الخميس، فبراير 20، 2014

قطة بسبع أرواح.. بين الشر المطلق للحنش .. و الجماعة الشعبية الخيرة بالمطلق


يمكن النظر لعرض فرقة بيت ثقافة السادات (قطة بسبع ترواح) للمخرج محمد جمال . كنموذج لمحاولات تيار المسرح الشعبي الاستمرار و التأكيد على قدرته على التعبير عن الواقع المصري عبر أحياء تراثه الأدائي و الحكائي في مقابل ذلك التسارع  الثقافي الذي تقوده الطبقة المهيمنة نحو قطع العلاقة بالتراث الثقافي الشعبي عبر عدد من الطرق المختلفة (وأحياناً المتناقضة) لعل أهمها حالة الاستقطاب الحاد بين تيار ديني محافظ ينظر لمنجزات تلك الثقافة على أنها هراء وهرطقات لا تستحق الوجود ، وتيار علماني يرى أن الارتباط بتلك الثقافة هو أحد أسباب عدم قدرة المجتمع على اللحاق بالمركز الغربي.
وبين هذه الثقافة السلفية و تلك العلمانية تتصاعد أشكال الثقافة الجماهيرية الجديدة واسعة الانتشار (الراديو، التلفزيون، الإنترنت..) لتقوم بإعادة تشكيل الوعي و المخيلة الثقافية ونفي كافة النماذج الجمالية التقليدية لصالح نماذج جديدة تتوافق ورؤية الطبقة المهيمنة (دينية كانت أم علمانية).
من هنا تصبح محاولة العرض استخدام نص مسرحي قائم على استعادة أستعارية لأسطورة تأسيسية في المخيلة المصرية القديمة مثل (أسطورة إيزيس وأوزوريس) نموذج لكيفية استعادة تلك المخيلة الشعبية التي انتقلت تاريخياً عبر الأرثوذوكسية المصرية و صور الأولياء و الإباء و القديسين ..  
كذلك فإن العرض يحاول التأكيد على هويته وانتماءه الثقافي عبر تلك المقابلة التي يعقدها طوال الوقت بين مجموعة الحنش (محمد كرم) و مجموعة فياض و خضرة (محمد عبد الحق، أميرة حسني).. فالمجموعة الأولي تم تميزها بمجموعة من السمات مثل الملابس الغربية (تصل لبدله رسمية لشخصية الحنش)  وذلك في مقابل تميز المجموعة الثانية بالملابس التقليدية للريف المصري ، وكذلك فإن العرض يقوم بعقد مجموعة من المقابلات الأخرى انطلاقا من ذلك التقسيم فلمجموعة الحنش اللون الأسود والألوان القاتمة في مقابل التنوع اللوني لمجموعة أهل القرية وأتباع الشيخ أبو الحكاوي (عماد لطفي) ، وكذلك على مستوي الثيمات الموسيقية المميزة لكل مجموعة حاول الملحن (ماهر كمال) التأكيد عليها ، وأخيراً التفرقة بين الفضاء الخاص بمجموعة فياض وخضرة المفتوح و المرتبط بمساحة المتلقين و الفضاء الخاص بالحنش الذي يحتل مستوي أعلى و يمتاز بطبيعة تشكيلية ولونية قاتمة .
إن العرض يطرح إنتمائته ومواقفه طوال الوقت ويؤكد عليها عبر كافة التقنيات الممكنة المتاحة لدية بداية من استخدام مساحة المتلقين ، أو عبر المشاهد الاحتفالية و الغنائية ، أو حتى عبر الحديث المباشر للمتفرجين (وإن كان قد تم في إطار شديد الضيق بمشهد سؤال خضرة للمتفرجين عن فياض المختفي) 
إن تلك الانتماءات يحاول العرض التأكيد عليها ربما كانت هي الرهان الأساسي للعرض و للتيار المسرحي الذي يمثله ففي النهاية تظل تلك الهوية الثقافية التي ينتصر لها العرض - و التي يقدمها كنموذج للخير المطلق - هي جزء من خطته التي تتصاعد نحو إعادة تأويل معاصر ومشتبك مع الواقع الذي يقدم له .. فالحنش ليس مجرد (ست) الشرير أو الشيطان.. لكنه ممثل لطبقة  تمتلك المال و السلطة ، بل ويمكن أن نتقدم مع العرض خطوة أخرى لتحديد تلك الطبقة في صورة (جماعة) أو في نستمر في تلك الرؤية العامة التي تنطلق استعارة كل أشكال الظلم الاجتماعي والاقتصادي و السياسي في صورة رجل و مجموعة من الأتباع تتم عملية تحديدهم بإضاءة حمراء وملابس سوداء و مبني حجري كنموذج للشر المطلق .
ولكن تظل الأزمة التي تواجه ذلك النوع من العروض (بصفة عامة) هي أنها لا تهتم بتفعيل جماليات مسرحية بقدر اهتمامها بالخطاب الذي تحمله .. فالصورة المسرحية تكمن قيمتها الأساسية بالنسبة لعرض (قطة بسبع ترواح) في قدرتها على التعبير عن التناقض وإيصال الرؤية الأيديولوجية للعرض وليس في قدرتها على تخليق صورة متعددة الطبقات أو جمالية .. بل إن محاولة المخرج و مصمم الديكور (محمد مرعي) لتخليق صورة مسرحية (مثل مركب الصيد) لم يتم استخدامها إلا لتترجم ما تغنيه الشخصية.
ربما كانت أزمة العرض الأساسية تكمن في المقام الأول من الرؤية المبدئية التي أنطلق منها و التي ترى أن المسرح يستخدم التراث الثقافي ليس للبحث في جماليته أو إحياء لها ولكن كقاعدة (لتوصيل رسائل سياسية) وبالتالي يتراجع المسرح للمرتبة الثانية وأحياناً الثالثة .


ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...