الجمعة، ديسمبر 05، 2008

باب الفتوح .. تفاؤل وتبشير وغناء



1
ربما يعود بنا عرض " باب الفتوح " لمحمود عبد العال إلي مرحلة الستينات والسبعينيات بشكل مباشر سواء على مستوي الخطاب الذي يطرحه أو على مستوي النص الذي أعتمد عليه العرض.. كما يعود بنا إلي نمط من المسرح أصبح الواقع غير قادر على استيعابه.. نمط تبشيري وتحريضي قائم على أطروحات اليسار السياسي ومعجمه وخطابه الثوري القائم على أمكانية التغيير وعلى الإتاحة التاريخية الدائمة بتفعيل العلاقة بين السلطة والجموع نحو خدمة أهداف الرقي والتحرر الوطني وتحديث المجتمع ونظمه السياسية والاقتصادية..
ومن هنا خرجت تلك الحيوية الانفعالية وذلك الصخب العاطفي سواء على مستوي نص العرض –المعد عن نص باب الفتوح لمحمود دياب – أو على مستوي الأداء التمثيلي المعتمد على تنميط الشخصيات الدرامية بين مؤيد ومعارض بحيث يطرح المخرج ومعه المؤدين ذلك عبر المبالغة والتنميط الساخر لشخصيات الضد أو التنميط البطولي والميلودرامي للشخصيات الناطقة بخطاب العرض والمتبنية لأيدلوجيته التبشيرية.. كذلك فأن العرض طرح ذاته عبر اعتماده للغناء الحي المستمد القادم بخطاب يؤكد منطوق العرض ويقدم للأغاني تنتمي تاريخياً إلي ذات المرحلة التاريخية التي كتب فيها النص الأصلي كما بسط مساحات زمنية طويلة لصالح تلك الأغاني إلي الحد الذي كاد يفسد الإيقاع العام للعرض لا لشيء سوي تأكيد ذلك الخطاب الرومانسي والأيدلوجي ذو التوجهات القومية واليسارية التي ينطق بها نص العرض.
لذلك كله ظهر العرض مغترباً عن متلقيه تاريخياً - وبالضرورة جمالياً – برغم تلك البراعة الأدائية التي ظهرت بوضوح في لدي معظم ممثلي العرض ، وهي البراعة التي برزت من تلك القدرات التنميطية لشخصيات المسرحية الداخلية " رحلة أسامة بن يعقوب للقاء صلاح الدين" كما برزت من خلال تلك الحيوية الانفعالية في أداءهم لدور جوقة الشباب الذين يطرحون الحكاية التخيلية لأسامة بن يعقوب .. لقد أغترب العرض وصار يحوم في فضاءه الخاص - الهامشي - ويدور في مجال بعيد عن الخطاب العام والذي هو خطاب يتعامل مع تلك الأفكار التي يقدمها العرض والتي تعود تاريخياًَ إلي مرحلة الستينات بدرجة من الشك والريبة ... فلم يعد من الممكن تقبل فكرة الرسالة التاريخية التي يحملها المثقف إلي الحاكم العادل / الغائب .. تلك الرسالة التي تحمل طابع التوسل والضراعة كي ما يفيق الحاكم من غفوته كي ما ينقذ المجتمع من تفشي الفساد السياسي والاقتصادي .. لقد صار الحاكم فرداً فاقداً لتميزه التاريخي و البطولي وللزعامة الثورية التي تكتسب شرعيتها من وجودها ... لقد اندمجت صورة البطل في داخل صورة السياسي ... وصار الخطاب الأكثر راديكالية هو خطاب يبدو رجعياً ومهادناً من وجهة نظر العرض . 
بالضرورة صار الواقع أكثر قلقاً وشكاً في تلك الأنماط التي ترتدي رداء الثورة وتنادي بالزعامة التاريخية المتفردة .. وبالتالي – أيضاً - أصبح أكثر اغتراباً عن تلك الجماليات التي يحملها ذلك النمط من الخطابات والتي يستمد وجوده منها ويكسبها بالمقابل شرعيتها القائمة على التناقض وعمليات النفي والحذف لكافة العناصر التي تبدو مشتتة لذلك الخطاب التبشيري وهو ما يبدو واضحاً بجلاء في ذلك النفي للألوان واعتماد العرض للأبيض والأسود كألوان حادة ومميزة وغير قابلة للتأويل وغير متيحة للقسمة أو للتأمل في ذلك الفضاء المتسع الذي يمكن أن يطرح ذلك الخطاب التبشيري ذاته للنقاش ... وهو ما لا تقبله تلك الأنماط من الأفكار العقائدية التبشيرية فهي حدية تقسم العالم إلي معسكرات متنافرة بين مؤيد ومعارض . كما صار الواقع أكثر قلقاً وخوفاً من بزوغ ذلك الفرد المتميز الذي يرتدي رداء الحقيقة ويقدم الحل النهائي لكافة المشكلات وهو ما أكد عليه العرض عبر التميز اللوني لبطله "أسامة بن يعقوب " – اللون الأحمر – ومن هنا فقد العرض بعضاً من تأثيره الجمالي القوي وأن لم يكن قد فقده تماماً .
2
بالتأكيد أن ذلك الخطاب التبشيري لم يفقد بعد كافة الأراضي التي يمتلكها على أرض الواقع فلم يزل قادراً على أيجاد مساحات سواء عبر الخطاب الديني المتنامي والذي يجد ذاته في العرض عبر القدس وقضيتها الدينية التي تطفو على سطح العرض من خلال ترديد المتفرجين للصلاة علي النبي(ص) حال ذكر الممثل الذي قام بدور "أسامة " وهو ما أكسب شخصية "أسامة " شرعية مضادة مستمدة من خطاب نقيض ومعادي لمنطوق الشخصية ولخطابها .. كما ظهر في تلك الحماسة العاطفية التي ربطت المتلقين بالعرض لدي ذكر المدينة المقدسة "القدس" أو لدي ربط نمط الضد باليهودية القوادة .. الخ .
أن العرض وجد لذاته مساحات داخل الخطاب القومي والديني من خلال التأكيد على معجم صادرته تلك الخطابات لذاتها مثل "الأمة – الحرية – العدالة ... الخ" وهو ما سمح له بالمرور واتقاء النفي أو الرفض الجمالي أو الأيدلوجي المطلق له من قبل المتلقين . 
وبالتأكيد أن تلك المساحات قد وجدت لذاتها مساحات داخل العرض سواء على مستوي المرئيات أو على مستوي منطوق العرض وبسطت للعرض مساحة يتحرك فيها بحرية " وهي المساحة الانفعالية" وهي المساحة التي يتم التأكيد عليها عبر محاولة المخرج إدماج الصالة مع خشبة المسرح عبر قدوم المؤدين من الصالة وخروجهم عبرها ... أم عبر إضاءة صالة العرض في المسرحية الإطار"جوقة الشباب" وهي التقنيات التي أستمدها العرض من التيار الملحمي في المسرح .
ولعل استخدام المخرج للعديد من تقنيات المسرح الملحمي تبدو شديدة المنطقية مع الطبيعة الأيدلوجية للعرض حتى وأن تناقضت مع تلك الانفعالية المفرطة التي صبغت العرض .
3
أخيراً يبقي لمحمود عبد العال ولمجموعة العمل التي شاركته في أنتاج العرض ذلك الجهد الواضح والبارز في شغل المسرح طيلة الوقت بتشكيلات منضبطة و لوحات جسدها المؤدين بأجسادهم ونجحوا عبرها في التأكيد على أفكارهم وخطابهم من جهة و التأكيد على أمكانية نجاح المسرح وقدرته على التواصل الجمالي مع متلقية بأبسط الإمكانيات وأكثرها جمالية وهي جسد الممثل الحي والممتلئ بالشباب والنضارة التي طالما ميزت تجارب نوادي المسرح عبر تاريخها ومبدعيها .



ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...