الأربعاء، مايو 12، 2010

حرب باعة الصفارات وباعة الفراشي .. عرض طموح لنص قديم


في العادة ما يتمتع العرض المسرحي بميزة تفضيلية تتمثل في علاقته المباشرة مع المتلقي وتقاطعه معه في الزمان والمكان.. وهو ما يسمح له بتخطي الكثير من الأزمات التي تعاني منها الفنون - شكل عام -  نتيجة لانفصالها الزماني والمكاني عن متلقيها.. أنه فن حي يحيا هنا والآن.

ولكن بالمقابل فإن المسرح يعاني من قدرية الزوال مع لحظة غلق الستار.. فهو يذوب ويختفي ويصبح من المستحيل استعادته ..

ولذلك كثيراً ما تراوحت الكتابة المسرحية بين اتجاهين أساسيين أولهما النصوص التي تحاول أن ترصد المشترك الإنساني الممتد والبحث عن استكشاف ماهية الكائن البشري وأزماته الوجودية..   أما الثاني فهو النصوص التي تحاول إن تمسك باللحظة المشتركة بين المسرح والمتلقي وأزمات الواقع الراهنة.

وإلي الاتجاه الأخير ينتمي نص عرض "حرب باعة الصفارات وباعة الفراشي" فهو نص ينتمي لزمن الحرب الباردة بين القطبين الشرقي والغربي .. ولعل ذلك ما يتجلي في كافة أرجاء النص الذي يشير وبشكل ساخر لتلك الحرب العبثية التي قادت الكوكب لحافة الفناء ودفعت بالجنس البشري - خلال بعض مرحلها-  إلي أن يواجه إمكانية نهاية وجوده .

ومن هنا يمكن لنا أن نري الطريق الشائك الذي سار فيه عرض " حرب باعة الصفارات .." ، ذلك أنه قد أصبح يواجه خطر التخلف عن مواكبة الواقع الذي يحيا فيه متلقيه .. وأن يفقد تلك الميزة التي تميز الفن المسرحي بشكل عام ...

إن ذلك التحدي الذي نشير إليه ربما كان هو الدافع الأساسي لدي المخرج (شريف صلاح الدين) للتحايل على تلك الأزمة عبر تخليق عالم بصري مليء بالألوان والتشكيلات البصرية التي ترغب في تصنيع خطاب بديل وملائم لأطروحة النص التي فقدت حياتها مع زوال الحرب بين القطبين ونهاية المعسكر الشرقي.. وعليه صار من اللازم على العرض أن يقدم من خلال زمنه ما يعيد تشكيل الخطاب وتنمية في اتجاه يقود العرض لطريق بديل يمكنه من الإتصاق مع جمهوره والتواصل معه .

عالم من المهرجين        

إن أول الطرق التي سار فيها عرض (حرب باعة الصفارات..) هو تحويل معظم شخصيات النص من خلال الملابس والمكياج إلي صورة مهرجي السيرك وهو ما أكد عليه العرض من خلال التصميم الحركي الذي قام به المخرج لحركة الشخصيات وأنماط العلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض .. وبالتأكيد فإن ذلك التحويل قد ساق العرض في طريق كان من الممكن له أن يقوم بتنمية خطاب بديل للعالم الدرامي خاصة من خلال مناقضة تلك السمة السائدة في ملابس وشخصيات العرض من خلال تصنيع مجموعة مقابلة ترتدي الملابس الرسمية وتضم الرؤساء (دينا أبو عتاب، محمد عزت ، مصطفي فضالة).

إن ذلك التقسيم كان هو الطريق البديل الذي حاول العرض أن يسير فيه على المستوي البصري.. وهو تقسيم يطرح فكرة تقوم على فصل العلاقة بين القائد (أو الزعيم) من ناحية والمجتمع الذي يتبعه من ناحية أخري .. ولكن نظراً لغياب المجتمع من النص (كمتعين) فلقد لجاء المخرج لتحويل عناصر النظام (الوزراء.. ونجمة السينما ورئيس التحرير المتنكر في صورة سيدة) لمهرجين للتأكيد على تلك الرؤية في حين حاول طرح المجتمعات التي يتم التلاعب بها من خلال الديكور .

ولكن هل كان ذلك كافياً لتحويل خطاب النص .. من الواضح لم يكن كافياً فلقد ظلت هناك ملامح وإشارات لزمن الحرب الباردة متناثرة في نص العرض.

ذلك أنه برغم محاولات المخرج لطرح خطاب بديل يحول الرؤساء لنموذج للرأسمالية التي تبتلع العالم وتدمره وتنجو في النهاية من خلال مشهد ارتداء الرؤساء للكمامات التي تحميهم من (غازات الضحك والهرش) .. فإن أطروحة النص ظلت حاضراًَ بجلاء داخل العرض ومتجسدة من خلال منطوق النص الذي يشير لدول عينها ولأوضاع سياسية واقتصادية أنتهي تأثيرها وأصبحت من الماضي..

بالتأكيد أن ذلك الحضور المتوازي للخطابين أصبح يطرح الكثير من الأفكار حول طبيعة ما يشير إليه العرض بمصطلحات السلام والحرب والرؤساء وماهية تلك القوي التي يشير إليها بشكل ساخر..

 لقد وضع العرض ذاته في مجال تأويل يمكن في حال ربطه بواقع المنطقة أن يصنفه في إطار أطروحات تفكر في أزمات المنطقة السياسية والاقتصادية بشكل متعالي ومنفصل عن الوقائع التاريخية كالحروب مع العدو ... الخ.

الصور المسرحية

من ناحية أخري لجاء عرض (حرب باعة الصفارات ..) إلي حيل تغريبية مثل حمل الممثلين للوحات مكتوب عليها أسم المؤلف والمخرج.. الخ... في بداية العرض .. وكذلك في نهايته من خلال اليافطة المكتوب عليها كلمة النهاية...

والأهم من ذلك يافطة ظهرت من الكواليس للتعليق على استعراض بوصفه (بالتقليدي) ...  

إن الأسلوب التغريبي للعرض يمكن أن يتم تأويله كمحاولة جديدة من المخرج لتجاوز تلك الأزمة تحدثنا عنها.. ولربط المتلقي ودفعه لإدراك العرض كحدث مسرحي يجري هنا والآن برغم تجاوز الزمن للمشكلات التي يشير إليها النص .

ولكن وعلى الرغم مما كان يمكن لذلك الأسلوب في التعامل مع النص المسرحي - من خلال الهوامش التعليقية المكتوبة - أن يسهم به داخل العرض في سبيل التأكيد على الخطاب البديل للنص وتهميشه فإن المخرج لم يلجا إليه بصورة جادة إلا خلال مشهد الاستعراض بينما غاب أو كاد أن يختفي طيلة العرض .. فظل إمكانية عالقة في فضاء العرض غير متحققة أو متصلة به إلا في إطار دور شديد الهامشية يتعلق بمحاكاة العرض للتترات السينمائية والتلفزيونية بما يشير لمستوي أخر دون أن يؤكد عليه أو يستخدمه لتحقيق هدف أسمي ... وذلك على الرغم من توافر كافة الأسس التي كان من الممكن تسهم في تفعيل ذلك الأسلوب سواء على مستوي الديكور أو الملابس (لعاطف خاطر) أو على مستوي الكوميديا التي هدف المخرج وفريق العمل إلي تنميتها من خلال الأداء الحركي والملابس والأداء التمثيلي .

ولكن وفي النهاية وبرغم تلك المشكلات نجح المخرج في تقديم عرض جيد من خلال فريق العمل .. وإن ظلت الأزمة الحقيقية متمثلة في  كيفية تعامله مع النص كدراماتورج بشكل أساسي وذلك لتلافي دخوله في دوامات محاولة تجاوز نص أنتهي تاريخياً بانتهاء الزمن الذي كان يناقش قضاياه وإهدار جزء من طاقته كمخرج في البحث عن حلول بصرية وأدائية لتلك المشكلة .

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...