الجمعة، ديسمبر 05، 2008

حلم الأجنحة خيال منطلق وأفكار بسيطة



في أولي أيام مهرجان نوادي المسرح الثامن عشر قدمت بورسعيد أول عروضها (حلم الأجنحة) للمخرج والمصمم/ محمد العشري وهو عرض حركي يقدم لحلم فتاة صغيرة يغلبها النوم وقت غارة جوية تدك مدينة شرقية في زمن غير محدد وأن كان المشهد قابلاً للتاؤيل بحيث يمكن رده إلي الواقع العربي في مستوي من مستوياته كما يمكن أن يرد إلي جزء من تاريخ المدينة القادم منها العرض... بل وربما يردنا ذلك المشهد إلي تاريخ أقرب من ذلك أو حتى أبعد ، لكنه وبالتأكيد سيرد وفي المستوي الأخير إلي وضع أنساني عام يعاني من حروب عبثية تستهدف من ليس لهم علاقة بها.. حروب تقتل أحلام تلك الأجنحة التي يحمل العرض أسمها...
ومن وسط ذلك المشهد يسطع حلم تلك الفتاة (شهد خالد)... حلم بالوصول إلي السلام واستعادة الأجنحة التي يفقدها الأطفال في زمن الحرب.. أجنحة الأحلام والمستقبل... الخ  
وبين البداية الواقعية ومشهد الختام الذي يعد عودة إلي ذات اللحظة الزمنية الواقعية يقبع عالم العرض الحقيقي - أو المتخيل حسب منطق العرض – عالم يتحرك في مساحات ضيقة ووفق قواعد شديدة البساطة مقدماً لمتتالية من اللوحات التي تطرح سردية بصرية تنطلق من تلك اللحظة السعيدة التي تعود بنا إلي تلك المرحلة المتخيلة التي تسبق بداية العرض (مشهد الغارة).. إلي زمن السعادة المتجردة التي يسبح فيها الأطفال والملائكة... وهو زمن يظل العرض يبحث عنه ويحاول وعبر تلك العلاقات التي تدخل فيها الفتاة أن يعيده إلي لحظة امتلاءه بالحياة.. ولعل ذلك هو المدخل الحقيقي للعرض فاستعادة تلك اللحظة الزمنية السابقة على العرض هي مجال الصدام وهي المحور الذي تقوم عليه كافة العلاقات ومن أجله يستعر الصراع بين الفتاة وفاقدي الأذرع ومن خلفهم تلك الشخصيات الضبابية التي تحتل مكانهم وتقوم بالتحكم بهم...
استعادة ربما أدرك العرض صعوبة الوصول إليها بشكل دفعه إلي نفيها إلي لحظة زمنية سابقة لبداية العرض.. لحظة ليست ضمن الواقع الذي يفترضه العرض (زمن الحرب) وهي استعادة غير مكتملة حتى على مستوي الحلم... فحتى في داخل الحلم تفشل الفتاة في الوصول إلي جناحها السابح في فضاء المسرح طيلة الحلم..
ومن هنا يقف العرض في مساحة مظلمة عالق بين تفاؤل مبدئي بالعالم وبإمكانية وجود تلك اللحظة التي تتحقق فيها الاستعادة الكاملة لذلك العصر الذهبي من جهة وبين تشاؤم ناتج عن انخراط صانعي العرض وفي مقدمتهم (المخرج والمؤلف / محمد العشري) في واقع فاشل يطرح نفسه كطرح وحيد لفهم العالم والتعامل معه.
ولعل ذلك هو ما دفع العرض إلي تلك المساحة الأكثر إشراقاً فيه.. إلي الخيال الحر والجامح الغير المتحرر من سلطة الواقع الملتبس بين ما هو متحقق بالفعل وبين تلك الصورة المتخيلة للعالم والمستمدة من رؤية أيدلوجية بسيطة يشير إليها العرض في مستوي ما من مستوياته عبر فاقدي الأذرع ومن يتحكمون فيهم.
خيال منطلق تغذيه قدرة تشكيلية تقوم على تصنيع لوحات بصرية شديدة الثراء عبر تخليق أنماط حركية متنوعة تقدم لنا الأنماط والشخصيات في لوحة متحركة ومتقدمة درامياً طيلة الوقت ووفق قواعد بسيطة تعتمد شكل من الأداء الحركي يمكن أن مطلق عليه تجاوزاً (رقص درامي ).
ولعل ذلك الشكل من الحركة يندفع دائماً إلي لحظة تصبح فيها الحركة الراقصة معادلاً بصرياً لكلمات صامته تنطق بها الشخصيات مما يهبط بذلك الجهد المبذول إلي حالة متدنية عما تطرحه إمكانياته... كلمات تدفع بالحركة إلي مستوي أكثر بساطة.. وأقل عمقاً... وأن لم تفقد جماليتها بسبب ذلك الإطار الخيالي الثري والجامح من جهة وللبراعة الأدائية التي تمتع بها (المؤدين) من جهة أخري... إلي جوار إمكانية على تشكيل الفراغ وشغلة طيلة الوقت عبر الإضاءة وقطع الإكسسوار والأقمشة واللوحات المتحركة التي شكلها المؤدين.
ويبقي في النهاية لعرض (حلم الأجنحة) ذلك التوهج الجمالي والقدر على إدهاش المتلقين طيلة العرض عبر البراعة التقنية لمخرجه ومجموعة العمل التي شاركت في العرض.


ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...