الأربعاء، مايو 12، 2010

الأستاذ.. عالم ضبابي وإمكانيات مهدرة


يقوم نص عرض (الأستاذ ) والمعتمد على نص للكاتب الكبير سعد الدين وهبة على قصة تقترب ولحد كبير من قصص الواقعية السحرية التي أستطاع كتاب أمريكا اللاتينية وأسبانيا  من خلالها يخلقوا مدخلاً لتأمل مجتمعاتهم التي تعاني من مشكلات تقترب (لحد كبير) من مشاكل المجتمع المصري بحكم كون تلك المجتمعات - وبرغم الفروق الثقافية والاجتماعية والسياسية – تنتمي للعالم الثالث وتعاني من مشاكل متشابهة سواء على مستوي علاقة تلك المجتمعات بأنظمتها السياسية أو علاقتها بالواقع وبتراثها الثقافي من جانب أخر .

ولكن نص العرض وبالمقابل لم ينجح في ذلك برغم كون تلك الفرضية الأساسية التي يعتمد عليها تقترب بشكل كبير من فرضية رواية العمى (للكاتب الأسباني خوزيه سارماجو) والتي تقوم تحكي عن إصابة مجتمع كامل بالعمى وما يتبع ذلك من تحلل وتفسخ للعلاقات الاجتماعية وعودة المجتمع لمرحلة أقرب لعلاقات الغابة وفقدان للنظام الأدوار الاجتماعية .

 إن ذلك التشابه يمكن له أن يكشف لنا عن أزمة نص العرض خاصة أن أطروحته تقوم باستبدال العمى بالصمم الذي يصيب مجتمع المدينة ويجعلها تفقد إنسانيتها وتتحول لمجتمع فاشل مختل يسلم زمامه للصوص والشحاذين وراقصة ليتحكموا فيه ويسوقوه كالأغنام.

إن تلك الأزمة التي يعاني منها نص العرض تقوم على فقدانه للمنطق القادر على تحويل تلك الفرضية الخيالية لباب يفتح المجال للمبدع في البداية ومن ثم للمتلقي لتأمل الواقع من خلال مد الأمور على استقامتها والوصول للحظة التي تختفي فيها سيولة الواقع ويعود لعناصره الأولية .

فنجد أنه وعلى الرغم مما تتيحيه تلك الفرضية من تحليل لسيولة الواقع واختزالها للوصول لتصور واضح للعالم فإن النص يتخلي عن تلك الميزة ويتجه لتحويل ذلك العالم إلي مجال لإثارة للكوميديا من جهة ولتقديم مونولوجات ومشاهد حوارية طويلة تهدف للإشارة للواقع المصري كمجتمع فاشل .. دون تقديم أي تحليل لذلك العالم أو تبرير للحكم بفشله.. وبالتالي فقد سقط النص ومن ثم العرض في تحويل ذاته لخطاب إدانة للواقع دون تأمل في أسباب ذلك الفشل أو مبرراته أو حتى تقديم منطق داخلي مقبول يبرر تلك الإدانة.

وهو ما يمكن أن نجده منذ البداية من خلال شخصية (الأستاذ/محمد عمر) التي تبدو شديدة الميوعة وغير محددة لدرجة تحويلها لنموذج لمثقف أسطوري يمتلك ثقافة موسوعية وقدرات خارقة تتجاوز قدرة مجتمع بأكمله بما يمكنها من تحليل أزماته وشفاءه برغم عدم وجود أدني علاقة تربطه ...ولعل ذلك هو ما جعل تلك الشخصية تتخلي عن بدلتها وترتدي للبالطو الأبيض بما يعني تحوله لدور الطبيب.. أنها شخصية غير واضحة على كافة المستويات سواء في تكوينها أو دورها وبالتالي فقد صار من غير المفهوم الأسباب التي دفعت بالملكة/ الراقصة (أميرة يوسف) لاستدعائه.. لا يوجد مبرر واضح أو معقول لأي علاقة لدرجة أن النص يطرح في البداية إمكانية كون ذلك المجتمع قد خرج من كتاب يمسك به الأستاذ ثم ينساها ويتغاضي عنها في النهاية وكأنها لم تكن موجودة .

بالتأكيد يمكننا أن ندخل في سرد الكثير من العلاقات والأحداث التي قدمت من خلال العرض للتأكيد على ذلك الخلل الأساسي الذي أفقد النص تخليق منطق داخلي مقبول.. ولكن ذلك لن يقودنا إلا للتأكيد على ذات الأزمة التي تحدثنا عنها والتي جعلته مجرد خطاب إدانة بلا مبررات سوي ما يمكن للمتلقي أن يخلقها من خلال علاقته بواقعه المباشر وليس من خلال عالم النص.

ومن جانب أخر فإن العرض على المستوي البصري لم ينجح في سد تلك الثغرات التي تركها عالم النص بل لقد أسهم في تأكيد افتقاد العرض لمنطق عقلاني واضح فنجد على مستوي الديكور(عبد الحميد مجد الدين) حالة من العشوائية في تقديم ذلك العالم سواء على المستوي العلاقات اللونية التي لم تسهم في تشكيل علاقات واضحة تسهم في تشكيل العالم وكذلك عدم وجود تخيل واضح على مستوي الطراز لذلك العالم فهو عالم فاقد للهوية وغير واضح المعالم .. وقد تأكد ذلك من تصميم الملابس (دينا جمال) التي افتقدت القدرة هي الأخرى بالتالي على تحديد علاقات إلا في أضيق الحدود من خلال العلاقة اللونية التي تربط بين اللون البرتقالي في ملابس الوزير(أحمد شوقي) ولون قاعة العرش.. ولكن الملابس بشكل عام لم تستطع أن تعكس تصور واضح لطبيعة تلك المدينة الأسطورية إلا من خلال الفروق بين ملابس السكان المهلهلة وملابس السادة.

ربما يكون التحديد التاريخي أو الطرزي غير هام في ذاته لكنه يمكن أن يكون مؤشراً لكيفية تعامل المخرج(عادل شاهين) وفريق عمله مع العالم ورؤيتهم له .. وهو ما يعود بنا للتأكيد على كون أزمة العرض تنبع من عدم وجود تخيل واضح للعالم تدفع به للحياة.

إن تلك الأزمة التي نشير إليها يمكن لها أن تبرر حالة الحضور الطاغي لناصر شراقي الذي قام بدور القاضي .. ذلك لكونه من العناصر القليلة دخل العرض التي استطاعت أن تخلق لذاتها مجال واضح ومحدد. فلقد أدت قدراته الكوميدية من جهة وتخليقه لشخصية واضحة المعالم من ناحية أخري أن يبرز وسط تلك الظلمة التي سادت العرض ... فحضوره كمؤدي برز ليس من خلال تأديته لشخصية درامية داخل العالم أو مشاركته في تخليق عالم واضح المعالم بقدر ما يعود للإجتهاده الشخصي كممثل .. فظهر كبقعة ضوء وسط ظلمة العالم الذي كان موجوداً على خشبة المسرح.

بالتأكيد يمكن أن نشير لعدد من الممثلين الآخرين الذين تبعوا ذات الطريق الذي سار فيه ناصر شراقي .. كما يمكن أن نلمح ذلك من خلال الموسيقي والأغاني المعدة للعرض والتي تنتمي لأعمال فنية أخري فلقد اكتسبت حضورها من وجودها الخاص وليس من خلال علاقتها بعالم العرض.

في النهاية ربما كان من الممكن لنا أن نشير لجانب مضيء وحيد يبقي للمخرج (عادل شاهين) وهو قدرة العرض على الكشف عن بعض الطاقات التمثيلية الجيدة داخل فريق قصر ثقافة كفر الدوار.. يمكن تفعيلها في عروض تالية أكثر انضباطاً وقدرة على تصنيع عالم يسهم في الكشف عن أزمات الواقع ومشاكله.

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...