الأحد، أبريل 26، 2009

نساء في حياته... حيث كل النساء متشابهات

في إطار الموسم الثاني للمسرح المستقل والذي يقدم على خشبة مسرح الهناجر قدمت فرقة لاموزيكا عرض (نساء في حياته) للمخرجة والمؤلفة - والممثلة أيضاً – نورا أمين .. بطولة محمد حسني .. والعرض يقدم لسيرة ذاتية لرجل يحتل خشبة المسرح منذ بداية العرض وحتى نهايته .. مستعرضاً مراحل حياته منذ طفولته وحتى اللحظة التي يقف فيها على خشبة المسرح وذلك من خلال علاقته بالنساء بداية بالأم والأخت وحتى الزوجة مروراً بكافة أنماط النساء والعلاقات الممكنة بينه وبينهم .

كل النساء متشابهات

يمكن لنا أن نقوم بتمييز مبدئي بين نوعين من العروض المسرحية الأول هو ذلك الذي يحاول تحليل الخطاب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .. الخ- أو أياً منهم- وذلك بهدف نقضه ومناهضته لصالح خطاب بديل أو مضمر ... وفي المقابل يوجد النوع النقيض الذي ينطلق من داخل خطابات المجتمع ومقولاته وهو ما يجعل من عدم مناهضته لها دعماً لسلطتها وتبريراً لوجودها.. 
ولعل عرض (نساء في حياته) يمكن أن يكون نموذجاً لنوع ثالث من العروض فلا هو بالعرض الثوري الذي يحاول نقض تلك المقولات العامة ومناهضتها ولا هو بالعرض الذي ينطلق من داخل الخطاب الاجتماعي .. ذلك أن العرض يخلق عالمه من خلال رؤية ذكر(حسني) يحاول (عرض) سيرته الذاتية من خلال علاقته بالموسيقي والنساء ... وهو عرض لا يحاول الخروج بتأمل واضح أو مكتمل لتلك الحياة بل يكتفي بالمرور على ذلك التاريخ الانتقائي لتجارب دون غيرها ... مرور عابر لا يسمح حتى بالتوقف أمام تلك التجارب والخبرات بشكل يكشف عما تخفيه . 
فالعلاقة بالموسيقي لا تتجاوز داخل العرض أكثر من تلك المساحة التي يحتلها البيانو والاورج ... إلي جانب بعض المقولات العامة التي يرددها (حسني / محمد حسني) حول الموسيقي ودورها في حياته ... وبعض الأغنيات التي يؤديها بطلي العرض .
إما النساء فلا وجود سوي لأنثى واحدة (الزوجة رانيا/ نورا أمين / المؤدية ... الخ) وذلك على الرغم من وجود أكثر من عشرون نمط من النساء داخل العرض ...
عشرون نمطاً من النساء يمكن لنا أن نتجول بينهم كما شئنا ... فهناك الأم .. الخادمة ... الرقصة .. المطربة .. الزوجة .. الحبيبة ... الخ ... عشرون نمطاً لا يجمع بينهم سوي الانتماء إلي جنس واحد (النساء) .. وجسد واحد (نورا أمين )... أنماط لا يجمع بينها أية علاقة واضحة أو محددة فلا قيمة للفوارق طبقية بين (سعدية الخادمة) و(السيدة صاحبة السيارة المرسيدس) التي تصطدم بسيارة (حسني) في الشارع وتطالبه بدفع تعويض ... كما لا توجد قيمة لعشرات الفوارق التي تصل إلي الاختلافات الثقافية بين المصريات والغربيات ..
أن العرض يدعي وبمنتهي البراءة أن الجنس يمكن له أن يجمع كل نساء العالم في بوتقة واحدة بحيث لا يصبح من الضروري التحدث عن نساء في حياة بطل في نهاية العرض بل يكفي أن يخبرنا (حسني) أن(رانيا / زوجته الحالية)تجمع كل النساء في شخصها .... 
وبالتأكيد فأن العرض يدعم تلك الرؤية للمرأة عبر نفي المرأة خارج مساحة الأداء ليسيطر عليها (الرجل / حسني) الذي تؤكد مخرجة العرض على سيطرته المطلقة على تلك المساحة من خلال أكثر من وسيلة .. فهو ومن جانب يحتل بأدواته الموسيقية أكثر من نصف مساحة خشبة المسرح كما أنه قادر على التحرك بقدر كبير من الحرية فوق خشبة المسرح بعكس النساء اللواتي يقوم باستدعائهن من ذاكرته حيث حددت (المخرجة/ نورا أمين) حركة تلك الأنماط النسائية فوق خشبة المسرح بشكل كبير يصل – في أغلب الأحيان – إلي حد تثبيت نقطة ثابتة فوق خشبة المسرح لا يمكن للنمط الخروج عنها .... كما أن العرض منح (الذكر/حسني) القدرة على اجتياز تلك المساحة التي تفصل بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين من خلال مخاطبته لصالة المتفرجين .. بعكس (رانيا/ الزوجة) التي لا تمتلك تلك القدرة .... وأخيراً دمج كل تلك الأنماط – حتى الزوجة - داخل جسد واحد (نورا أمين/ المؤدية) .... جسد قادر على استيعاب كل الاختلافات بين تلك الأنماط داخله والتعبير عنهم بذات القدر .

 عالم بلا حوائط 

منذ البداية تعدنا شخصية (حسني) بسياحة في سيرتها الذاتية ... سياحة تمتد من بالترحيب بنا في منزله إلي الترحيب بنا - نحن المتفرجين - في داخل عقله أو وبشكل أكثر وضوحاً فأن الشخصية تعدنا بعالم بلا حوائط ولكن وفي المقابل أحاطت المخرجة كل شيء بالحواجز وذلك عبر تكديس للآلات الموسيقية فوق خشبة المسرح وتقليص مساحة التمثيل لتنحصر في مقدمة خشبة المسرح بل وتقليص حركة المؤدين لتتحول علاقتهم بالفراغ المسرحي إلي علاقة بنقاط شبه ثابتة فوق منصة الأداء (كما هو الحال بالنسبة للمؤدية/ نورا أمين )..
لكن وعد شخصية (حسني) يظل هو العقد الوحيد المبرم بين المتفرج والعرض .. عقد يقوم على أن يتيح لنا التلصص على عالم (حسني) المشكل من النساء والموسيقي – فحسب - وفي المقابل لن ندفع نحن المتفرجين من ثمن سوي الموافقة على أراء شخصية (حسني) في النساء والموسيقي ... تلك الموافقة التي يطلبها في بعض الأحيان بشكل صريح من المتفرجين .. وهي موافقة غير مكلفة حيث أن ما يطلب منا (حسني) الموافقة عليه هو الخطاب السائد داخل المجتمع والخاص بموقع المرأة ودورها وطبيعتها .  
أنه ليس عالماً بلا حوائط كما يدعي العرض أذن ... أنه عالم محاط بحوائط عالية وسميكة لا تتيح لنا سوي التلصص على عالم تلك الشخصية التي تعرض علينا ما ترغب في أن تعرضه علينا... ولكونه عالماً قابع خلف أسواره الخاصة ...عالماً لا يفصح بغير ما يرغب في الإفصاح به فإن معظم رسائل العرض جاءت داخلها كل أنواع التناقضات الممكنة .
ففي البداية هناك ذلك الشعور الدائم والمستمر لدي الشخصية بالاختلاف والذي تؤكده – بل وتكتسبه – من خلال علاقتها بالموسيقي ... وهو اختلاف تؤكد عليه الشخصية (حسني) من خلال رفضها لقيم النظام الاجتماعي وتناقضها معه ... فشخصية حسني تشعر طيلة الوقت بالاغتراب عن المجتمع وقيمه .. ولا تجد ذاتها سوي في صورة الغرب (نمط كارين/ المطربة الأمريكية ) فهي النمط النسائي الوحيد – تقريباً - الذي تبدي الشخصية إعجابها به . 
ولكن وإلي جوار ذلك الشعور بالاختلاف فإن الشخصية لا تكتسب شرعية أرائها وأفكارها عن العالم إلا عبر المتفرجين .. وهي شرعية وكما سبق الحديث عنها مكتسبة من الخطاب الاجتماعي السائد ..
أن ذلك التناقض البادئ والجلي للشخصية لا يمكن استكشاف ملامحه بشكل واضح إلا عبر دمجه داخل حالة الاستعراض التي سيطرت على العرض .. فالشخصية تستعرض حياتها من خلال تعليقات سريعة وعابرة تتيح أمكانية تقديم ذلك الكم الضخم من الأنماط دون التفكير في ذلك التجاور لتلك الأنماط وما يمكن أن ينتج عنه ... مثل ذلك التجاور لأنماط المرأة المحجبة (صاحبة السيارة المرسيدس – والدة التلميذة آية – زوجة البواب ...) تجاور يكشف عن رؤية سلبية لذلك النمط .. وفي المقابل فإن العرض لا يقدم النموذج المقابل كنمط مقبول ... فلا هو مع أو ضد .. بل أن العرض يتحرك بأقصى طاقته صوب تفتيت أي أمكانية للتوقف أو التفكير –بالنسبة لمصنعي العرض – في ما يتم استعراضه ..
وبالتأكيد فأن تلك التناقضات هي التي دفعت بالعرض إلي الوقوف داخل منطقة شديدة الميوعة والهشاشة .. فالعرض لا يمتلك أية قدرة على مناهضة أي خطاب اجتماعي .. كما أنه غير قادر أيضاً على تبني أي خطاب سائد بسبب تناقضاته الداخلية التي تنبع من حالة المرور السريع والعابر على كافة التناقضات دون التوقف أمامها ومحاولة فهمها.


خاتمة 

ربما كان رهان العرض الكشف عن مساحات التناقض داخل عقلية الذكر الشرقي.. التناقضات التي تصل وفي النهاية إلي حد دمج كافة الأنماط النسائية (المقبولة والمرفوضة) دخل جسد الزوجة .. التناقضات التي تدفع (بحسني) إلي الخروج غاضباً في نهاية العرض ....
لكن ذلك الرهان على استكشاف تناقضات الذكر الشرقي في علاقته بالمرأة ربما تراجع أمام تلك الفوضى التي نتجت عن حالة المرور العابر والسريع بكل شيء - وأي شيء - في عالم ذلك الذكر ... تراجع ذلك الرهان إلي حد أن التناقضات أصبحت هي العرض ذاته ... 
لقد سقط العرض في حالة فقدان للقدرة على أدراك ملامح عالم مكتمل إلي الحد الذي دفع بالمخرجة وقرب نهاية العرض إلي استنطاق شخصياتها بتفسير شارح للمنظر المسرحي المشكل من قطع من الأقمشة الملونة المعلقة فوق خلفية سوداء تحيط بعالم (العارض/ حسني).
شرح وتفسير لا يهدف لأي شيء بقدر ما يهدف إلي إنقاذ تلك الخلفية من السقوط في هوة انعدام المعني .. هوة ظهرت نتيجة عدم وجود حالة استقرار في ذلك العالم بشكل يتيح للمتفرج بناء علاقات واضحة حول ذلك العالم ... ويتيح لمصنعي العرض دراسة تلك المادة التي بين أيديهم وكيفية تحويل تلك التناقضات الداخلية بها إلي موضوع جمالي .





ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...