل (المسرح) والذي يمكننا أن نؤكد على هيمنة الذكور عليه من خلال العديد من الأسباب أهمها بالتأكيد طبيعة المسرح كحدث اجتماعي يعكس أفكار المجتمع وتراتبيات السلطة داخله إلي جانب نظرة المجتمع للمرأة وطبيعة علاقة المجتمع بالفنون ومصنعيها .... الخ.
ويمكن أن يتأكد ذلك الفضول من خلال محاولة العرض الاقتراب من عالم المرأة ومشاعرها وأحتياجتها العاطفية والجنسية .. وهو ما يعني وعلى المستوي الأول وعي العرض باختلافه وتمايزه ومحاولته استغلال ذلك التمايز من خلال البحث عن أكثر المناطق حساسية في علاقة المرأة بالمجتمع والتي تعد مركز الهيمنة الذكورية على المرأة (الهيمنة والوصاية الجنسية).
ولكن وعلى مستوي أخر فإن العرض لا يبتعد في كثير أو قليل عن تلك الرؤية الذكورية للمرأة والتي برزت في العرض من خلال تحول الرجل إلي مركز تتلاقي فيه كافة الخيوط الدرامية الكثيرة والمتنوعة التي يقدمها العرض عبر اعتماده على مقطع عرضي في تاريخ صالون التجميل المملوك لشخصية مدام إيمان . وهو ما يعني كون ذلك المكان النسائي وعبر تاريخه الممتد قبل بداية العرض وبعد إغلاق الستار سيستمر في التمركز حول الرجل والبحث عنه.. وهو ما يعني هنا أن العرض يرسخ ومن خلال تعدد شخصياته وأزماتها التي تتقاطع أحياناً وتتباعد أحياناً للمقولات الذكورية القائلة باحتياج المرأة لوجود الرجل كمركز تستمد منه القوة ويكمل لها ذلك النقص الذي هو أصيل في تكوينها .
ولكن يبقي السؤال الأساسي حول الطريق الذي سار فيه عرض يقوم على مناهضة الهيمنة الذكورية لكي يصل في النهاية لترسيخ الخطاب الذكوري .. وهو ما يعني التساؤل عن الكيفية التي تم من خلالها اختراق العرض من قبل الخطاب الذكوري ؟ ولعل ذلك ما يستلزم منا دراسة العرض من خلال أكثر من مستوي .
من الذي يحكم العالم ؟
لنعد إلي الأسئلة الأولية والمبدئية التي يمكن أن يثيرها عرض (صالون مدام إيمان ) والتي يمكن أن يكون مدخلها الأساسي هو ما الموضوع الذي يحاول العرض التعامل معه ؟
للإجابة على ذلك السؤال ربما من الأفضل لنا أن نسير في اتجاهين متقاطعين الأول نص العرض والثاني يتمثل في تعامل المخرجة مع العلاقات التي يطرحها النص على مستوي الصورة.
وعلى المستوي الأول يمكن أن نجد - وكما سبق أن أشرنا - مقطع عرضي من تاريخ صالون تجميل تعمل به العديد من الفتيات والسيدات بحيث تختلف كل واحدة منهم عن الأخريات في السن والحالة الاجتماعية ودرجة الجمال ... الخ.. وهو ما يؤشر على وجود ميل من النص لتأمل وضعية المرأة بشكل عام وعابر للاختلافات التي تفصل بين النساء وتخلق لكل منهن أزمتها الخاصة ... ولعل ذلك ما يتأكد من خلال دمج النص لشخصيات من طبقات اجتماعية أخري لعالم النص (مدام أيمان/ يسرا الشرقاوي – العروس / مرمر أحمد – إلي جانب شخصية شوشو/ مريم رضا والتي يوحي النص بكونها تنتمي لطبقة اجتماعية مرتفعة) وهو ما يعني بأن النص يراهن من خلال تلك المجموعة الكبيرة من الشخصيات (تسعة) أن يفتح مجال لتأمل أزمة المرأة كجنس وليس ككائن اجتماعي .
نحن نتحدث أذن عن عرض طموح وأقرب لطريقة التفكير الراديكالية داخل التيار النسوي والتي تري أن أزمة المرأة هي أزمة جنس تعرض للقمع والتهميش عبر التاريخ من خلال الثقافة الذكورية التي سادت العالم بعد انتهاء العصر الأمومي ..
ولكن لنتقدم خطوة أخري ..
يقوم النص على حدث مركزي هو تجهيز (العروس) للزفاف من رجل متزوج ومن خلال ذلك الحدث الأساسي يقوم النص بتخليق شبكة من العلاقات التي تربط كافة الفتيات والسيدات العاملات في الصالون بذلك الحدث الذي يكشف عن عمق الأزمة التي تعاني منها كل شخصية على حدا .. ولعل ذلك الاختيار يكشف عن سيطرة الرجل على العالم الدرامي وحضوره الطاغي في كافة أرجاء العرض المسرحي دون أن يتعين فوق خشبة المسرح في صورة شخصية درامية محددة.. وهو ما يثير أزمة أطرافها كون النساء متعددات ومختلفات بين الرجل يقدم من خلال العرض كتجريد مثالي يمتلك القوة والقدرة على فعل كل شيء تقريباً.. فهو الخير والشر والحقيقة والكذب.. باختصار أن الرجل هنا يكتسب سمت ميتافيزيقي يرتفع به فوق واقع تلك النساء المشتقات لوجود الرجل والمتصارعات علي حيازته....
من تلك النقطة تقريباً يبدأ العرض الابتعاد عن الطريق السابق ويتحول لتمجيد الرجل والبحث عنه والتأكيد على فشل المرأة في التخلص من سلطته لكونها قدرية بداية من الحاجة الجنسية ووصولاً إلي الاحتياج العاطفي والاجتماعي.
ويتأكد ذلك على مستوي العرض من خلال غياب الرجل كمتعين فوق خشبة المسرح وعدم وجود أماكن ذات ثقل أو أهمية خاصة فوق خشبة المسرح فالشخصيات لا تتحرك فوق خشبة المسرح إلا في أضيق الحدود وللهروب أو البحث عن مخرج من أزمتها مع الرجل الغائب ... وهو ما ينعكس بشكل مباشر في مستوي تحليل العرض على كون المكان الدرامي شديد الخفة وغير قادر على تكون مرتكزات قوة داخله لغياب مصدر القوة والسلطة (الرجل).
ولعل ذلك ما يتأكد في حالة المناجاة التي تدخل فيها معظم الشخصيات لذلك الذكر الغائب حيث نجد أنها تتحرك بقدر عالي من التردد والقلق ولا ترتكز إلا في لحظات قليلة أهمها لحظة مخاطبة الرجل داخل المناجاة بشكل واضح وصريح.
ومن خلال ذلك يمكن لنا ان نري تلك السلطة المطلقة للذكر والتي يمكن أن تؤكد على تحكمه في العالم .
ظلال للرجل
ربما كان الرهان الأكبر لعرض يسرا الشرقاوي(صالون مدام إيمان) هو تأمل وضعية المرأة داخل المجتمع الذي يجبرها على قبول هيمنة الرجل عليها وتحويلها من كائن يمتلك حقوق مساوية لسلعة استهلاكية يمكن استبدالها وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال طموح العرض لمناقشة تلك القضية من خلال مثلث الزوجة الثانية (العروس/ الزوجة الثانية ) (أم ريهام/ أم الفتاة التي ستصبح الزوجة الثانية – أيه خميس ) و(حنان / الزوجة المهددة بأن يتزوج زوجها من امرأة أخري – هلا إبراهيم) .
إن ذلك المثلث وكما يبدو يعرض لمجموعة من القضايا حول العنوسة والظروف الاقتصادية وعلاقة المرأة بمحيطها الأسري .. الخ. كما يطرح أيضاً نموذج مثالي لكيفية تسليع المجتمع للمرأة وتحويلها لموضوع تبادل بما ينفي عنها إنسانيتها.
إن ذلك المدخل الأساسي للعرض كان من الممكن أن يفسح المجال بشكل كبير أمام العرض لتأمل وضعية المرأة داخل ثقافة المجتمع الأبوي ولكن يبدو أن ذلك الرهان قد فشل في التحقق نتيجة لعدم التعامل بعمق بنظرة تحليلية لذلك الموضوع وهو ما جعل الأمر ينعكس بشكل واضح من خلال تحول العرض إلي تبني نموذج الفكر الذكوري .. وتحويل موضوع الزوجة الثانية من نموذج كاشف للمجتمع الذكوري وكيفية قمعه للأنثى إلي دعم الهيمنة الذكورية من خلال التأكيد على فشل الأنثى في الحياة بدون ذكر .
أن ذلك موضوع الزوجة الثانية وكيفية تعامل العرض معه يمكن أن يطرح لنا أزمة العرض الأساسية وهي المرور العابر والسريع الذي أفقد العرض القدرة على التأمل الجمالي لتلك القضايا.. وهو ما يكشف عن كون العرض قد تعرض على مستوي النص للكثير من القضايا بشكل متعسف وسطحي يتضح في تكرار استخدام النص لمستوي وعي الشخصيات لكشف أزمات الشخصيات ومواقفها لعدم قدرته على الكشف عنها من خلال مستوي علاقات المستوي الأساسي (الصالون/ علاقات مجتمع النص).
وعلى الرغم من كل ذلك فإن العرض قد أستطاع أن يحقق قدر عالي من التفاعل مع الصالة من خلال مجموعة الممثلات وبشكل خاص (دينا محسن/ هدي) التي منحت للعرض الكثير من الحيوية من خلال مهارتها الكوميدية التي استخدمتها المخرجة بشكل جيد لتحقيق قدر من التواصل مع المتلقين.
وبشكل عام فإن العرض وبرغم كل ما يعانيه من نتائج المعالجات السريعة فإنه يمكن أن يهب بعض الأمل في النهاية على كون المسرح المصري قد يربح في المستقبل مخرجة مسرحية جيدة ومجموعة من الممثلات الموهوبات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق