الأربعاء، ديسمبر 19، 2012

حنظلة بين ونوس وأسلام أمام




يعد عرض (حنظلة) للمخرج (أسلام أمام) من العروض الدالة على بداية حدوث تحول في وعي المسرح بالثورة المصرية ، ذلك أن المسرح انحصرت علاقته  بالثورة - خلال الفترة الماضية – في حدود التأريخ لها ،ولأسباب تفجرها ،ونقد النظام السياسي القمعي الذي قامت لتهدمه، وهو ما انعكس بالضرورة في الطبيعة الاحتفالية والتبشيرية التي فاضت بها العديد من العروض، وهو أنعكس كذلك في نمو تيار مسرح الشارع الذي كان يعاني من القمع الأمني، وكذلك رواج جلسات الحكي المسرحي التي ارتبطت في معظمها بسرد العلاقات الشخصية التي تربط بين الأفراد والثورة كحدث اجتماعي وسياسي فارق.
إلا أن عرض (حنظلة) يسلك طريق مختلف بعض الشيء ، حيث يتخطى تلك الأجواء الاحتفالية ،والتفاؤل الساذج الذي تفيض به معظم العروض التي تتعرض للثورة، نحو محاولة استكشاف أثر ذلك الحراك الشعبي على علاقات السلطة داخل المجتمع، وهو ما يتجلى عبر تحديده للفئات التي استلبت تلك الثورة وأعادت أنتاج آليات التسلط والقمع ضد الطبقة التي قادت الحراك الثوري ، تلك الطبقة التي لم تلبث أن وجدت نفسها أمام إعادة إنتاج لذات النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يتم سحقها عبره .. وهو ما أنعكس - بالعرض - في صورة رؤية تشاؤمية وكفر بإمكانية تغيير الواقع أو زحزحة علاقات السلطة الحاكمة لتكون أكثر إنسانية.
إن تلك النافذة المعتمة التي يطل منها عرض (حنظلة) على الواقع ربما كانت هي المبرر الأساسي للتخلى عن الرؤية التي طرحها الراحل سعد الله ونوس في نصه (رحلة حنظله من الغفلة إلي اليقظة)، وهو ما يتجلى في تخلى المخرج عن النص ذاته كمرجعية أساسية في تشكيل العرض، لتصبح العلاقة بين العرض ونص (ونوس) شديدة الهشاشة و لا تتعدي استلهام بعض المشاهد و إعادة صياغتها بما يتلاءم مع توجهات العرض الذي وضعها المخرج ... وبالتالي ربما كان من الأجدى أن نهمل محاولة البحث عن العلاقة بين النص الأصلي وبين نص العرض لأنها لن تفيدنا كثيراً في الاقتراب من تجربة عرض (حنظلة) .. وإن كان يؤخذ على العرض ،عدم وجود أشارة واضحة بالمواد الدعائية تشير إلي أن نص العرض هو إعادة كتابة و صياغة لنص سعد الله ونوس الذي هو بدوره إعادة كتابة وصياغة لنص بيتر فايس (كيف تخلص السيد موكينبوت من الآمه).
وبما أننا قد تخلينا عن نص ونوس كمرجعية فإننا يمكن أن ننطلق نحو العرض من خلال البحث عن شبكة العلاقات التي يحاول العرض تحليلها و السخرية منها .
ولعل أول ما يمكن أن نصادفه في العرض هو حالة المسرحه والتعامل المباشر مع الجمهور وكشف عناصر اللعبة المسرحية من خلال تقديم العرض من قبل مهرجين (محمد على رزق/ رشا جابر) وتعمد إحداث تشوه كوميدي عبر عملية  القلب الجنسي عبر ارتداء الممثل لملابس تهريجية ذات صبغة نسائية في مقابل ارتداء الممثلة لملابس ذكورية بالإضافة للشارب المرسوم على وجهها.
وتتصاعد حالة المسرحة مع تقديمهم للمؤديين/ المطربين في إطار ساخر و تهريجي وصولاً لدخول الممثل الذي يؤدي دور حنظلة (أحمد فتحي) للبحث عن المكنسة التي يفترض أنها من إكسسوار الشخصية التي يؤديها  ... الخ
ويستمر تصاعد حالة المسرحة عبر تحطيم العرض لأية أمكانية للاندماج العاطفي مع شخصية (حنظلة) عبر الكوميديا التي تتعمد السخرية من الآلام الشخصية ومعانتها بداية من خروجه من السجن بعد دفع رشوة مروراً لطرد زوجته له من المنزل وخيانتها الجنسية له وطرده من مقر عمله السابق لتغيبه برغم محاولته أقناع المدير أنه كان محتجزاً ظلماً بالسجن خلال فترة غيابه ، ثم محاولته إيجاد إجابة عن أسباب ما يتعرض له عند رجل الدين ثم لدي مركز الطب الأعلامي ... وصولاً إلي تفتح وعيه وثورته ثم سلب ثورته من خلال تلك القوي التي كانت تقمعه منذ البداية (الشرطي/الطبيب /أحمد عبد الهادي) و(المدير/ رجل الدين/ ياسر عزت).
ترتفع وتيرة السخرية وتهبط لكنها تظل دائماً حاضرة كعنصر تغريبي تماماً كالغناء الذي يقوم على المحاكاة الساخرة للعدد من الأغاني العاطفية والتي ترتبط بالإطار الساخر الذي وضعت فيه المؤدين.
وأخيراً فإن توزيع (المؤدين / المطربين) بين مساحة المتفرجين ودورهم الهام في نسف أي مساحة للاندماج.
وبهذا يصبح حضور المتفرج كمشارك سلبي عبر الضحك والوعي بالمسرحة جزء أصيل من بنية العالم المسرحي في عرض (حنظلة) وهو ما ينعكس بالطبع على طبيعة تلقي المتفرج للعرض المسرح ووعيه بالعلاقات التي تشكل ذلك العالم، فالعرض يقذف ومنذ البداية بعدد كبير من الشخصيات إلي ساحة الأداء لا تقوم بدور مباشر في تصنيع العالم المسرحي أو بناء مجتمع النص بل أن دور معظمها يقتصر على التأكيد على حالة المسرحة و إشاعة أجواء كرنفالية عبر الملابس غير المتناسقة تاريخياً (مثل الزى الفرعوني الذي يرتديه المطرب) أو في علاقتها اللونية أو تكوينها (مثل زى بافروتا /أمجد الحجار المكون من سترة قائد الأوركسترا وسروال شبابي) .
ولعل ذلك الدور التغريبي الذي تقوم به تلك الشخصيات (مجموعة المطربين) يمكن أن يفسر مجانية وجودهم بالعرض، وعدم وجود أدوار لهم في تشكيل العالم الدرامي ، فالمتلقي يمكن أن يكتشف عدم وجود ضرورة لتلك الشخصيات بالعالم الدرامي خاصة مع وجود (المهرجين/المعلقين) من ناحية، وانعدام وجود علاقة تداخل بينهم وبين العرض من ناحية أخرى فهم منفصلون عن شخصيات العالم الدرامي ولا توجد علاقة بينهم وبين عالم حنظلة سوى التعليق الغنائي أو الحكايات التي يرويها (بافروتا).وهي التعليقات التي يمكن حذفها دون أن يصاب العرض بأى خلل بنائي أو خطابي. لكن وجودهم يظل ممتلكاً لقدر من المعقولية في ظل الفوضى الافتراضية التي تطرحها المسرحة التي تستخدم الفوضى المنظمة وتدمير جماليات العرض المسرحي لتأكيد وجودها..  
ولكن كل تلك التبريرات لا تفسر حالة القلق التي تسود العرض نتيجة فشله في تحقيق رهانه الأساسي والمتمثل في جمع كافة السلطات التي تسهم في بناء الواقع وتحديد إمكانياته وممكناته وهو ما ينكشف العرض في سقوط العرض بدوامة كبيرة تتشكل من عناصر واضحة و صريحة و عناصر تبدو مضببة و غامضة نتيجة عدم قدرتها على أن تحمل أكثر من قدرتها مثلما يبدو الحال في الديكور الذي يبدو شديد البساطة والتجريد للحد الذي يمكن معه أن يشعر المتفرج أنه بدون معنى تقريباً ومنعدم الصلة بالعرض .. لكن ما يجعل من الممكن تقبله هي حالة المسرحه التي أشرنا إليها.
ولكن ورغم حالة القلق تلك فإن المتلقي يخرج من العرض وهو يشعر بقدر كبير من المتعة المسرحية نتيجة الحالة المسرحية المتقنة التي أنتجها المخرج وفريق العمل بداية من بطل العرض (أحمد فتحي) مروراً بأمجد الحجار الذي يظهر تقدماًُ ملحوظاً في أدائه التمثيلي بين عرض وأخر وكذلك أحمد عبد الهادي و ياسر عزت محمد على رزق ورشا جابر وآيات مجدي وسماح سليم وشادي عبد السلام.
في النهاية يبقي أن نشير إلي أننا أمام عرض جيد ومتماسك حاول من خلاله المخرج و الممثلين تقديم كوميديا راقية وممتعة باستخدام تقنيات الكوميديا ديلارتي .

ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...