الاثنين، يوليو 01، 2013

لنقاتل شيطان العداء للمسرح ..



يمسك شيطان العداء للمسرح بشوكة ذات ثلاث شعب ..
أول تلك  الشعب هي التيار الديني المحافظ و المغلق الذي ينظر لكافة مظاهر التحديث على أنها الشيطان ذاته وأن أي مظهر للتمدن أو التحضر وفق النمط الغربي هي كفر بالإسلام و خروج على المله و بالتالي تحطيم للمجتمع و للثقافة "الأصيلة" والمتفردة التي تهب لذلك التيار الديني هويته وقيمته داخل المجتمع في الحياة الدنيا وتهبه جنة الخلد في العالم الأخر .
بالمجمل فإن المسرح من الأمور الخطرة لأنه فن ذو أصول غربية.. يسهم في خلخلة المجتمعات التقليدية ويزيد من الأسئلة و يطرح خيارات المسكوت عنه ضمن الثقافة العربية والإسلامية. وقبل كل ذلك يكشف عن مواطن العوار في المجتمع و نظمه ... فالمسرح مكان لقضايا الحب و الصراع بين السلطات و الأسئلة الوجودية .. أو في أدني حالاته مكان للسخرية و الضحك من كل شي وأي شيء وبكل الوسائل.
إن المسرح فن مرفوض لان من يمارسونه هم خارجون على النظام الاجتماعي التقليدي الذي يمثله رجال الدين الذين يخلطون بين الدين و الثقافة المحافظة  التي يصبح فيها الرجل الذي تسير زوجته أو أبنته سافرة "ديوث" كما قال أحدهم من فوق المنبر وليس أقل من ذلك ... فما بالك بمن يمارسون الفن المسرحي.. أو فنون الأداء بشكل عام .
أنهم يكرهون المسرح ليس لأنهم يدركون خطورته أو لتوغله في كافة أقاليم مصر.. ولكن لأنهم يدركون مدي قدرته على أفساد ذلك العالم المثالي الذي يحلمون به.. العالم الذي يرتد فيه الناس إلي زمن النبوة في القرن السابع الميلادي وليس أقل من ذلك.. أن المسرح هو ما يؤلم عيونهم ويذكرهم كما تذكرهم كافة مظاهر الحضارة الحديثة ببعد حلمهم و سخافة أملهم في الارتداد إلي الخلف.
ولعل طريقتهم في محاربة المسرح سواء أكان أسمهم أخوان مسلمين أو سلفيين هو ضرب مركز دعم العمل المسرحي في مصر ممثلاً في وزارة الثقافة من خلال شيطنتها و تحويلها أمام الرأي العام إلي وكر للشيوعية (الشريرة والملحدة) و تصوير الوزارة على أنها مقر للفلول و الفاسدين و اللصوص و الدعارة.
ولعل ذلك الدور هو ما يقوم به وزير الثقافة الجديد (علاء عبد العزيز).. فهو يحارب الثقافة المصرية ككل من خلال تقديم نفسه على أنه مكافح للفساد وكاشف للمفسدين..ز وبالتأكيد فإن بعض قيادات الوزارة مثل السيد سعد عبد الرحمن يمثل نموذجاً مثالياً بالنسبة لذلك التيار فهو مناهض للمسرح يحاول التخلص منه عبر وصم العاملين فيه بالفساد و التربح من أموال الدولة دون وجه حق.
إما ثاني شعب شوكة شيطان العداء للمسرح فهم قيادات تلك الوزارة المنتمين لزمن دولة مبارك الذين يحاولون التوازن من خلال محاولة تثبيت الوضع لأطول وقت ممكن لأنه يحافظ على مصالحهم المالية و الوظيفية دون الإشارة للدور الذي كانوا يقومون به خلال عصر فاروق حسني في تفتيت الوزارة و تصفيتها تماشياً مع أفكار اليبرالية الجديدة التي كان نظام مبارك يعتمدها في سنواته الأخيرة .. لقد أفسد فاروق حسني الوزارة في سنوات عمله الأخيرة ووضع من العوائق ما يكفي لتفتيتها بهدوء من خلال تجميدها و منعها من التطور أو النمو بشكل طبيعي لتحقق أدوارها الطبيعية.. تماماً كما حدث مع القطاع العام ليتم تصفيتها في مرحلة لاحقة تحت دعوى فشلها وخسارتها.
إنهم يحاربون المسرح ويناهضونه من خلال ما يقومون به من أدوار في الحفاظ على الوضع المغلق و المجمد للجهاز الإداري والمالي الخاص بالوزارة دون تطوير.. حتى يصبح المنتج المسرحي مشوه ومعوق وغير صالح.
إما الشوكة الأخيرة التي يغرزها شيطان عداء المسرح في طهر تلك الظاهرة فهي مثقفي العاصمة من المنتمين للأفكار تاتشر وريغان و بوش الابن .. التي ترى أن انسحاب الدولة من كافة أدوارها ضرورة لتحقيق أعلى قدر من الربحية و تحقيق أعلى قدر من النمو للقطاع الخاص.. دون اهتمام بالأدوار التنموية أو الالتزامات المعلقة على رقبة الدولة.
أنهم يربطون بين التنمية والربحية.. كما يرفعون دعاوي زائفة  حول الحرية والتحرر من خلال  الحديث عن أن الدول الحديثة لا وجود بها لوزارات الثقافة .. لأنها دول حرة و لا تتدخل في عمليات تشكيل المجتمع.
أنهم شياطين اليمين الذين يرغبون في فتح الباب أمام التمويلات الأجنبية والداخلية ذات المصالح المتشابكة لتحقيق مصالحهم المادية الانتهازية .. دون اعتبار لواقع المصري ودون اعتبار للدور التاريخي الذي اضطلعت به الدولة المصرية الحديثة في تنمية المجتمع ودفعه للتخلص من بقايا العصور الوسطي.
أنهم مركزيون لا يفكرون إلا في العاصمة ويظنون أن الأقاليم ما هي إلا مقر للتخلف و الرجعية التي يجب على العاصمة أن تخلصه من جهله و تخلفه من خلال تلك الطغمة المتربحة من المسرح والثقافة .
أن شيطان عداء المسرح يحارب المسرح عبر وصمه بالعمالة و معادة ثقافة المجتمع أو أنه أداة في يد الدولة أو أنه متخلف و فاسد.
كل هذا ليتحقق الهدف الأخير.. القضاء على الظاهرة المسرحية في مصر ...
ولكن هل هذا ممكن ؟ هل يمكن لشيطان العداء للمسرح أن يستفيد من تلك الحالة المتردية لطعن المسرح و قتله تحت أي من تلك الدعاوى .. أم أن المسرح يمتلك القدرة على تحقيق وجوده في مصر من خلال ممارسيه الموزعين على طول القطر من أسوان إلي الإسكندرية ومن رفح إلي مطروح و الواحات الغربية.
أعتقد أن المستقبل هو فقط من يملك الإجابة على ذلك السؤال.. لن يجيب عليه انتصار فصيل  من فصائل الصراع التي تتقاتل حالياً في الشارع وتتنازع المجتمع المصري ..  
ولكن على الأقل لنحارب ذلك الشيطان وشوكته المغروسة بكل ما أوتينا من قوة حتى نستطيع إن لم ننتصر اليوم تمهيد الطريق لمن سوف يأتون بعدنا ليستكملوا المعركة.

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...