الاثنين، ديسمبر 05، 2011

أنت حر .. أحياء نص مستهلك



أنت حر ... نص قديم أستهلك وتم أستنفاده إلي حد تحول بعض مونولوجاته إلي نماذج أدائية مثل (أنا سوسو .. سوسو بنت الجيران) .. تلك هي الأفكار المسبقة التي يمكن أن يدخل بها متلقي المسرح الخبير والمعتاد على متابعة العروض المسرحية بشكل دوري ودائم ...
لكن ومن جانب أخر فإن المسرح قادر دائماً على إبهار المتلقي وعلى تحطيم الصور النمطية أو التقليدية من خلال تلك العقول الشابة التي تحاول التمرد على ما تم التعارف عليه وما ترسخ كمسلمات كما حدث الليلة في عرض أنت حر لفرقة كفر الشيخ على يد المخرج والمعد /عمرو مصطفي .. حيث قام المخرج ب‘ختزال النص المسرحي والتركيز على القضية الأساسية فيه وهي البحث عن الحرية الفردية داخل مجتمع يمتلك ثقافة معادية لفكرة الحرية الفردية بداية من التربية بالمنزل مروراً بالمدرسة والعمل والسياسة وحتى مؤسسة الزواج ليقدم في النهاية نموذج مأساوي لهيمنة ثقافة القطيع على المجتمع ودوره في سحق أي فرد يحاول أن يقدم نفسه كمختلف أو غير منتمي لتلك الثقافة السائدة ...
ولعل ذلك التوجه قد ساهم في فتح السبل أمام المخرج للتخلص من تلك الهيمنة القوية للكوميديا التي جذبت الكثير من المخرجين ناحيتها على حساب الأفكار التي يطرحها النص وأدي إلي ذوبان العرض في الصورة التجارية التي أعد ليقدم عليها بفرقة ستديو 80 بدون الإمكانات المادية والتمثيلية التي كانت توافر للمخرج (محمد صبحي) .. بشكل أدي في النهاية إلي تحول الكثير من العروض التي قدمت لنص أنت حر إلي مسخ للعرض الأول الذي قدمه (محمد صبحي) .
ولعل أول ما يمكن الإمساك به بعرض أنت حر للمخرج (عمرو مصطفي) هو تأكيده على فكرة الزمن من خلال الساعة الضخمة التي تحرك بين مشهد وأخر لتؤكد على مرور الزمن وتشير لمرحلة جديدة في حياة الشخصية الأساسية التي يقدم العرض لسيرتها الذاتية وهو ما يشير إلي محاولته تقديم معادل بصري قوي وذاطبيعة مسرحية لما يرغب في تقديمه من دمج لمجموعة من الأزمات (كالحرية والزمن) ليؤكد على طرحه الأساسي وهو أزمة الكائن البشري ككائن معذب بسبب وعيه .
ولكن ذات المعادل البصري الذي قدمه المخرج كان مؤشراً على المناطق التي ترهل فيها العرض وفقد بوصلته فيها ...فالمشاهد التي تحرك فيها الساعة هي نموذج لذلك الترهل الذي سقط فيه العرض مثل الإفتتاحية التي تقدم للعالم ثم الوطن العربي  ثم مصر ثم الشارع لتشير إلي المكان الذي ولد فيه (عبد المأمور/ محمد مسعد ) والتي كان يمكن التخلي عنها سواء كأفتاحية أو كخاتمة للعرض وكذلك المشاهد التي تلي مشهد موت (الزوجة عزيزة/ناهد عبد الباسط ) وهي المشاهد التي أثرت بالسلب على إيقاع العرض المتدفق والحيوي وإن كان يمكن قبولها في إطار التجربة الأولي التي يحتشد فيها المخرج بكل أدواته المسرحية ورغباته في تخليق عرض متميز بشكل قد يؤدي إلي أتخام العرض بجماليات أو أفكار لا يحتملها ...ولكن وعلى أي حال فأن العرض يمتلك الكثير من المميزات التي تغفر للمخرج ذلك الترهل الإيقاعي في مشاهد البداية والختام والتي يعلق فيها الكثير من المخرجين في تجاربهم الأول عندما يشعرون أن متن العرض غير كاف لتقديم كل ما يقلقهم أويرغبون في البوح به للعالم ..
ولعل أول تلك المميزات هي الحلول التقنية التي لجاء إليها المخرج لتقديم عرض سريع الإيقاع  يستغل فقر الإمكانات المادية ويحولها لميزة تسهم في حيوية العرض وتقديم أفكاره .. كما هو الحال في اللوحات التوصيفيه التي تقدم (حته ضلمة – الشيطان – رمز السلطة/التاج....) والتي تختزل الكثير لتصل إلي جوهر المشهد المسرحي وتتيح المجال للمخرج لتقديم حلوله الإخراجية و التي ترتبط بالضرورة بالأفكار التي يريد طرحها ...
كذلك الحال في توحيد الملابس وأستخدام الأكسسوارات .. والتي أستخدمها المخرج يؤكد على فكرة كون مجتمع النص مسجون ومختزل لمجموعة أرقام من ناحية (ما عدا مشهد المصحة ) ولتأكيد على فكرة القطيع التي يطرحها النص والتي لا يفلت منها سوي أعضاء السلطة (الباشا – المدير – عبد الستار- الطبيب ... الخ) وهو ما يعكس وعي من المخرج بأدواته المسرحية وقدرته على تحويل أستخراج ما هو مشتركمع اللحظة الراهنة من نص قديم ومستهلك .
أما أكثر الأدوات الفنية التي ظهر بها جهد المخرج فهو العنصر التمثيلي والذي ظهر متناسق وحيوي برغم الأزمات التنفيذيه ... والذي أستطاع عبر حيويته وقدراتهم الفردية دعم طبيعة العرض وتوجهه الفني .
  





ليست هناك تعليقات:

المحاكاة الساخرة (الباروديا) .... ماكينة الهدم والتحطيم

يبدأ المشهد بفريقين لكرة القدم يقفان في مواجهة بعضهما البعض ... الأحمر إلي يسار المتفرج والأبيض إلي يمينه، ربما يبدو المشهد مألوفاً ودلال...