برغم السخرية المريرة والمفجعة من عالم الكومبارس لم يخلف عرض "وداعاً هاملت – أحمد راسم" سوي رؤية شديدة التشاؤم بإمكانية التغيير تلك الوضعية التي تفصل بين البطل والكومبارس/ الجموع ... فالعرض يتحرك بين فشل الكومبارس وانهيارهم الأخلاقي والتنظيمي بل وفشلهم كممثلين من جهة وبين عبثية محاولتهم لتجاوز واقعهم حتى في لحظة نجاحهم في تجاوز خلافاتهم الشخصية ..
لا مكان للتغيير في عالم " راسم "المسرحي إلا في تلك اللحظة التي تسدل فيها الستار .. أما في عالم العرض فلا وجود لأي أمكانية سواء أحاول الكومبارس تنظيم أنفسهم أم لا ...ففي الحالتين لا مكان للتغيير ولا أفق يوحي بغد مختلف ... فحتى"ليلي" - وهي الشخصية الوحيدة التي تتمرد على تلك المحاولة العبثية من المجموعة لاختيار من يؤدي دور هاملت - لا تترك الخشبة نحو أفق أكثر أتساعاً أو وضوحاً ولكنها تتجه نحو قاع ذلك العالم الذي يحيا فيه الكومبارس حيث يفقد الإنسان علاقته بالمجتمع ولا يدين له بنجاحه أو فشله .. فلقد وصلت إلي القاع ولم يعد من مجال للخوف أو التردد ..
لا يوجد من مصير واضح أو عقلاني لشخصيات ذلك العالم فهي أنماط شبحية تتراوح بين أن تكون مجرد أنماط كوميدية وبين أن تكون شخصيات ميلودرامية غير متسقة ... ولكونها كذلك فهي غير جديرة بأن تحوز الحياة التي تأملها .. ولا يبقي في النهاية سوي شخصية يوسف التي تقف على حافة ذلك العالم فلا هي جزء منه ولا هي متجاوزه له وهو ما يزيد من ذلك الشعور بالأسى الذي يصحب نهاية العرض ... فحتى الشخصية الوحيدة المؤهلة للخروج من تلك الدائرة يأتي المخرج ومعه البطل ليقمعها ويعيدها إلي مكانها بين الكومبارس .
ومن ذلك التشاؤم المطلق تنطلق الكوميديا الساخرة من ذلك العالم ومن تلك الأنماط المحتجزة والساقطة ..
ولعل ذلك التوجه نحو السخرية كان مصدر حالة الفرجة والحيوية التي سادت العرض كما كانت – وبذات القدر – مصدر لاختلال الإيقاع العام للعرض في أحيان أخري ... لكنها وقبل كل ذلك كانت أهم مصادر إشاعة حالة التشاؤم التي خلفها العرض والتي تتسع ببطء لتشمل القاعة والوطن ككل مع أتساع مستويات تأويل العرض وتحريك ذلك العالم نحو أفق أكثر أتساعاً من عالم خشبة المسرح ....
ومن هنا صار مشهد حفار القبور العبثي شديد الحضور والطارح لأفقاً وجودياً بالعرض والذي يدعمه المخرج بدمج شواهد القبور بالشخصيات المسرحية ... أقرب ما يكون لحكم بالإعدام على طبقة وعلى عالم بأكمله .. ويصبح أقرب ما يكون بعملية تقرير لمصير وبشكل مسبق تجعل كل محاولات الكومبارس محكوم عليها بالفشل مسبقاً .
وأخيراً يظل للعرض وبرغم تلك الرؤية التشاؤمية وبل والعدمية ... حق في أن يقرر للعالم ما يراه طالما ظل محتفظاً بتلك الحيوية والفنية التي استطاعت الوصول إلي المتفرجين ببساطة وقوة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق