الأربعاء، مايو 12، 2010

الأشجار تموت واقفة أفكار بسيطة.. وعرض لا يدعي أكثر مما يقدم ...


ربما كان ذلك التصور المريح هو أول ما يخرج به المتفرج من عرض (الأشجار تموت واقفة) للمخرج مجدي مجاهد.. فالمتلقي يستطيع وبسهوله أن يصنفه ضمن العروض التي لا تسعي لأكثر مما تصرح به.. وبالتأكيد فإن ذلك النوع المريح من المسرح يمكن أن يحظي بأكبر قدر من التأيد من شرائح متعددة من المتلقين .. كل لأسبابه بالطبع فعلى مستوي أول يمكن للمتلقي العادي أن يلمح فيه قصة بسيطة ومقولة تربوية جادة حول أهمية الاهتمام بتربية الأطفال وتقويم سلوكهم بالتفاهم والحب.. كما يمكن أيضا وعلى مستوي ثان أن نجد لدي المهتمين بالظاهرة المسرحية في الثقافة الجماهيرية ترحيباً بمثل ذلك النوع من العروض التي تقدم مقولات بسيطة  تتماشي مع الجمهور المستهدف للثقافة الجماهيرية من ناحية ويفتح الطريق أمام تعريف المتلقين بكتاب من المسرح العالمي مثل (أليخاندو كاسونا) من ناحية أخري.

إنه عرض ناجح إذن..  ولكن هل تكفي تلك التقديرات الأولية حول علاقة العرض مع متلقيه للحكم عليه ؟  أعتقد أن الأمر يحتاج لما هو أكثر من ذلك بقليل خاصة مع عرض يمكن لنا أن نري فيه خلف ذلك الحكم الأولي عدد من القضايا والأفكار التي يمكن لها أن تفسح المجال لاستكشاف هذا النوع من المسرح

(1)

أن أول ما يمكن أن يثير انتباه المتلقي داخل عرض (الأشجار تموت واقفة) هو الموضوعات التي يمكن له أن يرصدها داخل العرض والتي تتنوع  بداية من  الموضوع  الافتتاحي ذو الطبيعة الفنتازية والذي يقوم على الدور  الذي تضلع به جمعية إسعاد الناس والذي يقوم على إعادة اكتشاف الروح البشري من خلال نشر السعادة بطرق خيالية تصل إلي حد سرقة  اللصوص أو إعطاء الصيادين الفاشلين أرانب مجانية توهمهم بالنجاح أو حتى إنقاذ (إيزابيل / سارة عادل) من الانتحار عبر دمجها في أعمال الجمعية ودفعها اكتشاف قيمة لحياتها من خلال مساعدتها للآخرين . وقد حاول المخرج ومعه مهندس الديكور (أمين مرعي) أن ينقلوا طبيعة ذلك الموضوع على المستوي البصري من خلال طبيعة تصميم الديكور من ناحية وكذلك من خلال طبيعة الأداء الحركي أو حتى من خلال تناول المخرج للنص على مستوي الرؤية حيث نجد أننا أمام تصور يقوم على تجسيد خيال شخصية إيزابيل من خلال مشهد استعادتها لمحاولتها الانتحار وكذلك من خلال شرح شخصية (المدير/ ماوريثيو) خالد عبد السلام لطبيعة دورها داخل المؤسسة .

إننا نجد أنفسنا هنا أمام أسلوب إخراجي يقوم يسمح للشخصية باستدعاء خيالها أو ما تفكر فيه.. كما يسمح بدمج المشهد ضمن إطار أوسع كما يحدث في اللحظات التي يظهر فيها العاملون في الجمعية من الكواليس ككتلة للتأكيد على كلمات المدير من خلال الغناء أو ما شابه .

ولكن ومع انتقال المشهد المسرحي لمنزل (الجد والجدة) - السيد شاهين /دينا مجدي – فإن المخرج ومعه مهندس الديكور عن ذلك الأسلوب نحو أسلوب أقرب للواقعي وهو ما يتحقق حتى على مستوي الأداء التمثيلي.

بالتأكيد أن ذلك التنوع ممكن خاصة مع وجود إمكانية لذلك التحول.. على مستوي الحدث الدرامي  .

ولكن المشكلة الحقيقية التي يمكن لنا أن نشير إليها هنا تتمثل في طبيعة ذلك التحول في الطرح الفكري والبصري الذي يذوب فيه الطرح القديم لصالح طرح جديد.. حيث يؤدي ذلك التحول إلي تغير في إيقاع العرض ليصير أكثر هدوءاً بل وأكثر رخاوة بما يحتاج لحد للكثير من المراجعة لتحقيق قدر من التوازن الإيقاعي بين شقي العرض حتى لا يسقط العرض في أزمة إيقاعية عنيفة يمكن أن تفقد المتلقي التواصل معه ... وبالتأكيد فإن تلك الملاحظة يمكن لنا أن نلمح أثرها بكافة عناصر العرض بداية من طبيعة التناول الإخراجي وحتى أداء الممثلين ومروراً بطبيعة تناول مهندس الديكور للمشهد الثابت لدرجة أن المخرج يلجا لغلق الستار لنقل المشهد المسرحي خارج المنزل متغاضياً عن الحلول التي يمكن أن يقدمها له مهندس الديكور أو الإضاءة لنقل المشهد .

(2)

يمكن لنا وعلى مستوي أخر أن نشير لقضية أخري خاصة بطبيعة التناول الإخراجي للعرض من خلال العناصر الخاصة بأدوات المخرج على مستوي التشكيل البصري والسمعي للعرض .

فنجد وعلى مستوي الملابس حالة من العشوائية في التعامل مع الفروق بين الشخصيات لدرجة أن هناك الكثير من الشخصيات تبدو ملابسها غير ذات علاقة مباشرة بطبيعتها... وكذلك يمكن لنا وبالنسبة للاستعراضات أن نكتشف عدم أهمية الكثير منها وعدم جدواها في تنمية تشكيل بصري داعم للعرض وهو ما يمكن أن ينسحب على الموسيقي بالتأكيد التي ساهمت بطبيعتها الإيقاعية البطيئة في معظم الأوقات في تفتيت إيقاع العرض.

باختصار يمكن لنا أن نلمح من تلك الملاحظات كون الطبيعة التي تعامل بها صناع العرض طبيعة غير مكترثة بما يمكن أن تسهم فيه تلك الزوائد المعطلة للعرض مثل الأغاني والاستعراضات التي ساهمت في الإبطاء من إيقاع العرض دون أن تضيف شيء ذا قيمة .. وكذلك الملابس التي لم تسهم بأي دور في تشكيل العرض المسرحي فصارت عنصر خامل على مستوي البصري بل ومعطل خاصة مع استعمال مهندس الديكور للون البني في صياغة منزل الجد والجدة وارتداء الكثير من الممثلين ملابس تنتمي أما لذات اللون أو درجاته .. أو الأسود (كما هو الحال في ملابس الجدة .. وربما كأن التفرد الوحيد في الجزء الثاني يتمثل في ملابس شخصية (ماوريثيو/ محمد شلبايه) ذات اللون المعدني والتي عكست طبيعة الشخصية .

بشكل عام يمكن لنا والنهاية أن نعود للأفكار التي أوردناها في المقدمة والتي تتعلق بطبيعة العرض وطبيعة علاقته بمتلقيه حيث يمكن لنا أن نشير لكون العرض قد نجح لحد ما في تحقيق قدر من التواصل مع متلقيه من خلال القصة البسيطة التي تنتهي بمونولوج واضح وبسيط حول علاقة الآباء مع الأبناء من خلال عرض بسيط وأداء تمثيلي جيد ومحسوب للمخرج ولصناع العرض الذين شاركوه العمل .

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...