ربما يكون أحد
الرهانات الأساسية لعرض (حكايات النهر) لفرقة قصر ثقافة بني مزار و المخرج حمدي
طلبة هو إعادة سرد التاريخ من أفق مختلف .
فالعرض ورغم تناثر العديد من الإشارات للعصر المملوكي فإنه يظل عالقاً في زمن
مفارق للزمن التاريخي الواقعي .. فزمن العرض تتداخل فيه عدة أزمنة منها ما هو
أسطوري و سحري ومنها ما يشير لأزمنة مختلفة تتنوع بين الفرعوني و أزمنة العصور
الوسطي وأخيراً اللحظة الراهنة التي تتداخل مع زمن المتلقي عبر جلوس المؤدين حول
مساحة الأداء.
إن العرض يسرد لتاريخ
لا ترصده المدونات التاريخية و الوثائق و الوقائع.. بل هو تاريخ سحري لوطن ..ولعل
ذلك ما جعل العرض و في بعض الأحيان أقرب ما يكون للواقعية السحرية.. وجعله في
أحيان أخرى أقرب لاستعارة مسرحية تحاول تقديم رؤية شاعرية للوطن والعلاقات المعقدة
التي تربط بين المجتمع المصري و السلطات المتعاقبة عليه .وفي مستوي أخير رصد
للصراع بين السلطات والخطابات المناهضة لها والكامنة هنا في ما هو حسي و غريزي و
أنساني.
من هنا يمكننا أن
ندخل لعرض حكايات النهر فالعرض ينطلق من بناء درامي قائمة على عدد من الخيوط
الدرامية المتقاطعة و التي يتم جمعها في النهاية لصالح شخصية درامية مركزية هي (محروسة/جهاد
على) التي تتحول ببطء إلي مركز الصراع بين شخصيات النص بعدما تزيح ببطء خيط درامي (لم
يهتم العرض بتنميته) و هو إصابة الرجال بالعجز الجنسي .. حيث تحل بطبيعتها السحرية
لتمزق العلاقات الراكدة و تطلق علاقات جديدة ومصائر مختلفة للشخصيات الأساسية
(فالشيخ عطية /محمود الشوكي) يتحول من شيخ طريقة إلي عاشق متيم يحاول قتل أخيه
الأصغر عندما يستشعر و جود علاقة تجمعه مع محبوبته (محروسة) ، وكذلك الحال بالنسبة
(لعطا/اسلام تيتو) الذي يتحول من أخ أصغر يعيش في كنف أخيه إلي مقاتل من أجل
الحرية يقتل على أبواب قصر السلطان وهو يتبع النبوءة التي تأتيه بها (أمه/محروسة)
في الحلم. وحتى (السلطان/حنفي حنفي) يتحول لعاشق يتبع تلك الرائحة العطرة التي
تأسره .
إن ذلك التحول في
المصائر حول الشخصية المركزية ربما يؤكد من مركزيتها و حضورها خاصة عندما يتم ربطه
بعدم وجود تحولات حقيقية في تلك الشخصية وثباتها الذي يتم دعمه من قبل المخرج و
الممثلة بطبيعة أدائية مميزة تحاول التأكيد على انفصال الشخصية عن الانفعالات
الواقعية عبر ابتسامة دائمة ترتسم على وجهها و أداء شاعري للحوار وأخيراً عبر تأكيد
الحركة المسرحية على الحالة الشاعرية و
الإيقاع البطيء الذي يزيل أي ملامح واقعية عن الشخصية وبالتالي عن العرض.
على مستوى أخر فإن
الشخصية تحيل للوطن عبر التماثل بين أسمها و الاسم الشعبي لمدينة القاهرة (مصر المحروسة)
وكذلك عبر تأكيدات العرض على سماتها المفارقة للواقع بداية من الملابس التي تحيل
المتفرج للعصر الفرعوني و طبيعة الشخصية الأسطورية.
ولكن ذلك الحضور
الطاغي لشخصية محروسة يظل في النهاية مجرد عنصر من عناصر بناء وتشكيل عرض (حكايات
النهر) فالعرض يطمح إلي ما يتجاوز تقديم لعالم النص و المجموعات المتصارعة فيه ذلك
أن بناء عالم مسرحي شاعري أقرب لعوالم الأحلام كان من التوجهات الرئيسية للعرض ..
فالمخرج حاول بناء طبيعة إيقاعية للعمل لتحقيق الحالة الشاعرية للحد الذي جعل من
حركة الشخصيات الدرامية في الفضاء بطيئة وكذلك الحال بالسبة لعمليات تشكيل الفراغ
عبر الوحدات التشكيلية حيث أبتعد العرض عن تشكيل فضاءات المنزل و القصر و السوق
لصالح عمليات تشكيل جمالي يرتبط بما يريد
العرض إيصاله من أفكار أو ما يعتمل في صدور الشخصيات من مشاعر أو رؤى للعالم ..
ولعل إصرار العرض على إبراز حضور المؤدين كمساهمين في تشكيل الفضاء و جلوسهم حول
مساحة الأداء كان من العناصر المؤكدة على الحالة الشاعرية .. حيث لم يأت حضور المؤدين
داخل مساحة الرؤية ليقوم بالأدوار التغريبية و التي تؤكد على المتلقي عدم واقعية
ما يشاهد ..بل على العكس كانوا يقومون بدور في التأكيد على شاعرية العالم المسرحي
و اسطوريته على نمط حضورهم السلبي و الطريقة التي أستخدمهم بها المخرج في تبديل و
إعادة تشكيل الفضاء .
ولكن في النهاية ربما
تظل مشكلة عرض (حكايات النهر) الاساسية قابعة في عدم تطويره للعديد من الإمكانيات
التي كانت متاحة أمامه سواء على مستوي النص الذي يتخلى علن شبكات العلاقات التي
يقوم ببنائها أو على مستوي التكنيكات المسرحية التي قام باستخدامها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق