كعادة المسرح المعتمد على الغنائيات الطويلة... برزت الموسيقي وألعاب اللغة كأبرز سمات عرض (البلاطوة) دون منازع.. ولعل انتباه المشاركين بالعرض إلي أن الطابع الغنائي كان هو الرهان الحقيقي للعرض إلي الحد الذي دفع بهم وعلى رأسهم (المخرج والمؤلف ومصمم الديكور/ أحمد السمان ) إلي عدم الاهتمام ببناء عالم يتحرك فيه العرض - على أي مستوي من المستويات – وبشكل خاص في ما يتعلق بالبنية الدرامية حيث أختزل مصنعي العرض الخط الدرامي إلي أدني حد ممكن... فصارت الشخصيات أشبه ما تكون بأقنعة هزيلة الملامح يرتديها المؤدين كي ما تساعدهم على تطوير واستعراض اللغة الشاعرية - ذات الطابع الغنائي – وكذلك فتح مساحات للغناء الشعبي والتراثي الخاص بمدينة بورسعيد.... وهو ما أفسح المجال أمام تحويل العرض إلي ما يشبه الاحتفالية بعدما أختزل العالم في تقديم خط درامي خافت يعرض لقصة غرام قديمة وفاشلة جمعت بين حدوقه(الفنان/ محمد الشريف) والخالة بلطية (هناء مرجان) دون تطوير لذلك الخط أو تفعيل لتلك الإحالة التي أشار إليها العرض عبر دمج الحديث عن الوطن بالحديث عن بلطية.
وكما هو واضح فأن العرض لم يكن يستهدف طرح الكثير من الأفكار حول مدينة بورسعيد (الخيالية ) التي يتغزل فيها نص العرض مستعرضاً تاريخها وصراعها مع المستعمر والفاسدين الجدد... فلم يتخطى العرض تلك المرحلة من الألعاب اللغوية وما حملته من استعراض تاريخي إلي ما هو أعمق من ذلك... بل أنه حول تراث المدينة وعالمها المميز إلي أداة يستخدمها لتشكيل وتجميل تلك المدينة الخيالية التي يقدم لها والتي هي بالطبع مختلفة عن المدينة الواقعية التي تخطت مرحلة التهجير والعودة ومرت مثل كافة أجزاء الوطن بالعديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أن الطابع الاحتفالي الذي ميز عرض البلاطوة كان أهم مصادر تشكيل حالة العرض وتحقيق عناصر الفرجة... لكنها هنا فرجة تحمل طابع شبه مسرحي لم يسعى لتجاوز ذلك الطابع الاحتفالي بالمدينة الغنائي الطابع.... وهو ما أفسد حتى تلك الفرجة الاحتفالية التي ميزت العرض وأفقده الحيوية كعرض مسرحي في الأساس.
الاستعمار.ح من الواضح أن تلك السردية التاريخية - التي أدمجها نص العرض داخل قصة الغرام بين حدوقه والخالة - غير قادرة على تقديم أي تصور مكتمل أو متسق حول ذلك العالم الذي يحتفل به العرض بل وغير قادرة على اتخاذ أي موقف مما يسرد عنه إلي الحد الذي أدي بالعرض إلي اختزال الموقف الممكن أو المضمر لدي مصنعي العرض في صورة مصطلحات من قبيل (العولمة... الاستعمار .. الشرق الأوسط الجديد.... الخ) وهي مصطلحات مجتزئة من عالم السياسة.... بدت الندوب على جسد العرض.. فلا هي متصلة بجسد العرض ونابعة من لغته ومعجمه الخاص ولا هي قادرة على جذب العرض إلي مستوي تحليلي مختلف.
وما يمكن قوله عن البنية الدرامية المختزلة يصلح للتطبيق بذات الشكل على ديكور العرض سواء من حيث الخامات والوحدات المستخدمة في تشكيلة أو من حيث طبيعة تلك الوحدات وعلاقاتها مع بقية عناصر العرض. .. فعلى مستوي الخامات مال العرض إلي استخدام خامات مرتبطة بطبيعة مدينة (بورسعيد التاريخية ) المعمارية وخاصة في مجال المعمار الداخلي وهو ذات الأمر الذي يمكن أن نرصه في طبيعة الوحدات المستمدة من أشرعة المراكب في العصر الإمبريالي – بشكل محور – وهو ما يرد إلي المدينة التاريخية وطبيعتها البحرية وتراثها النضالي.... أما على مستوي علاقة تلك الوحدات فأن المخرج والمصمم / أحمد السمان مال إلي توظيف تلك الوحدات بما يخدم الطبيعة الغنائية للعرض فصارت أقرب ما تكون شبهاً بالوحدات الزخرفية من جهة ومعبرة عن حالة الحنين إلي تلك المدينة التاريخية التي يحتفل بها العرض.
أن الديكور في العرض يحمل ذات الطبيعة الاحتفالية والغنائية التي أتسمت بها البنية المسرحية وهو ما أدي به إلي أن يندمج مع بقية عناصر العرض سواء الغناء الملحن أو على الأغاني التراثية ولغة نص العرض الشاعرية الطابع...
كما أندمج مع طبيعة الأداء بالعرض والتي بدت مهتزة إلي حد ما –وبشكل خاص في العنصر النسائي – حيث لم يجد المؤدين سوي شخصيات ورقية غير واضحة المعالم... وهو ما أنطبق على جميع الشخصيات التي تحتل خشبة المسرح طيلة الوقت أو تلك التي تقتحم ذلك العالم مثل شخصية (المرابي/ خالد حسين).
وفي النهاية ربما لا يتبقى في ذهن المتلقي لعرض (البلاطوة) لأحمد السمان سوي تلك الطبيعة الاحتفالية التي ميزت العرض والتي تخلق حالة من الحنين لمدينة بورسعيد الخيالية التي وقفت شخصية حدوقه على شاطئها تلقي بفتات الخبز للنورس كي ما تتحقق العودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق