الجمعة، ديسمبر 05، 2008

بدون ملابس ... عالم من التناقضات



ثورة وصخب وتمرد على سلطة النص من قبل الهامش (الكورس).... تلك هي المقولة الأساسية التي يطرحها عرض (بدون ملابس – لمحمد حسن) وأن كان قد سقط في تناقض مبدئي بكون العرض قائم هو ذاته على نص مسرحي للكاتب حسام الغمري .. وهو تناقض أستمر طيلة العرض برغم محاولة المخرج التمرد على نص حسام عبر الإضافة والحذف منه .. ولكن حتى تلك المحاولة لم تنتج سوي نص جديد أصبح هو المتن الأساسي للعرض ومرتكزة الذي ينطلق منه .
ومن هنا يمكن لنا أن نحاول تحليل ذلك التناقض الذي ظل عرض (بدون ملابس) يتحرك في مجاله طيلة الوقت .. ففي العادة ما يكون الصراع بين الهامش والمتن ذو طبيعة دموية يقوم فيها المتن بعمليات القمع بشكل مستمر وطوال الوقت للهامش وحصره ... وفي المقابل هناك دفع مستمر للمتن من قبل قوي الهامش التي تحاول الخروج وزحزحته لتحتل مكانه .. وهو ما ينتج عنه وفي النهاية حاله من الجدل المستمر بين تلك القوي تتم خلالها تعليه لبعض القوي إلي عالم المتن وإزاحة لبعض القوي نحو الهامش فلا يصبح المتن هو ذاته ولا يصبح الهامش ذاته ... ولأن ذلك الصراع أزلي ودائم فأن المتن والهامش يظلان في حالة من السيولة الجزئية طيلة الوقت لا يوقفها إلا تلك الإنقطاعات المعرفية التي تعيد الوضع إلي مرحلة من السكون المؤقت قبلما يعود ذلك الصراع من جديد إلي صدارة المشهد من جديد ...
وربما كان نص عرض بدون ملابس نموذجاً لذلك الصراع الدائر بين الهامش والمتن(المركز) فمنذ البداية يقدم العرض ذاته كمراقب حيادي وساخر من الأبطال والكورس وهو موقع يتخلى عنه العرض بالتدريج عبر تلك الألعاب التي يقدمها الكورس والتي يطرحون عبرها ذاتهم كبديل ممكن وقادر على القيام بمهام الأبطال والنص ... وهو التحيز الذي يصل إلي منتهاه في مشهد الختام عندما يطلق البطل بلفظ الطلاق الذي فشل في بداية العرض في النطق به .. وهو طلاق يعني ضمن ما يعني التخلي عن ذلك العالم لصالح الانضمام .. لعالم الهامش .
لكن ذلك الانحياز الذي لا يصل بالعرض إلي الانتصار للهامش .. فهو لا يملك في النهاية إلي إطلاق الصرخات المطالبة بإعادة النور ... أو وبمعني أخر إعادة ذلك الوضع الخيالي والغير منطقي مرة أخري .... إعادة سيطرة الهامش .... وهو وضع خيالي بالتأكيد لا يمكن استمراره أو تقبله لما يعني ذلك من تفتيت للمتن السائد وعلى كافة المستويات .... وهو ما يعني وجود درجة ما من الوعي لدي "العرض" باستحالة فصل ذلك الصراع بهزيمة المتن ... وهو ما ينجلي في وجود نص يعتمد عليه العرض والذي يعد اعترافا ضمنياً ومسبق ليس فقط بسلطة المتن ولكن أيضاً نفياً للأي إمكانية بأن يصبح خطاب العرض معادياً لسيطرة المتن... وهو المتن الذي يضم سلسلة كاملة من المنظومات العقائدية والاجتماعية والاقتصادية .... يخضع لها مصنعي العرض وجمهوره ....
وبذات المستوي الذي أتسم به العرض من تناقض داخلي على مستوي الخطاب ... أتسم العرض بدرجة مشابه من التخبط على مستوي العلاقة بين عناصره من جهة وتذبذب في المستوي من جهة أخري .. حيث ظهرت مشاهد الثورة - والتي يعبر فيها الكورس عن خطابهم - مخلخلة وفاقدة للإيقاع بسبب ميل المؤدين والمخرج للتأكيد على فكرة الصراع بين الكورس والنص بشكل ظهر مهتزاً على مستوي الإيقاع العام لتلك المشاهد ... كما ظهر ذلك التخلخل عبر ميل المؤدين إلي استثارة ضحكات الجمهور من خلال الكوميديا اللفظية والحركية ... وهو ما لم يسهم في دفع الحدث الدرامي .
وفي المقابل أتسمت المشاهد التي يقدم فيها (الكورس) عالمهم (ألعابهم) أكثر اتزاناً وجماليه وهو ما يعود إلي محاولة المخرج ومجموعة العمل التأكيد على التفوق الجمالي لعالم الكورس فظهرت تلك المشاهد كالقفزات الجمالية وسط العرض وبرز اختلافها واضحاً سواء على مستوي المنهج المستخدم في رؤية العالم أو على مستوي الإتقان الفني والجمالي ...وهو ما جعل تلك المشاهد (الألعاب) تبرز كالبقع الأرجوانية في جسد العرض ... 
وربما كان لذلك التأكيد الجمالي أثر في بروز خطاب العرض الظاهري المنحاز للهامش(الكورس) لكنه سريعاً ما ينهار أمام طرقات الأمن التي تفصل التيار الكهربائي وتعلن عن عودة العالم إلي اتزانه من جديد مخلصاً العرض من ذلك القلق الذي ينتج عن تلك التناقضات الداخلية التي أتسم بها العرض وعلى كافة المستويات ..... 



ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...