الخميس، فبراير 20، 2014

القصة المزدوجة وإدانة الدولة والمجتمع عندما يتحولان للقمع كخيار ..


 
ربما لم يحظ نص مسرحي أسباني معاصر بذلك الإهتمام مثلما حاز نص القصة المزدوجة للدكتور بالمي لباييخو ذلك أنه نص يتماس مع واقع الدول العربية التي تسودها أجواء قمعية و تتحكم فيها أنظمة بوليسية.
وربما يكون مقر تميز ذلك النص هو عدم إنجرافه للخطب الحماسية و الإدانة الخطابية للتعذيب بل الإنطلاق محاولة معالجة تلك القضية بشكل موضوعي من خلال أزمة رجل أمن يتعرض للعجز الجنسي نتيجة عدم قدرته على التعامل مع جريمة تعذيب يرتكبها ... وعبرها تتم إدانة أخلاقية وإنسانية للتعذيب كممارسة من خلال بسط الأثار المدمرة لتقبل مثل تلك الأوضاع أمام المتفرج  .
من هنا تكتسب تجربة قصر التذوق و المخرج جمال ياقوت قيمتها ، فالعرض يأتي في لحظة ملتبسة أنتقل فيها عدوى فيروس العنف والقمع الذي كانت تعاني من الدولة المصرية (ونظامها السياسي) منذ سنوات طويلة للواقع السياسي وللمجتمع ككل .. فسقط المجتمع  في العنف و الدماء والإنقسامات السياسية و الطائفية وأصبح في حاجة لإعادة تعريف الكثير من الأمور (التي تبدو ظاهرياً بديهية) ليس أقلها أهمية التعذيب و القتل المادي و المعنوي وذلك بعدما تحول التعذيب والقتل من ممارسة تتم خلف أبواب مغلقة و تضطر الدولة لإن تقوم بعمليات تبرير أخلاقي وسياسي لها (وفي كثير من الأحيان الكذب بشأنها) إلي ممارسة عامة تتم بالشارع و تقوم بها قوى سياسية ضد أعدائها أسفل أبواب مقرالرئاسة أو في مقار الإعتصامات (وأحيانا بأسم الثورة)
ولعل أول ما يمكن التوقف أمامه هنا هو الإعداد الدرامي الذي قام به المخرج و الدراماتورج (جمال ياقوت) حيث نحى بنص العرض نحو الإهتمام بالتأكيد على  التماس مع ذلك الواقع .. حيث أضيف لنص باييخو عدد من الجمل على لسان شخصية المدير (إسلام عبد الشفيع/باولوس) لتؤكد على العلاقات بين مجتمع النص المسرحي الذي يعالج أوضاع المجتمع الأسباني في ظل الدولة الفاشية في النصف الأول من السبعينيات وبين المجتمع المصري في لحظته الراهنة .. كذلك حرص الإعداد على حفظ تلك المشاهد التى تتجادل فيها الشخصيات حول التعذيب ومواقفها المختلفة منه بما يتماس مع الخطابات التبريرية التي تبرر العنف و التعذيب سواء الذي تمارسه الدولة أو ذلك الذي يمارس في الشوارع .. وأخيراً فإن الإعداد قام بعمليات حذف لعدد من الشخصيات و الخيوط الدرامية الأساسية بالنص الأصلي (مثل شخصية الأم) لصالح التأكيد على طرحه وتوجهه.
وأخيراً فإن هدم نص العرض لمركزية شخصية الدكتور بالمي كسارد أساسي ربما كان من أكثر الإمور التي أضفت الحيوية على نص العرض وبالتالي كان من الممكن للعرض أن يكتسب  قدرته على أجتراح لذلك الجرح النازف الذي يعاني منه المجتمع والدولة الأن ..
ولكن ومن ناحية أخرى فإن العرض لم يتوقف أمام ذلك الحضور القوي و الطاغي للخطاب الذي يتبناه بل نجح في تحويل ذلك الخطاب لصورة مسرحية ..بداية من عمليات تشكيل الفضاء المسرحي (للمصمم/ محمود سامي) والتي حاولت التأكيد على العلاقة المعقدة بين الشخصية المركزية (دانيل/ أحمد السعيد) وبين عالمها عبر اللون الأسود الذي كسا أرضية المسرح والخلفية التي جمعت بين حضور مبني الجهاز الأمني (الراسخة و المؤكدة على حضور الدولة) و خلفيته التعبيرية التي تظهر فيها وجوه بشرية معذبة .. إن ذلك الحضور القووي و الراسخ والذي اكد عليه العرض كان أبرز عناصر العرض المسرحي و أكثرها تأكيداً على الخطاب الذي يطرحه العرض .
كذلك فإن العرض نجح في عرض خطابه عبر الأداء المسرحي حيث أهتم المخرج ومجموعة المممثلين على التأكيد على الشخصيات وأزماتها بداية من شخصية المدير التي تم تميزها  بحركات عصبية بالوجه والرقبة للتأكيد على إزدواجيتها بين خطابها المعلن من ناحية وبين أثر ممارستها عليها جسدياً وعصبياً .. وربما يمكن أن نلمح ذلك الإهتمام ببناء الشخصيات نفسياً و فسيولوجياً و توافقها مع خطاب العرض في أداء كافة الممثلين تقريباً .. بداية من أحمد السعيد وإيمان أمام و محمد مكي وعلى المصري و سالي السيد ..
لقد أهتم العرض بالتأكيد على السواء النفسي للشخصيات غير المدانة عبر الهدوء و الإنفعالات غير العنيفة في مقابل العنف و الصخب لدي الشخصيات المدانة ..

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

مقال مجترم ... أشكرك أستاذ مسعد

محمد مسعد يقول...

شكراً يا دكتور جمال على رايك .. وأشك لك عرضك الأكثر أحتراماً

في انتظار العائلة ... ثنائية البراءة والذنب

  منذ الوهلة الأولى، يتجلى عرض في انتظار العائلة بوصفه دراما تعبيرية تدور في فلك العالم الداخلي لمحامٍ يسعى للموت في أجواء كابوسية، حيث تطال...