الأربعاء، مايو 12، 2010

مغامرة رأس المملوك جابر .. محاولات لتخليق الكوميديا وإخفاقات في التواصل


في العادة ما يصوغ أسلوب التعامل الإخراجي مع نص ما من النصوص الملامح الأساسية التي تفصل بين تناول مخرج وأخر لذات النص.. فالأسلوب يحمل طريقة رؤية المخرج للعالم من خلال النص الذي أختاره ليقدم من خلاله رؤيته تلك.. وهو ما يعني أن النص المسرحي بكل ما يقدم من إمكانيات أو فروض في رؤية العالم يظل دوره محصوراً في حدود كونه أداه من أدوات المخرج .. مع الحفاظ بالطبع على وجود علاقة بين الرؤية التي يقدمها المخرج من جهة والرؤية التي يطرحها النص.. أياً كانت تلك العلاقة.. سواء أكانت بالاتفاق أم بالتناقض.. الخ .

ومن هنا يمكن لنا أن نشير للعلاقة التي تربط بين عرض "مغامرة رأس المملوك جابر" من ناحية ونص سعد الله ونوس من ناحية أخري .. كما يمكن لنا وعلى مستوي أخر دراسة ملامح العالم الذي يقدمه لنا المخرج والمعد الدرامي (وفيق محمود) من خلال عرضه.

أما على المستوي الأول فنحن يمكن لنا أن نلمح محاولة من المخرج ليس لاختزال النص أو معارضته ولكنه وبالمقابل يحاول الكتابة فوق نص ونوس من خلال الأغاني ذات الطابع التعليقي والتحويل لطبيعة المشهد ليقدم بأسلوب أقرب لأسلوب الكوميديا ديلاتي .. ولعل تلك العلاقة التي اشرنا إليها هنا بأنها محاولة الإضافة للنص لا تحتوي فحسب على محاولة للإضافة ولكنها تحتوي كذلك على عمليات حذف وتفريغ لبعض من خطاب نص سعد الله ونوس وتنمية والتأكيد على أجزاء أخري بما يمكن أن نستخلص منه أن المخرج لم يكتف بمحاولة تنمية الخطاب الدرامي والفكري الذي يطرحه النص على المستوي البصري فحسب ولكنه أتخذ موقف أقرب لما يطلق عليه المخرج المؤلف .

ومن هنا يمكن لنا أن نري الملامح الأساسية للعمل والطريق الذي أختاره المخرج لتشكيل عالمه .. طريق لا يكتفي بالخطاب المسرحي الذي يطرحه النص فحسب بل أنه يتخذ منه موقف بما يحوله ويبدل من تشكيله ليلائم ذلك الموقف الخاص به من العالم .

وعليه يمكننا أن ننتقل محاولة استكشاف ملامح ذلك الموقف الذي يتخذه المخرج من العالم وكيفيه استخدامه أدواته كمخرج لتشكيل عالمه الخاص .

ولعل أول ما يمكن لنا أن نشير إليه هو التقنية الأدائية التي أستخدمها المخرج والتي تقترب وكما سبق أن أشرنا من تقنيات أداء الكوميديا ديلاتي التي تعتمد على المبالغات الأدائية سواء على مستوي الأداء الصوتي أو الحركي.

ولعل المخرج قد حاول من خلال تلك التقنية تشكيل ملامح محددة للعالم تمكنه من تقسيم العالم الدرامي إلي قسمين.. الأول ينتمي لعالم المغيبين ومن يقومون باستغلالهم من ناحية وهو يحتوي عالم القادة والأمراء والشعب وذلك في مقابل من يمتلكون وعياً كاشفاً للواقع والذي يحتوي (منصور /السجين المفرج عنه/ أحمد يسري) وذطل (الزوج/ مصطفي جمال) و(الزوجة/ ريهام عليوة) .

وإذا فإن العالم ينقسم بالنسبة إليه إلي عالمين..  عالم من لا يمتلكون الوعي وهو عالم يسخر منه العرض ويحتقره بل ويصوره من خلال الكوميديا كمسخ يثير الضحك والشفقة أحياناً كما هو حال الشعب.. وذلك في مقابل عالم الوعي بأزمة المجتمع والذي ينتمي إليه وبشكل حصري من يكتسبون للوعي إما من خلال السجن كالسجين المفرج عنه أو من خلال الجوع والبطالة وفقدان الكرامة كالزوج والزوجة.

أن ذلك التقسيم يمكن أن يسير من التساؤلات أضعاف ما يقدم لنا من إجابات خاصة وأنه لا يكتفي بأن يشير إليه من خلال الأداء فحسب بل أنه يؤكد عليه من خلال المقابلة العنيفة بين نمطي الأداء من خلال تتابع المشاهد أو تواجد شخصيات تنتمي لكلا العالمين في ذات المشهد (كما هو الحال في مشاهد الطابور).

وهو ما يعني أن المخرج قد قرر إخضاع كافة أدواته الإخراجية للتأكيد على ذلك التفريق الواضح والفصل الذي يشير لحكم قيمة على العالمين... بما يجعل من تلك التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين العالمين والفروق بينهم تسهم في الكشف عن خطاب العرض.. أو عن الخلل الذي يعتري العرض بصورة أدق..

إن الفرق بين العالمين لا يحتوي على وجود فروق طبقية كما هو الحال عند سعد الله ونوس الذي يفصل بين عالم السادة وعالم الشعب ويضع المملوك جابر كنمط لمن يحاول القفز من (عالم الشعب/ العبيد... الخ) لعالم السادة.. كما أنه كذلك لا يحتوي فروق بين جنس العجم وسكان بغداد ..ذلك أن المخرج يقدم (ملك العجم/ خالد مشرف) و(هلاوون/ أحمد محرم) من خلال استخدام طبيعة أدائية على مستوي اللغة تجعل منهما أقرب لعالم من لا يحوزون الوعي ..

بالمجمل أننا أمام رؤية تفتقد للقدرة على التحديد الواضح أو الصريح للعالم الدرامي وللعلاقات بين المجموعات المشكلة له.. أو بشكل أبسط أنها رؤية مرتبكة وغير قادرة على اتخاذ موقف محدد من العالم برغم وجود نزوع واضح لدي المخرج على تشكيل عالمه الخاص والذي يحمل وجهة نظره في الواقع من خلال العرض ... وذلك أنه لم يبقي من وضوح سوي لمجموعة من يمتلكون الوعي أو القدرة على التساؤل وهم غير كافين بمفردهم لتشكيل طرف صراع طالما أن الطرف المقابل غائم وغير واضح المعالم أو التكوين.

ومما يزيد الأمر صعوبة هنا إضافة المخرج والمعد (وفيق محمود) لشخصيتان جديدتان للعرض وهما (حراس المسرح ) أو (الوجه الباكي/ يوسف شاهين) و(الوجه الضاحك/ محمد رمضان) .. فهما يشكلان إلي جانب الموسيقي الحية و(الراوي/محمد صابر) والتشكيلات الديكورية وقبل كل ذلك الأفتتاحية الغنائية  الراقصة للعرض ملامح أسلوب يتوافق مع الكوميديا ديلاتي في مجال التأكيد على حالة المسرحة والحضور الحي للممثلين في مقابل عالم الحكاية الداخلي.

وبالتأكيد أن العرض يتلاقي مع الأسلوب الفني الذي أعتمده النص ولكن وجود شخصية الضاحك والباكي داخل العرض لم يكن سوي حضور للرقابة فوجودهم يحد من اندفاع الشخصيات في التعبير عن وجهة نظرها .. بل أن دورهم كرقابة يصل لحد تساوي كافة الشخصيات (عدا العجم) في الخضوع إليه.. كذلك فإن المخرج كان يستخدمهما في تشكيل المشهد المسرحي.. وهو ما يعني أن المخرج يحاول هنا إضافة مستوي جديد للعرض... لكنه مستوي لم يتم تفعيله داخل العرض بشكل يدمجه داخل نسيج العلاقات بين تلك القوي .. بل بقي عالقاً في فضاء العرض ومشيراً لقوي غير واضحة أو محددة.. وبالتالي أصبح يقبع في الظلام كمستوي .

يمكن لنا التحدث عن الكثير من السمات والأفكار التي حاول العرض طرحها لكننا سنصطدم دائما بتلك المعوقات التي ساهمت في تراجع قدرة العرض على تشكيل خطاب واضح.. هذا من ناحية .. ومن ناحية أخري فإن العرض وجه عدد المشكلات نتيجة لحالة تراجع مستوي عدد من العناصر الفنية كالمستوي الموسيقي التي استخدم في تقديمها أله الأورج التي خلقت حالة من الضجيج وكما ساهمت في هبوط مستوي العرض ..

وأخيراًَ كان هناك أزمة حقيقية لدي العرض في إثارة ضحك الصالة من خلال تقنيات الكوميديا التي تم استخدامها وهو ما أنعكس بالسلب على تلقي العرض كما ساهم في قطع الطرق على العرض في محاولته لتوصيل رسالته للصالة.

ليست هناك تعليقات:

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...