أن المونودراما نمط مسرحي خلافي وغير قادر على الاستقرار إلي أبعد الحدود .. فهو من جهة يمتلك شرعية الأداء وحيوية اللقاء المباشر بين المؤدي والمتلقين ومن جهة ثانية فهو وفي نمطه السلبي صوت مفرد يطرح تداعي شخصي ينفي وجود العالم لصالح شخصية وحيدة تمتلك القدرة على حيازة الخطاب ونفي العالم لصالحها بما ينفي عنه الطبيعة الحوارية التي هي مركز القوة داخل المسرح ومركز حيويته ومجال فنيته وقدرته على تأمل العالم ...
ربما كان المدخل حول الطبيعة الخلافية حول فن المونودراما مدخلاً تقنياً إلي أبعد حد لكنه ربما يكون ملائماً لتفهم حالة عرض مسروقات لمحمد عيسي ذو التوجه الاجتماعي .. فنص العرض ينحو صوب البحث في تاريخ هامشي لخادمة تمر برحلة داخل ماكينة المجتمع .. رحلة تدفعها في النهاية إلي الانحراف والتحول لسارقة ... وبالتأكيد فأن تلك الرحلة تظل هي الهم الأساسي لعرض مسروقات حيث يقدم نص العرض إدانة للنظام اجتماعي الذي يحول البعض لسادة ويحول البعض لعبيد غير مسموح لهم حتى بالحلم باختراق تلك المنظومة والتحرر من تلك القدرية الاجتماعية .
أن تناول الهم الاجتماعي هو مدخل مثالي لحوارية تحاول التواصل بين عناصر مجتمعية متباعدة التوجه الأيديولوجي بهدف فهم أنماط التفكير الرأسمالي وتفكيكها لطالح فضح ممارستها وامتهانها للإنسان.. ولكن الدخول إلي قضايا مثل تلك من خلال المونودراما ربما يكون أمراً مقلقاً إلي أبعد حد
ولكن وحتى تكتمل الصورة فمن الضروري الإشارة إلي أنه يوجد بجانب تلك الرؤية الاجتماعية الواضحة والمباشرة والتي لا يمكن إنكارها في العرض محاوله لتفعيل وجود الشخصية المركزية والتي تحتل فضاء العرض ( فاطمة – هاجر عفيفي) وتحويل كافة الأصوات الموازية لصوتها داخل ذلك التاريخ الشخصي لها إلي ترديدات لازمتها وانعكاس لصورتها الشخصية وهو ما تجلي في نمط التشخيص الداخلي بالعرض .. حيث مال ذلك التشخيص إلي المبالغة في الأداء الحركي والصوتي وإلي تحويل تلك الشخصيات الداخلية التي تستدعيها شخصية فاطمة لتحاكمها أو لتحاورها أو حتى لتستجديها إلي أنماط ثابتة في مقابل تلك الحيوية التي تتمتع بها شخصية فاطمة .. وربما كانت تلك المحاولة التي قام بها المخرج لتصوير العالم النفسي للشخصية المركزية والوحيدة كان ناجحاً لكنه ساهم وبشكل معاكس في نفي كافة الشخصيات الداخلية وتقزيمها بما يضر بعالم تلك الشخصية ذاتها فلقد تحولت تلك الشخصيات إلي أشباح ميلودرامية غير مبررة الأفعال تسهم بأدوار في تعذيب وتشويه شخصية فاطمة دون مبرر درامي داخلي .. وليصبح المبرر الوحيد الممكن لتفسير ذلك التاريخ الشخصي لفاطمة هو الأزمة التي يمر بها النظام الاجتماعي الرأسمالي واستكمال الفراغات النصية بخيال المتلقي .. وبالتأكيد فأن ذلك الميل لتجسيد الوضع النفسي للشخصية قد أنعكس على كافة عناصر العرض بداية من الديكور الذي مال إلي تجريد العالم واختزاله ليصور الحالة النفسية لشخصية فاطمة ورؤيتها للعالم مقترباً من حالة تعبيرية تنفي الأزمة الواقعية التي تمر بها الشخصية ويقوم باختزال النقلات الزمنية والمكانية ليصبح المكان والزمان رهن حالة التداعي التي تقوم بها الشخصية .. إلي جانب تلك الرؤية البصرية التي صنعها المخرج بالإضاءة وساهمت في تشكيل العالم.. والتأكيد علي حالة التداعي الداخلي .
ولكن ورغم ذلك فأن تلك الحالة التي نحن بصددها هنا تعود لتندمج مع ذلك الهم الاجتماعي الذي يطرحه نص العرض وتتصل به وتعود لتكمل صورته وتندمج به لكنها ورغم ذلك تفسد جزء منه عبر تلك الإنفجارات العاطفية التي تصل بالشخصية – داخل نص العرض – إلي الهزيمة التامة والانسحاب .. انفجارات عاطفية قوية وقادرة عبر براعة الممثلة على دفع المتلقي إلي الاندماج العاطفي بها لكنها تفرغ تلك الشحنات و تقوم بتصفيتها لصالح تلك العاطفية العنيفة التي تدفع بها الشخصية... وهو ما يندمج مع حالة التداعي التي تميز المونودراما والتي ضاعفها المخرج عبر نفي كافة الأصوات الموازية وتحويلها إلي جزء من عالم شخصية فاطمة ...
وربما كانت تلك هي أزمة عرض مسروقات الحقيقية .. فلقد مال وعبر تشديده على حالة التداعي والأنفجارات العاطفية بما ضاعف من المشكلة التي يعاني منها فن المونودراما .. لقد تحول لمونولوج طويل تسهم كافة العناصر في تدعيم حالة التداعي التي يقوم عليها فنجد أن الديكور - كما يوجد في ذلك اللجوء الدائم للمر آه التي تؤكد على حالة الوحدة والعزلة التي تعاني منها الشخصية – والإضاءة والموسيقي المفرطة العاطفية قد ساهموا في تفعيل ذلك الصوت المفرد والمسيطر والعاطفي النافي لكافة الخطابات البديلة الممكنة .
ولكن يبقي في النهاية للعرض قدرته على تقديم حالة مسرحية حية وقوية تعتمد على براعة المخرج و قدرات الممثلة التمثيلية البارزة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق