الجمعة، ديسمبر 05، 2008

مسافر ليل والسقوط في سطوة النص



تمتاز نصوص صلاح عبد الصبور بمجموعة من الأنماط الكبرى التي تتكرر في مسرحه بشكل دائم ففي البداية هناك (المراة / الوطن )والتي يعد وظهور أغلان عن شبكة كاملة ومعقدة من العلاقات التي تتخذ منها مركزاً وتتحرك في فلكها.. منها وإليها...فيظهر أول ما يظهر (البطل المهزوم / المثقف) يليه (الطاغية /المخلص ) وفي النهاية يبزغ نموذج جديد ربما يكون (الطاغية أو المثقف) لكنه دائماً ما يكون متخلصاً من تلك السمات المميزة لتلك النماذج أنه نموذج (المخلص/ العادل).
يمكننا أن نجد مثل تلك النماذج متواجدة بكامل هيئتها...وربما يختفي بعضها أحياناً.. و تندمج أحياناً أخري.. لكن وفي كل الأحوال تظل تلك النماذج هي النماذج الفاعلة الأهم والأبرز في مسرح صلاح عبد الصبور وعلاقاتها هي التي تنتج المعني وتخلق الأفكار المميزة له... وتكسب مسرحة خصوصيته.
ولا يتخلف نص "مسافر ليل " في مجمله عن تلك الأطروحة – إذ ما تقبلنا منطقها – فهناك (البطل المهزوم / الراكب) وإلي جواره (الطاغية / عامل التذاكر ) وعبر النص يحتل (الراوي) دور المثقف العالم والممتلك للحكاية والسارد الأساسي والعالم ببواطن الشخصيات والمعلق علي أحاد المسرحية... قبلما يسقط هو الأخر في النهاية من موقعه المتميز ويتحول إلي موقع الراكب ليتحد بنموذجه الأصلي الذي أشتق منه منذ بداية العرض.
أن تلك النماذج وبرغم قدرتها على تقديم إجابات و تحقيق قدر من التأمل في العالم لن يستطيع أي مخرج الخروج بسهولة من مجالها لما تمتلك من قدرة ولالتصاقها بالشخصيات الدرامية داخل المسرحية (الراكب / عامل التذاكر/ الراوي).
ومن هنا يبدو العالم المسرحي لعرض مسافر ليل( للمخرج / أسلام مخيمر ) شديد الالتصاق بعالم النص الأصلي لصلاح عبد الصبور برغم محاولته الخروج من إطار ذلك العالم عبر التخلص من عالم القطار وتحويره لشخصية الراوي ليصبح سجين لقوي مجهولة وبجريمة مجهولة هي الأخرى ومتلقياً لعقاب غير مبرر داخل النص إلا إذ ما قمنا بتأويل شخصيته في النص ليصبح وعيه المفارق هو جريمته التي يعاقب عليها.
لقد علق العرض بعالم النص الأصلي ولم يستطع الخروج بعيداً عن تلك المساحة التي يتحرك فيها النص بل وصارت الكثير من الجهود والتفسيرات التي قام بها المخرج ومجموعة العمل حملاً أضافياً يثقل كاهل العرض مثل تلك المظاهر المثلية التي قامت بها شخصية (عامل التذاكر) فلقد شوشت على الخطاب العام للعرض وحملت الشخصية من الدلالات ما يزيد عن حاجتها أو قدرتها على التحمل فصارت، مما أضاف بعداً نافر وغير مرتبط بالشخصية.. 
لم تدعمه رؤية متكاملة لذلك العالم تدعم ذلك الطرح أو تؤكد عليه بل صارت إشارة عالقة غير قادرة على التواصل مع المتلقي أو التعبير عن مستوي مختلف عن المستوي الذي أنطلق العرض منه وهو مستوي القاهر والمقهور...
من ناحية أخري مال العرض إلي تقديم إشارات بصرية طيلة العرض تهدف إلي طرح علاقات القهر إلي مستوي غير منظور في أعلى فراغ المسرح في إحالة لعلاقات القهر إلي قوي مجهولة ربما تكون هي عشري السترة وربما تكون تجسد غير منظور لسلطة علوية تحكم تلك العلاقات و تمارس قدراً من القهر على (عامل التذاكر) ذاته وهي الإشارات التي لم تقدم إلا عبر شخصية (عامل التذاكر) مما يوحي بتراتبية من علاقات القهر غير المنطقي والغير محدد الأسباب... 
ربما هدف العرض من ذلك إلي طرح أفق أكثر أتساعاً لعلاقات القهر يصلح للتأويل وربما كان يحاول تحويل الكلمات التي تنطق بها شخصية عامل التذاكر في تجلياتها المختلفة إلي إشارات بصرية مما يعني أن العرض كان لا يتحرك في ذلك المجال إلا في حدود التفسير والتجسيد وهو الطرح الأقرب لعدم وجود تفسير داخلي للعرض لعلاقات السلطة والقهر التي توحي بها تلك الإشارات.
أن ذلك كله هو ما يدفعنا إلي النظر إلي ذلك العالم كعالم منقوص وغير مكتمل الجوانب وغير قادر على تحقيق وجود مستقل لذاته في مقابل النص أو الالتصاق بالنص والاكتفاء بتجسيد علاقاته.
وهو ما يؤكده حركة الشخصيات في فضاء المسرح فليس هناك تجسيد واضح أو مكتمل لعلاقات القهر على مستوي حركة بل أن حركة الشخصيات مالت إلي استعراض جمالي غير مكتمل لقدرات المؤدين والمخرج من قبلهم.
وهي ذات الملاحظة التي يمكن أن نشير إليها على مستوي الأداء الذي حاول عبره المخرج وبقية المؤدين أن يقدموا من خلاله عرضهم.
   




هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

تحليل رائع وممتع ،، وفعلاً رؤية إخراجية فيها الكثير من الاحتهاد لتوصيل معاني مختلفة ومتنوعة ،، وكذلك جاء التحليل والنقد
،، تحياتي ،

محمد مسعد يقول...

شكراً على تلك الكلمات المشجعة

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...